هل أدهشتك الصناعات الكبرى بأوروبا والإنتاج الضخم للمصانع، هل علقت فى أذهانك مصانع الصين واليابان التى كانت تتبوأ مقاعد متأخرة على خريطة النمو الصناعى، بينما تبوأنا فى حقب ماضية مقدمة القطار، عندما كانت شبرا الخيمة تعتبر قلعة صناعة المنسوجات والملابس الجاهزة بعد المحلة ويطلق عليها «القلعة الحمراء» كما وصفت فى كتاب العمال والحركة السياسية فى مصر، كأحد أكبر وأقدم المدن الصناعية في مصر، وقد أنشئت صناعة النسيج بشبرا عام 1832 فى عهد محمد على باشا، بافتتاح أول مصنع، وسرعان ما ارتفع عدد المصانع الى 10 مصانع ووصل عدد العاملين بها الى 9 آلاف عامل، وارتفع بعد ذلك عدد المصانع الى تسعة آلاف مصنع، يعمل بها أكثر من22 ألف عامل. ولكن الأمر لم يدم طويلاً فقد تعرضت المدينة الصناعية بشبرا للكثير من المتاعب والظروف الصعبة، فانخفض عدد المصانع تدريجيا من 9 آلاف الى 1200 مصنع فقط بانخفاض 7 آلاف و800 مصنع، بسبب قيام بعض أصحاب المصانع بالعمل فى تجارة الأراضى كوسيلة للثراء السريع. والبعض الآخر تراكمت علية الديون. بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة وحالة الكساد التى أصابت إنتاجه مما جعله مجبراً للبيع لسداد ديونه. وللأسف تقلصت مساحة مدينة المصانع بشبرا وتحولت الى مناطق عشوائية مزدحمة بالسكان. وقد وصل الأمر الى إغلاق ما يقترب من 850 مصنعا، واستمرار عمل 350 مصنعا فقط. كما انخفضت اعداد الورش من 500 ورشة الى 200، بسبب الديون وارتفاع التكاليف وهجرة العمالة الى صناعات اخرى، وتدهورت الصناعة بالقلعة الحمراء، وأصبح غلق المصانع وبيع معداتها خردة أمرا مألوفا بعد أن دخلت صراعا من أجل البقاء والبعض الآخر اتجه الى صناعات اخرى مثل اللوحات المعدنية والمسابك. وقد تحولت هذه المصانع الى مصدر للتلوث والازعاج الدائم لسكان منطقة شبرا الخيمة او المؤسسة بسبب الزحف العمرانى العشوائى. ودون الخوض فى الاتهامات لمعرفة المقصر، فصناعة النسيج فى شبرا جرح غائر فى جسد الدولة ينزف دما، وقد ساهمت فوضى استيراد الأقمشة والملابس الجاهزة، وارتفاع اسعار المواد الخام،والديون الى انهيار هذه الصناعة وأجبر الكثير من اصحاب المصانع على الغلق، وما تبقى يصارع من أجل البقاء. ففي الوقت الذي سعت دول لم يكن لها تاريخ في هذه الصناعة لتحقيق طفرة، تمكنت من الوصول لمعدلات إنتاج عالمية عالية الجودة، ساعدها على زيادة قدرتها التنافسية بالأسواق العالمية. «الوفد» تسلط الضوء على مشاكل قلعة الغزل والنسيج بشبرا. البذرة الفاسدة فى البداية أجمع أصحاب المصانع على أن القطن المصرى لم يعد له تواجد فى ساحة صناعة النسيج، وكل ما يتم تصنيعه هى خامات مستوردة مجهولة الصناعة، بعضها لا يدخل القطن فى مكوناتها، وأشاروا إلى أن سياسات الحكومات السابقة، ورجال الأعمال سبب رئيسى لتدهور صناعة الغزل والنسيج. مجدى عمار مدير أحد المصانع يقول: أسعار الخامات زادت بنسبة من 50 إلى 60% ومنها الصبغات والطباعة ونسيج الفتلة، الى جانب زيادة اجور العاملين، حيث ارتفعت مطالبهم من كان يتقاضى 2000 جنيه يطالب بمبلغ 4000، وهو أمر صعب على اصحاب المصانع تحقيقه. وأوضح أن المصنع يقوم بالتصنيع لحساب المستورد، وهو إرسال شحنات الأقمشة من الخارج، وتصنيعها فى مصر ثم إعادة تصديرها الى الخارج مرة أخرى، وهذا بديل عن إغلاق المصنع» أما نعمان