مضى الآن أكثر من خمسة عشر عامًا على الاجتماع الحاسم الذي تم في الخامس والعشرين من شهر يوليو عام 1990 عندما التقت السفيرة الأمريكية لدى العاصمة العراقية بغداد في ذلك الوقت أبريل جلاسبي الرئيس العراقي صدام حسين وأعطته ضوءًا أخضر من واشنطن بشأن قرار غزو الكويت الذي تم بعد هذا الاجتماع بثمانية أيام فقط. وكتب كليم عمر مقالاً في شبكة جانج جروب الباكستانية قال فيه إن وزارة الخارجية الأمريكية التي فرضت حصارًا إعلاميًا على السفيرة جلابسي ومنعتها من إجراء أية مقابلات مع وسائل الإعلام أو الصحافة منذ أغسطس عام 1990، ظلت تعاني من هذا الحصار على الرغم من أنها تقاعدت من السلك الدبلوماسي الأمريكي في عام 2002. وتضيف الشبكة أنه وعلى مدار كلّ تلك السنوات منذ اجتماعها مع صدام حسين، لم يسبق لجلاسبي أن تكلّمت إلى أجهزة الإعلام، ولم تظهر كضيفة على أي برنامج حواراي تلفزيوني، كما أنها لم تكتب مقالة أو كتابًا حول فترة عملها كأعلى ممثلة دبلوماسية للولايات المتحدة في بغداد. وتستطرد الشبكة الباكستانية أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو .. لما ذا حدث هذا الحصار الإعلامي على السفيرة الأمريكية السابقة، وما الذي كانت تملكه ويستحق بذل كل هذا الجهد لكي لا يرى النور؟ ويبدأ كليم عمر القصة منذ البداية فيقول إن أبريل كاثرين جلاسبي كانت قد ولدت في فانكوفر بكندا، في السادس والعشرين من أبريل عام 1942 وتخرّجت من جامعة ميلز في أوكلاند بكاليفورنيا في عام 1963 ومن جامعة جونس هوبكنز في عام1965. وفي عام 1966 اقتحمت السلك الدبلوماسي الأمريكي، حيث أصبحت خبيرة في شئون الشرق الأوسط. ثم بعد تعيينها في عدة مناصب في الكويت وسوريا ومصر، تم تعيين جلاسبي سفيرًا إلى العراق في عام 1989. وجاء تعيين جلاسبي في هذا المنصب الحساس عقب فترة شديدة الأهمية في تاريخ العراق وهي فترة من 1980 إلى 1988 التي شهدت تقديم الولاياتالمتحدة لدعم كبير للغاية لبغداد في حربها الطاحنة مع إيران. وقبل عام 1918 كانت الكويت جزءًا من المحافظة العثمانية في مدينة البصرة، أي انها كانت جزءًا من العراق، لكن العراق اعترف باستقلالها عام 1961، ثم بعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية وبعد أن حصل العراق من الكويت على مبلغ 14 مليار دولار، تنازع العراق والكويت على مسائل تتعلق بنقاط الحدود المختلف عليها والممرات المائية وأسعار النط الكويتي المباع، ومجال التنقيب عن النفط في المناطق الحدودية. وتقول الشبكة إن جلاسبي نفسها هي التي طلبت الاجتماع بالرئيس العراقي صدام حسين، مؤكدة أنها تحمل رسالة عاجلة من الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب إلى صدام. وتلمح الشبكة إلى أنها كانت أول مقابلة رسمية بين السفيرة الأمريكية في بغداد والرئيس العراقي وربما كانت الأخيرة أيضًا، وجاء في نص المقابلة: السفير الأمريكية جلاسبي: عندي أوامر مباشرة من الرّئيس بوش بالعمل على تحسين علاقاتنا مع العراق، ونحن عندنا تعاطف كبير مع مساعيكم في بغداد للحصول على أسعار عالية للنفط، ونعتقد أن هذا هو السبب المباشر لمواجهتكم المرتقبة مع الكويت، وكما تعرف فقد عشت هنا في العراق لسنوات وأنا أحترم جهودك الواضحة في إعادة بناء دولتك ، ونحن لاحظنا كيف أنك نشرت قوات كبيرة من جيشك في جنوب