علي جدران المعابد الفرعونية ترك لنا أجدادنا رسومات تصور استخدامهم للألياف القديمة والحرير وعلي ضفاف النيل من آلاف السنين بدأت صناعة المنسوجات وتطورت مع الزمن وفي عام 1992 أقيمت عاصمة هذه الصناعة العملاقة في المحلة الكبري أكبر مصنع في الشرق الأوسط وانتشرت فروعها ومصانعها في ربوع مصر. صناعة الغزل والنسيج أحد أهم الصناعات المصرية والتي كانت قاطرة الاقتصاد الوطني ودرته تقدمت وازدهرت حتي وصلت لقمتها في منتصف القرن الماضي لتصل بالمنافسة لعقر دار شركتي يوركشير ولانكشير وهما معقل صناعة النسيج في إنجلترا والعالم. كان لمصر 40 شركة لصناعة الغزل والنسيج و5000 مصنع نسيج وتنتج 300 ألف طن غزول ويعمل بها ما لا يقل عن 2 مليون عامل وفروا الكساء للمصريين. حتي جاء عام 1994 ليبدأ مسلسل الانهيار وتركت الدولة المصانع والشركات لمجموعة لا يملكون الخبرة ويملكون فقط شهوة اللصوص في سرقة المال العام بغرض خسارتها وخصخصتها حتي وصل الحال لتسول العمال رواتبهم وتقدر ب 70 مليون جنيه شهرياً في 23 شركة عامة بعد استغلال مافيا التهريب قرار رقم 8 لسنة 1997 "المناطق الحرة" في إغراق الأسواق بكل أنواع المنسوجات ووصلت مديونية الشركات ل 5.4 مليارات جنيه وتحتاج 4 مليارات لإعادة الهيكلة وارتفعت مديونية قطاع النسيج لأكثر من 16 مليار جنيه في تقرير لغرفة الصناعات النسيجية وبلغ عدد المصانع المتعثرة 1075 مصنعاً وتقلص عدد العمال إلي 950 ألف عامل يمثلون 30% من حجم القوي العاملة في القطاع الصناعي وفي عام 2012 صدرنا منسوجات بقيمة 18 مليار جنيه واستوردنا ب 22 مليار جنيه..!! شركات قطاع الأعمال تحتاج لمليار و800 مليون جنيه "8.1 مليار" ومبيعاتها لم تتجاوز 2 مليار جنيه و40% من مصانع النسيج متوقفة عن العمل ولو بشكل جزئي وحجم المنتجات المهربة للأسواق المصرية وضياع رسومها علي الدولة تقدر ب 15 مليار جنيه وعدد المسجلين في السجلات التجارية لضريبة المبيعات بلغ 200 ألف بينما المسجلون في السجلات التجارية 4 ملايين سجل تجاري أي أقل من 6% من المسجلين يدفعون الضرائب وكم يعطيك هذا الرقم حجم البضائع المهربة حسب ما جاء في ندوة البورصة المصرية بتاريخ 20/1/2013. ورغم كل هذا الفساد والخراب فلا يزال القطاع يصدر 25% من إجمالي صادرات مصر حالياً وبقيمة 3% من إجمالي الناتج القومي وبالرغم من عدم تحديث المصانع منذ 25 عاماً مضت وعدم مسايرتها للتكنولوجيا الحديثة ولغة العصر الجديدة. كل هذه الضربات لهذه الصناعة العملاقة والرائدة والتي هي الوحيدة التي تمر كل مراحل إنتاجها في مصر بداية من زراعة تقاوي القطن حتي تصبح ملابس صادمة وتقف ضد رياح عاتية وفساد رجال أعمال عصر "مبارك" وكان رد العمال علي هدم صناعتهم هي الشرارة الأولي لثورة 25 يناير حيث هب عمال مصانع المحلة الكبري في 2008 ضد الفساد وخراب شركاتهم والخصخصة بعد أن شعروا بمدي الجرم في حقهم وحق اقتصاد بلدهم. يطالب أصحاب المصانع بضرورة وقف التهريب وإحكام السيطرة علي المنافذ والمناطق الحرة ودعم المصانع للنهوض مع الاهتمام بزراعة القطن ودعم الفلاح وإنشاء مصانع لتصنيع قطع غيار ومعدات المصانع المتهالكة. أضاف أنه لابد من دعم الدولة للمصانع المتعثرة وتخفيف الفوائد البنكية علي فروض إصلاح المصانع وأن يكون المسئولون عن صناعة الغزل والنسيج من أهل الخبرة حتي لو اضطرت الحكومة لتعيين وزيراً خاصاً بقطاع النسيج ليتفهم مشاكلهم لأن الوزير الحالي كان وزيراً للسياحة وعين للصناعة ولا يعلم عن مشاكل المصانع وصناعة النسيج الكثير لأنها خارج. يقول