الباجورى صاحب مصنع بشبرا والذى ارتسمت على وجهه المعاناة، تحدث عن المشاكل التى يواجهها هو وغيره قائلا: «فى كل شهر يعلن صاحب مصنع إفلاسه وبيع الآلات، وجميع من يعمل هنا يخشى أن نمر بنفس الظروف وذلك بسبب التهريب». وأضاف «نعمان»: تأتى الأقمشة من الخارج مهربة عن طريق التحايل على الجمارك، قلب توب القماش ليظهر لونه أبيض لإيهام المراقبين أنه جاء من أجل التصنيع فقط ليصدر مرة أخرى» وعليه يتم إغراق السوق بمنتجات رديئة ورخيصة السعر، وهو ما يبحث عنه المستهلك، وهو ما أفسد الذوق العام للمواطن المصرى، وأصبحت المنافسة صعبة الى جانب أن المستورد يتميز بالجودة، على عكس المصرى وإن كان هناك كثير من المصانع الخاصة تهتم بالجودة» ويؤكد محمد سعد أن 30% من العمالة فى مصر يمتهنون صناعة الغزل والنسيج، وللأسف أغلبهم الآن يعانى من البطالة، بسبب غلق بعض الورش والمصانع، وانخفاض الطاقة الإنتاجية اليومية والأجر فالعامل رغم حصوله على 2300 شهريا مقابل «وردية» 8 ساعة، ويضيف ورغم أن عددا كبيرا من المصانع والورش يمتلك احدث الماكينات إلا أننا نعانى من ضعف تصدير منتجاتنا لأسباب كثيرة منها عدم وجود خطط تسويقية، وتجاهل الملحقين التجاريين بسفارتنا بالخارج فتح أسواق جديدة فضلا عن رفض بعض الدول الشراء لارتفاع سعر المنتج المصرى عن نظيره الأجنبى ولكننا مضطرون بسبب ارتفاع التكلفة نظرا لارتفاع أسعار الكهرباء والمواد الخام فسعر كيلو البوليستر زاد من 10 جنيهات الى 15 جنيها، والأصباغ من 80 قرشا الى 6 جنيهات. ويشكو أصحاب المصانع الصغيرة من اهتمام الدولة بدعم كبار المصنعين والمصدرين على حساب المصانع الصغيرة والورش، ويطالب عادل شيحة صاحب أحد المصانع، بإعادة النظر فى المحاسبة الضريبية، ومساهمة الدولة فى تسويق منتجات هذه الورش وتحديد المواصفات المطلوبة للتصدير. التهريب دمر التصنيع بحسب تقديرات الغرف التجارية فى 2015 فإن إجمالى الأقمشة والملابس المهربة تقترب من ال10 مليارات جنيه، وطبقا للبيانات الرسمية تصل المنتجات المهربة الى 60% من المعروض بالأسواق مهرب. ومن جانبه قال طاهر حسن صاحب مصنع غزل تمت تصفيته بعد تراجع عمليات الشراء لم تساعده على البقاء بسبب المنافسة غير الشريفة، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المدخلات، وقد أدى ركود المنتجات الى أن ألجأ لبيع المصنع و معداته خردة، بعد أن أصبحت عاجزا عن تلبية مرتبات العمال التى ارتفعت بشكل غير مسبوق. وعن نقل أصحاب المصانع الى مناطق صناعية جديدة يقول عزت منصور «نرحب بتخصيص ارض فى المدن الجديدة لانشاء منطقة صناعية بديلة لشبرا الخيمة، وكان قد وعدنا وزير الصناعة الاسبق رشيد محمد رشيد عن عزم الحكومة انشاء منطقة صناعية خاصة بمصانع الغزل والنسيج ولكنها مجرد تصريحات ولم تنفذ بعد». وسبق لنا المطالبة بنقل مصانع وورش شبرا الخيمة الى مكان آخر بعد أن ازدحمت المنطقة بالسكان، وللإنصاف سبق للحكومة وأن استجابت لمطالبنا بتخصيص أراض لأصحاب بعض المصانع، ولكنهم فضلوا الكسب السريع ببيع الأراضى والإبقاء على مصانعهم بشبرا. معلومات 60% نسبة الارتفاع فى أسعار الخامات. انخفاض العمالة بمصانع شبرا من 20 عاملا بالمصنع الى 8 عمال فقط. 10 مليارات جنيه قيمة الملابس والمنسوجات المهربة سنويا. 350 مصنعا بشبرا ينزف خسائر. 200 ورشة منتظره الإنقاذ.