سُئلت أيام أحداث محمد محمود فى نوفمبر الماضى، على إحدى الفضائيات، ما إذا كانت مصر، ستشهد أحداثًا دامية أخرى فى المستقبل؟ وكانت إجابتى "نعم" بالقطع! من اليسير على المراقب المدقق أن يستشرف مثل هذا "المستقبل" المتعثر، حال استعاد ذاكرة الأحداث التى بدأت قبيل الانتخابات وبعدها.. وهى فى واقع حال ضريبة متوقعة وعلى الشعب أن يتحمل تكلفتها الباهظة. ينبغى أن ندرك بأن الزلزال فى مصر كان عظيمًا، وامتدت توابعه ليس فقط لتطرق أبواب العواصم العربية.. وإنما هز عروش عواصم التنوير والديمقراطية فى العالم، ولأول مرة يحتذى الأمريكيون والبريطانيون وعدد من الدول الغربية حذو التجربة المصرية، وبات "ميدان التحرير" خبرة ثورية عابرة للحدود. المشكلة أن المصريين لم يدركوا بعد قيمة ما صنعوه على مستوى التاريخ الإنسانى، ولا على صعيد خطورته على الأنظمة السياسية، ليس فقط فى البيئة الإقليمية المتماسة مع الحالة المصرية، وإنما على شبكة المصالح الدولة، والإمبراطوريات المالية والاقتصادية الضخمة والمتوحشة، والتى تقوم على استنزاف "الإنسان" وتحويله إلى سلعة وإلى أوراق بنكنوت وأرصدة وحسابات بنكية "مليارية". على الصعيد الأول، لم ينهض المصريون على ذات مستوى الثورة فى بعدها الحضارى باعتبارها نموذجًا فريدًا ل"الطهر الثورى".. الذى من المفترض أن يُترجم إلى ثقافة مجتمعية تتجاوز فكرة الحداثة "المصطنعة" كمنتج تكنولوجى يوظف لصالح الشركات العملاقة وشبكات المصالح الاقتصادية الكبرى فى العالم.. فالمصريون لا يزال يعتصرهم "غياب اليقين" بشأن قيمة ما صُنع فى 25 يناير 2011.. إذ ظلت السلوكيات العامة، على ذات "التشوه"، الذى أصاب الذوق العام المصرى، منذ حركة الجيش عام 52 وإنهاء حكم الأسرة العلوية. وعلى المستوى "توابع" الزلزال، فإن المصريين لم يكن فى خيالهم أن تشهد البلاد مثل هذه الاضطرابات التى تتنامى الآن بشكل لافت.. إذ استقرت فى الوجدان العام، صورة ذهنية شديدة السذاجة، وثقت فى "براءة" الموقف الإقليمى والدولى من الحدث التاريخى الأهم فى تاريخ مصر الحديث.. فيما كانت الثورة فى واقع الحال الكابوس الذى قض مضاجع الطغاة فى المنطقة من جهة، وأصحاب المصلحة فى أن يظل الاقتصاد المصرى رهن التبعية للغرب من جهة أخرى.. وفى وقت تلاقت فيه مصالح "الفلول" فى الداخل.. مع القوى الدولية بالخارج، الراغبة فى إجهاض النموذج المصرى ووأده قبل أن ينجز مشروعه الديمقراطى ويصبح واقعًا سياسيًا ونموذجًا للقوى الثورية فى العالم. ولذا فإن جزءًا من آليات الخروج من المأزق الحالى.. يتوقف على قدرة المصريين على استعادة الوعى ب"قيمة" ما أنجزوه.. و"خطورته" على المصالح الدولية.. وهو الوعى الذى ربما يعيد "العقل" و"الرصانة" مرة أخرى إلى الطبقة السياسية التى تتصدر المشهد السياسى المصرى فى هذا اللحظة التاريخية. [email protected]