العراق، وهذا الأمر في المعتاد لا يجب أن يكون ضمن اهتماماتنا، ولكننا نربطه الآن بتهديداتك لدولة الكويت، ولذا نرجح أن هناك علاقة بين الأمرين، وبناء على ما سبق فقد تلقيت أمرًا بأن أسألك بشكل مباشر وبدافع من روح الصداقة وليس التحدي بشان نواياك الحقيقية.. ونسألك الآن لماذا حشدت قواتك على مقربة من حدود الكويت؟. الرّئيس صدام حسين: كما تعرفين، فقد بذلت على مدار سنوات كلّ جهد ممكن من أجل التوصّل إلى تسوية لنزاعنا مع الكويت، وننوي عقد اجتماع خلال يومين، وأنا مستعد لفتح باب التفاوض ولكن لفرصة واحدة أخيرة متبقية، ولذا فسنجتمع مع جيراننا الكويتيين ونرى أي أمل يمكن أن يسفر عنه اللقاء، لكننا لو وجدنا أننا غير قادرين على التوصل إلى حل فسيكون من الطبيعي أن يرفض العراق بالطبع الاستسلام للموت. السفيرة الأمريكية جلاسبي: كيف تتوقعون أن يكون شكل الحل المقبول لهذه الأزمة؟ الرّئيس صدام حسين: إذا نحن نجحنا في الاحتفاظ بكلّ شط العرب – الذي كان هدفنا الاستراتيجي في حربنا مع إيران – فسوف نقدّم تنازلات للكويتيين، لكن إذا أجبرنا على الاختيار بين الاستمرار بنصف شط العرب أو كل العراق – ويدخل ضمن ذلك أرض الكويت – فسنتخلى عن شط العرب لنبقي على العراق كاملاً بالشكل الذي نتمناه، وحبذا لو نعلم ما هو موقف الولاياتالمتحدة من هذا. السفير الأمريكي جلاسبي: نحن ليس لنا رأي حول نزاعاتكم العربية العربية، مثل نزاعكم مع الكويت، وكل ما حدث أن وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر وجهني إليك لنستوثق من الأمر، مع الوضع في الاعتبار أنه ومنذ عام 1960 لم تعد قضية الكويت مرتبطة بأمريكا. [ابتسامات من صدام حسين ونهاية الاجتماع] ويتحدث كليم عمر عن مؤتمر صحفي عقد في واشنطن بعد اجتماع جلاسبي والرئيس العراقي أي في السادس والعشرين من يوليو عام 1990، وسئلت خلاله الناطقة بلسان وزارة الخارجية الأمريكية مارجريت توتويلير من قبل الصحفيين: هل أرسلت الولايات المتّحدة أيّ نوع من الرسائل الدبلوماسية إلى العراقيين حول وضع ثلاين ألف جندي عراقي على الحدود مع الكويت؟ وهل قدمت الحكومة الأمريكية أية احتجاجات على هذه التحركات؟. وأجابت الناطقة الأمريكية توتويلير: أنا ليس لدي أي علم باحتجاجات وجهتها واشنطت حول هذه المسألة. ثم في الحادي والثلاثين من يوليو عام 1990 وقبل يومين من الغزو العراقي للكويت أخبر جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشئون الشرق الأدنى، الكونجرس: الولايات المتّحدة ليس لديها التزام بالدفاع عن الكويت والولايات المتّحدة ليس لديها نية في الدفاع عن الكويت إذا تعرضت لهجوم من قبل العراق. ويؤكد كليم عمر أن الفخّ كان قد أعد بذكاء بالغ من خلال اجتماع جلاسبي مع صدام ثم تم إحكامه أكثر على لساني توتويلير وكيلي، ومن ثم فقد مضى صدام حسين قدمًا واخترق الفخ بقدمه معتقدًا أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لن تحرك ساكنًا لو غزت قواته الكويت، وفي الثاني من أغسطس عام 1990 هاجمت قوات صدام حسين الكويت. وبعد شهر واحد من هذا الحدث في بغداد، حصل الصحفيون البريطانيون على شريط يتضمن نسخة مما دار في اجتماع صدام حسين مع أبريل جلاسبي الذي تم في الخامس والعشرين من أبريل عام 1990، وحاول الصحفيون البريطانيون مواجهة السفيرة الأمريكية