مصطفي رمضان صاحب مصنع نسيج: إن فتح باب استيراد الملابس الجاهزة خلال السنوات الماضية بالإضافة للتهريب من كافة المنافذ أدي لتوقف العديد من المصانع وخراب بيوت الكثير من رواد المهنة.. منوهاً إلي وجود حرب شرسة من الدول الآسيوية وعلي رأسها الصينوالهند وأندونيسيا. يشير مصطفي إلي ضرورة دعم مصانع صناعة الغزل بالقطاع العام لأن الغزل هو أساس صناعة المنسوجات.. قائلاً: نحن نستورد الغزول من الخارج نظراً لتعثر مصانعنا وبأسعار مرتفعة جداً ونضطر لتصنيعها والبيع بأسعار مرتفعة حتي لا نضطر للإغلاق. أضاف أن البعض يغرقون الأسواق المصرية بكافة أنواع الأقمشة المهربة والتي كانت سبباً في خسائر رهيبة لشركات الغزل المصرية وصلت ل 40 مليارات جنيه وبأسعار تقل عن سعر المنتج المصري بغرض تدمير الصناعة الوطنية والقضاء عليها نهائياً.. منوهاً أنه بالإضافة لمنافذ التهريب فإن المناطق الحرة ونظام السماح المؤقت هم المسئولون عن الحجم الهائل من البضائع المهربة والتي تدخل بشكل غير قانوني ولا تستفيد منها الدولة بتحصيل ضرائب أو أي رسوم عليها. يري رمضان أن هناك استغلالاً من تجار الجملة بسوق الملابس الجاهزة والأقمشة لأنهم يفرضون علينا أسعاراً متدنية للغاية ملوحين لنا بالاتجاه للمستورد في حالة عدم قبول أسعارهم..!! وهذا يؤدي بنا أحياناً لعدم تغطية مصروفاتنا ودفعنا إلي إغلاق المصانع. يقول المهندس عبدالغني الأباصيري عضو مجلس إدارة غرف الصناعات النسيجية: إن قطاع النسيج يعاني من مشكلات كثيرة ومعقدة ولكنها قابلة للحل بشرط أن تمتلك الحكومة الشجاعة لأخذ قرارات جريئة.. بدايتها هي وقف كافة أنواع التهريب وهي الخطوة الأهم حتي يكون لدينا المقدرة علي العمل لأنه لو استمر الحال علي ما هو عليه فإن غالبية المصانع ستغلق وبالتالي تشريد آلاف العمالة المدربة ونخسر صناعة تبدأ وتنتهي مراحل تصنيعها في مصر فكل خطوات الإنتاج بداية من بذرة القطن التي يزرعها الفلاح حتي صناعة الملابس في الصورة النهائية كلها خطوات مصرية وهي الصناعة المصرية الوحيدة التي من بدايتها لنهايتها تتم في مصر بخامات وأيد مصرية. يضيف الأباصيري أنه بعد إيقاف التهريب لابد من إعادة النظر بشكل سريع من استيراد الخامات وتصنيعها في مصر ثم تصديرها فإنها تستورد الخامات ولكن لا تصدرها بل تغرق بها السوق المحلي دون دفع أي رسوم أو جمارك حتي أن الحكومة تعطيها 10% إعفاء ضريبياً ولو تم دخول للأسواق بشكل رسمي فإن الدولة كانت ستحصل علي 30% ضرائب بالإضافة إلي 10% ضريبة المبيعات وكلها تضيع علي الدولة. يشير عبدالغني إلي ضرورة تنشيط زراعة القطن قصير التيلة لأن 95% من إنتاج صناعة النسيج في مصر من القطن قصير ومتوسط التيلة و5% فقط من القطن طويل التيلة مما يكلفنا أموالاً طائلة لاستيراده من الخارج. أضاف أن قطاع النسيج في مصر لو تعافي فهو القادر علي حل مشكلة البطالة فقطاع النسيج يعمل به 25% من إجمالي القطاع الصناعي في مصر ووصل بنا الحال أن الشركة القابضة تحتاج 70 مليون جنيه شهرياً للأجور وهي بها 22 شركة وغير قادرة علي دفع الرواتب.. بسبب أن 60% من حجم السوق يأتي من الخارج وبالطرق غير القانونية. يقول الحاج عيسي الفقي صاحب مصنع نسيج بشبرا الخيمة: إنه لابد من ضبط الأسواق وحماية المصانع الوطنية وتفعيل القرار الوزاري رقم 1113 لسنة 2003 والخاص بمصادرة أي بضائع ليس لها أوراق رسمية "مهربة" بالإضافة لمراجعة أسعار الطاقة وتخفيض سعر الفائدة البنكية علي مديونيات المصانع الصغيرة والمتوسطة والتي تصل ل 20% من تعديل اشتراكات التأمينات