30 ألف مصنع على حافة الإغلاق و30 مليون مشرد 5 حلول تتلخص فيها المطالب أهمها تطبيق منظومة العيش
تُنسج الخيوط، لتكسو مصر بصناعةٍ لطالما كانت بها هى الأشهر؛ فمنذ عصر الفراعنة اهتم المصريون القدماء بالملابس والنسيج، واتضح هذا جليًا في النقوش المنتشرة في جميع المعابد الفرعونية وغيرها، وحتى في العصور المتعاقبة صُلّت الضوء على صناعة الغزل والنسيج، والتي أثبتت أن ما أنتجته أنوال مصر على مَرّ العصور يضفي بريقًا على تاريخ تلك الصناعة، التي نسّجت خيوط الأمل لوضع «صنع في مصر» بفخر على كل ما يخرج من تحت أيدٍ مصرية، ولكن ما بناه الأجداد في سنين توقف في أقل من 10 سنوات، من كل الجوانب اندثر، توقفت الساعة وتوقفت الخيوط عن النسج، ومعها توقفت أكثر من 10 ملايين يدٍ تنفرد بصناعة وطن، هذا المصير الذي واجه صناعة الغزل والنسيج في مصر حتى أصبح أصحاب المصانع يعضون الأنامل انتظارًا للفرج. أكثر من 30 ألف مصنع غزل ونسيج في ربوع مصر، حتى في المناطق الأشهر بتلك الصناعة، أصبحت إما مهجورة أو معروضة للبيع والإيجار أو خاوية على عروشها لا يعمل بها إلا صاحبها وإن كان لديه من الأقرباء، ومن بين المناطق الأكثر تضررًا من هذا الوضع منطقة شبرا الخيمة، وبالتحديد منطقة "المشتل" التي لطالما عانت من ضجيج وصخب أصوات ماكينات المصانع إلا أن هدوءها الحالي هو الأكثر معاناة من ضجيجها، فهدوءها أوقف أكثر من 12 مصنعًا والباقية على شفا حفرة الإغلاق؛ فالكهرباء والسوق وحتى المواد الخام والعمالة أصبحت من أكبر المُشكلات التي تواجهها صناعة إذا تم الاهتمام بها من الممكن أن تكون مصدر دخل رئيسي للاقتصاد المصري كما كانت عليه من قبل. المشكلات التي قصمت ظهر «النسيج» إذا وضع السبب الرئيسي فيما آل إليه الوضع في مصانع النسيج – أكثر من 40 مصنعًا - في منطقة المشتل، فنقطة هبوط سهم تلك المصانع بدأت من بعد الفوضى التي غمرت البلاد عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير، ففي أقل من 4 سنوات تضاعف مبلغ سداد فاتورة الكهرباء لدى المصانع ومنذ رفع الدعم عنها، مما يقرب 3000 إلى 8000 جنيه، الفاجعة التي سقطت على رؤوس أصحاب المصانع وزادت هموم الصناعة همًا، فضلاً عن هموم هروب العمالة للبحث عن مصدر دخل أعلى، وارتفاع سعر المواد الخام. فلدى «مصطفى سمير»، صاحب مصنع نسيج بمنطقة شبرا الخيمة، 3 فواتير خلال 4 أعوام تُقر أن الوضع أصبح كارثيًا، ويقول ل«المصريون»: «أول مشكلة كسرت ضهر الصناعة، ارتفاع سعر الكهرباء ورفع الدعم عنها، لو زادت عن كده هنضطر نقفل ونقتل الصناعة دي»، مستطردًا: «الكهرباء عمالة تغلي علينا وإحنا ولا عارفين نسوّق ولا عارفين نجيب عمالة ندفعلها ومفيش سوق، لازم يشوفولنا حل». وأوضح «سمير»، خريج كلية التربية، والذي لم يكمل مسيرته كرجل تربوي حتى يظل مصنع والده وأجداده قائمًا، إلا أن الأقدار شاءت دون ذلك وكل الطرق مسدودة، أن ليست الكهرباء وحدها هي سبب الأزمة بل أيضًا رجال الأعمال الذين يستوردون ما يمكن إنتاجه في مصر، مضيفًا: «في أيادي كتير عاوزة حال الصناعة في البلد يوقف، غير أن الأقمشة الصيني مهما كان بتيجي أرخص من إنتاجنا واحنا منقدرش ننزل السعر هتبقى خُسارة كبيرة؛ لأن في ظل غلاء شرائح الكهربا وزيادة أجور العمالة والمواد الخام وقلة التسويق صعب أننا ننافس رخص أسعار النسيج الصيني». وأشار إلى أن هناك احتكارًا ملحوظًا، وأن السلع التي تُغرق الأسواق تأتي مُهربة، أو يتم تسهيل استيرادها لتقتل الصناعة لذلك تأتي بأسعار مخفضة للغاية فلا يمكن لنا منافسة أسعارها، فضلاً عن أزمة المواد الخام التي تُعد أهم عناصر تعطل مسيرة صناعة النسيج في مصر؛ حيث قال «أحمد طهطاوي»، صاحب مصنع نسيج من ثلاثة طوابق، الذي