بينما كانت تهم بمغادرة مقر السفارة الأمريكية في بغداد. وسألها الصحفي الأول: هل هذه النسخ للمقابلة التي أجريتيها مع الرئيس العراقي صحيحة سيادة السفيرة؟. ولم ترد السفيرة الأمريكية جلاسبي على هذا السؤال. وسأل صحفي ثان: لقد كنتم تعرفون أن صدام سيغزو الكويت، ورغم هذا لم تحذروه من أن أمريكا ستتدخل للدفاع عن الكويت، بل على العكس أخبرتموه أن أمريكا لا علاقة لها بالدفاع عن الكويت. وعاد الصحفي الأول ليقول: لقد شجّعتم هذا العدوان وعلمتم بالغزو، كيف كنتم تحسبون الأمر؟. وردت السفيرة الأمريكية جلاسبي: من الواضح والمؤكد جدًا أنه لم يكن يتخيل أحد ولم أفكر مطلقًا أن العراق سيقدم على أخذ كل الكويت. وسأل الصحفي الأول: هل اعتقدتم أن صدام ينوي أخذ جزء من الكويت فقط؟ لكن كيف حتى توصلتم إلى هذا؟ هل أخبرك صدام بذلك؟ هل أخبركم أنه لو فشلت المفاوضات فسيتخلى عن شط العرب في سبيل امتلاك العراق كله وفقًا لما يراه صدام والذي يعني الكويت ضمنيًا؟. ولم ترد السفيرة الأمريكية على كل هذه الأسئلة وتركت الصحفيين وغادرت المكان، لكن الصحفييْن ظلا يلاحقانها قائليْن: أمريكا أعطت الضوء الأخضر لهذا الغزو، وعلى الأقل كانت أمريكا تعطي صدام مؤشرًا بأن بعض الاعتداء على الكويت ولو جزئيًا يمكن أن يكون مقبولاً، وأن الولاياتالمتحدة لا تعارض سيطرة العراق على حقول النفط بالرميلة، والشريط الحدودي المتنازع عليه وجزر الخليج التي ادعى العراق أحقيته بها. ومرة أخرى لم ترد السفيرة الأمريكية واستقلت سيارتها وأغلقت الباب خلفها. ثم بعد سنتين من هذا الحوار وأثناء دورة نقاشية شارك فيها مرشح رئاسي في ذلك الوقت في عام 1992 على شبكة أخبار إن بي سي قال المرشح روس بيرو: لقد أخبرنا صدام أنه بإمكانه أن يأخذ الجزء الشمالي من الكويت؛ وعندما أخذ الكويت كلها رفضنا ذلك بشدة، ولو شك أحد في أن هذا ما حدث فعلينا أن نراجع تقارير لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ ولجنة المخابرات التابعة لمجلس الشيوخ لنرى ما تلقته السفيرة الأمريكية جلاسبي من تعليمات. وفي هذه اللحظة قاطع الرئيس جورج بوش الأب منافسه بيرو وقال: أنا من حقي أن أرد على هذا الكلام الخطير.. لأنه يمس الشرف الوطني .. وأحب أن أقول أن هذا الكلام سخيف للغاية. لكن يؤكد كليم عمر أن أبريل جلاسبي غادرت بغداد في أواخر أغسطس عام 1990 وعادت إلى واشنطن، وظلت في حالة من الحصار الإعلامي على كل تنقلاتها مفروضة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية لمدة ثمانية أشهر، حيث لم يسمح لها بالحديث مع وسائل الإعلام، ولم تخرج عن صمتها حتى النهاية الرسمية لحرب الخليج الثانية في الحادي عشر من أبريل عام 1991، عندما استدعيت للشهادة بشكل غير رسمي أمام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي بشان اجتماعها مع صدام حسين. وقالت جلاسبي إنّها راحت ضحيّة مكر متعمّد على أعلى مستوى واستنكرت نسخة ما دار في الاجتماع وأكدت أن هذه النسخة مزيفة ولا صحة لها. ولقد انتظرت جلاسبي الدبلوماسية المخضرمة مهمتها القادمة، حيث أوكلوا لها مهمة غير حساسة في منظمة الأممالمتحدة بنيويورك، قبل أن تنتقل إلى العمل كقنصل عام للولايات المتحدة في كيب تاون بجنوب أفريقا قبل ان تتقاعد من سلك العمل الدبلوماسي في عام 2002. المصدر : مفكرة الاسلام