الاجتماعية والتي تصل 40% من الأجر الأساسي وتعتبر مصر من أعلي دول العالم بهذه النسبة مطالباً الدولة بألا تزيد علي 15% حتي يتم تثبيت العمالة والتأمين عليهم!. يضيف الفقي أن صناعة الغزل والنسيج من أقدم الصناعات المصرية ففي عام 1922 قام طلعت باشا حرب بإنشاء عدد من المصانع للغزل والنسيج بالمحلة وكفر الدوار وتطورت الصناعة في منتصف القرن الماضي حتي وصل عدد الشركات بمصر إلي 40 شركة كبيرة الحجم لصناعة الغزل والنسيج والملابس فضلاً عن 5000 مصنع لإنتاج الأقمشة منتشرة في ربوع مصر وكنا ننتج 300 ألف طن غزول يدخل 65% منها في إنتاج مئات الملايين من الأقمشة يساهم في تصنيعها ما يقرب من 2 مليون عامل وللأسف كل هذه النهضة الصناعية ضاعت أو تكاد تنهار بسبب السياسات الفاشلة للحكومات المتعاقبة بداية من السبعينيات ودخول بعض السماسرة والذين يسمون أنفسهم رجال أعمال. طالب عيسي بضرورة الدعم الحكومي للمصانع المتعثرة حتي تعود للإنتاج وتفعيل قرارات الحكومة بعدم استيراد أي منتج طالما تم إنتاجه في مصر.. منوهاً إلي أهمية أن يكون القائمون والمسئولون عن تلك الصناعة من أهل الخبرة والكفاءة والنزاهة حتي لو اضطرت الحكومة لتعيين وزير لصناعة الغزل والنسيج بشرط أن يكون مختصاً ومتخصصاً في شئون هذه الصناعة وأنه ليس من المعقول أن تأتي الحكومة بوزير للسياحة ليكون وزيراً للصناعة لأنه لا يعلم عنا شيئاً..!! يقول محمد عيد صاحب مصنع: إن معظم أصحاب المصانع التي لم تغلق أبوابها أو تغير من نشاطها تعيش علي أمل أن يتم إحياء هذه الصناعة في مصر مرة أخري وأن تعطيها الدولة قبلة الحياة لانقاذها. أضاف أن ما أقدمت عليه الدولة برفع ضريبة الإغراق علي المنسوجات والغزول المستوردة من الخارج هو بداية الطريق الصحيح لإنعاش تلك الصناعة التي كانت يوماً من أهم الصناعات بمصر. أشار عيد إلي القرار الصائب بدعم الفلاح المصري للعودة لزراعة القطن فهذا من شأنه التخفيف من أعباء الاستيراد من الخارج للغزل وصناع ملايين من العملات الصعبة والحل في أيدينا..! أكد رمضان عيسي أن صاحب مصنع نسيج بشبرا الخيمة أن من أهم المعوقات التي تقابلها صناعة النسيج في مصر هي قدم وتهالك معدات المصانع وعدم صيانتها لعدم وجود قطع غيار لها بالأسواق المصرية وأن وجدت فإن أسعارها خيالية لندرتها وهذا يؤثر علي إنتاجية الماكينات وجودة المنتج. مطالباً الدولة بفتح باب الاستيراد لقطع الغيار من الخارج أو تصنيعها بالمصانع الحربية لأنها الجهة الوحيدة القادرة علي ذلك. أضاف عيسي أنه لابد من مراجعة شروط التعامل مع المناطق الحرة والتي أصبحت أهم مصادر التهريب وإغراق الأسواق فالمستثمرون في هذه المناطق يستوردون الغزل بدون جمارك أو رسوم لتصنيعها وإعادة تصديرها للخارج ولكنهم لا يصدرون سوي 50% من حجم الإنتاج والباقي يدخل للسوق المصري عن طريق التحايل بأذون التصنيع أو من خلال نسبة الفاقد والتي حددتها وزارة الصناعة ب 10% ولكنها تدخل لإغراق الأسواق المصرية دون رسوم أو جمارك وبالتالي تكون أرخص من المنتج المصري!! أشار عيسي إلي مافيا من يسمون أنفسهم "المصدرين ورجال الأعمال" فهم يستوردون الملابس والمنسوجات من الهندوالصين أو تركيا بأسعار رخيصة لأنها مدعومة في بلادهم ويقومون بإعادة تصديرها مرة أخري بعد كتابة "صنع في مصر" عليها إلي الدول الأوروبية مما يؤثر علي حصة مصر من التصدير لهذه الدول.. منوهاً إلي قلة جودتها والأقطان المستخدمة في صناعتها والتي تقل بكثير عن جودة القطن المصري مما يعطي انطباعاً سيئاً عن المنتجات المصرية.