أدى به الحال إلى أن يبيع ماكينات مصنعه، أن المواد الخام التي نضطر لاستيرادها من الخارج من الممكن أن يتم توفيرها هنا، حال تعون وزارتي الصناعة والزراعة في إحياء زراعة القطن وغيرها من زراعات تدخل في صناعة الغزل والنسيج، مضيفًا أن وزارة البترول أيضًا لها دور كبير في توفير مواد خام للأصباغ. ومن جانبه، قال أحد أصحاب المصانع، إن هناك مؤامرة لإسقاط تلك الصناعة بشتى الطرق، معللاً: «أنا كان عليا فاتورتين متأخرين في الكهربا روحت عشان أدفعهم وبقول لأحد المسئولين هناك، لو الكهرباء فضلت غالية علينا كده هنضطر نقفل، رد عليا المسئول وقالي اقفلوا وارحمونا من وجع الدماغ ده». وتابع: أنه إذا تمت بالفعل الزيادة المقررة في شهر يوليو القادم فسيقضى بهم الحال إلى إغلاق كل المصانع، مشيرًا إلى أنه إذا تم غلق كل مصانع الغزل والنسيج في مصر ستُشرد أكثر من 30 مليون أسرة مصرية، يعتمد قوت يومها بشكل رئيسي على صناعة الغزل والنسيج، أي بمعدل إغلاق 30 ألف مصنع. «مفيش مسئول مسئول» هكذا سرد لنا سبب الأزمة، «أحمد»، صاحب مصنع نسيج، والذي أرجع سبب الأزمة التي تلاحقهم، لتخاذل بعض المسئولين عن إعادة إحياء الصناعات التي بإمكانها أن تعيد إحياء الصناعات المصرية وأن تعيد للاقتصاد المصري متنفسه، مضيفًا أن الطاقة الإنتاجية قلّت بسبب هروب العمالة وأن كثيرًا من المصانع أغلقت أبوابها وباع أصحابها الماكينات يائسين من عودة الصناعة، وأن العامل كان يقبل من قبل بيومية 15 جنيهًا والتي زادت الآن 8 أضعاف، أي أن العامل يطالب بيومية 80 جنيهًا. وقال «أحمد»: «التسويق للمنتج المصري بات أمرًا صعبًا؛ لأن المنتج المصري سعره مرتفع عن الأقمشة التركية والصينية وغيرها، مشيرًا إلى أنهم مضطرون إلى ذلك بسبب غلاء الكهرباء وارتفاع سعر المواد الخام والأصباغ وغيرها من مواد تدخل في صناعة النسيج». طرف خيط الأزمة فإجمالاً للأزمة عدة أسباب ولكن يبقى لها بذرة فاسدة تشعبت في باطن الصناعة، فكانت آخر الإحصائيات عن المنسوجات والأقمشة التي يتم تهريبها إلى مصر العام الماضي فقط وصلت إلى 10 مليارات جنيه، ما أدى إلى إغلاق أكثر من 800 مصنع بمنطقة شبرا بالكامل وبقى نحو 300 مصنع على وشك الإغلاق وفي منطقة المشتل تحديدًا أكثر من 40 مصنعًا مهددًا بالغلق بسبب تدهور حال الصناعة. فحتى الآن أغلق أكثر من 12 مصنعًا في المنطقة، وعرض عدد من أصحاب المصانع للبيع ووصل الأمر إلى بيع ماكينات المصنع، فضلاً عن لجوء بعض أصحاب المصانع للعمل كسائق «توك توك»، إلى جانب ارتدائه ملابس العاملين بالمصنع ويباشر العمل. «محمد سيد أحمد» صاحب مصنع نسيج في الأصل وبسبب قلة العمالة وبقاء عاملين فقط معه في المصنع يرتدي ملابس العمل ويبدأ بتشغيل الماكينات، ليس هذا فحسب بل لجأ أيضًا في المساء إلى العمل كسائق «توك توك» حتى يغطي مصاريف حياته المعيشية. «هعمل إيه مفيش حل تاني» هكذا رد يائسًا عند سؤاله، لماذا وصل الأمر إلى هذا الحد، مستطردًا: «كل حاجة بتغلي علينا والعيشة بقيت صعبة، أهو بنعوض اللي بنخسره من المصنع في التوك توك وأهي ماشية». تباين الآراء وعلى جانب آخر، قال الدكتور مصطفى الفقي، رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج، إن المصانع التي أغلقت في منطقة شبرا الخيمة لها ظروف خاصة، مشيرًا إلى أن المشكلات التي تعاني منها المصانع في القطاع الخاص تعاني منها شركات الغزل والنسيج في القطاع العام، موضحًا أن كل الشركات تعاني من نفس المشكلات، مؤكدًا أن أقصى ما يمكن لتلك الشركات فعله هو التظلم فقط. وأضاف «الفقي»، في تصريحات خاصة ل«المصريون»، أن شركات الغزل والنسيج عقدت اجتماعين مع رئيس مجلس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل لمدة 4 ساعات لبحث المشكلات التي تواجه تلك الصناعة في مصر ووضع حلول لها معلنًا عن عقد اجتماع آخر يوم 20 من الشهر الجاري لتحديد الخطوط الرئيسية لتلك الأزمة. وتابع «الفقي» أن عددًا من الوزراء المختصين حضروا الاجتماع وأبرزهم وزيرة التضامن الاجتماعي الدكتورة غادة والي، ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي الدكتور عصام فايد، ووزير الصناعة والتجارة الدكتور طارق قابيل، ووزير المالية الدكتور عمرو الجارحي، بالإضافة إلى وزير الكهرباء والطاقة المتجددة الدكتور محمد شاكر، مشيرًا إلى أن الحكومة وعدت بوضع عدد من الحلول للأزمة. وأشار إلى أن رفع الدعم عن الكهرباء سبب رئيسي للأزمة ولكنه ليس السبب الوحيد، مؤكدًا أن هناك أزمة في الغاز والمياه وغيرها من المشكلات التي باتت تهدد تلك الصناعة، مؤكدًا استحالة غلق المصانع التابعة للقطاع العام. وعن المصانع التي تتوجه للإغلاق حاليًا، أكد أنها مصانع صغيرة لا يمكن أن يتسبب إغلاقها في إنهاء صناعة الغزل والنسيج في مصر، لافتًا إلى أن القطاع الخاص يمثل 35% من صناعة الغزل والنسيج منتشرة في جميع أنحاء الجمهورية وليس في شبرا الخيمة وحدها، فيما يمثل القطاع العام 65% من صناعة الغزل والنسيج وأنها ستستمر في العمل مهما كانت الظروف -على حد قوله. نواب يمتنعون فيما أكد النائب البرلماني، أحمد سميح، أن مشكلة الكهرباء بالفعل من المشكلات المتعثرة التي يعاني منها الشعب المصري بأكمله وليس أصحاب المصانع فقط، معلنًا تقدمه بطلب إحاطة لوزير الكهرباء بشأن ارتفاع أسعار الكهرباء المبالغ فيها –على حد وصفه. وأضاف «سميح» أن المصانع يجب أن تبحث عن حلول لتلك الأزمة بدلًا من توجهها للإغلاق خاصة أن صناعة الغزل والنسيج من أهم الصناعات في مصر، مشيرًا إلى أن رفع الدعم عن الكهرباء عانى منه الكثيرون وفي المقدمة يأتي المواطن البسيط. وطالب «سميح» أصحاب تلك المصانع بتقديم شكوى إلى مجلس الوزراء بخصوص أزمتهم، فضلًا عن التواصل مع نواب البرلمان في منطقتهم لإيجاد حلول والسيطرة على الموقف. وفي المقابل، قال «إمام»، تاجر وصاحب مصنع نسيج، إن عددًا من أصحاب المصانع تواصلوا مع نواب مجلس الشعب قبل فوزهم في الانتخابات بالفعل وتمت عدة مقابلات ولكن لا عين ترى ولا أذن تسمع، متسائلاً: «بس هى شغلة المسئول إيه مدام مشكلة كبيرة زي دي ميروحش هو ويتحرك لحلها بنفسه؟». ولفت إلى أن المسئولية تقع أولاً على وزير الصناعة وغرفة صناعة الغزل والنسيج والرئيس ورئيس الوزراء. لديهم حلول في انتظار المسئول وتلخصت مطالب عدد من أصحاب المصانع، الذين لجأوا لنشر أزمتهم بعد أن غض المسئولون الطرف عن الأزمة –بحسب قولهم-، جاءت الخمسة مطالب على هيئة حلول؛ حيث قال «أحمد» إنه كما وُضع حل لأزمة منظومة العيش والتموين، يكون لمصانع الغزل والنسيج منظومة خاصة بها تتعامل بها الدولة مع المصانع الخاصة والعامة. وأجمع أصحاب المصانع على ضرورة تخفيض سعر الكهرباء على المصانع الصغيرة، وأن الزيادة المقررة ستتسبب في إغلاق آلاف المصانع وسيتشرد أكثر من 30 مليون شخص –بحسب تقديراتهم، أما عن منطقة شبرا الخيمة فأكثر من 40 مصنعًا صغيرًا سيتم إغلاقهم بالكامل. وطالبوا أيضًا بأن يهتم وزير الصناعة بالصناعة جيدًا وخاصة صناعة الغزل والنسيج، التي إذا اهتمت بها الدولة على أكمل وجه، ستكون أكبر مؤثر إيجابي ملحوظ على الاقتصاد المصري، فضلاً عن مطالبهم بتوفير المواد الخام التي يتم استيرادها من الخارج بأسعار مرتفعة جدًا. ومن أهم المطالب التي شددوا عليها، هو توفير سوق خاص لتسويق المنتجات المصرية التي يقومون بتصنيعها، ومنع استيراد الأقمشة وإحكام القبضة على الجمارك، وكل السلع التي تهرب إلى داخل مصر. شاهد الصور..