تراجع الأسهم الأمريكية في مستهل التعاملات    رصف وتوسعة طريق المريوطية من محور شريف إسماعيل وحتى محور الضبعة    إزالة 88 حالة تعد على أراضي أملاك الدولة في أسوان    التقديم غداً.. فتح باب حجز «سكن لكل المصريين 7» بمقدم 100 ألف جنيه (المساحات والأماكن)    وزير الخارجية الأمريكي: سوريا قد تكون على بُعد أسابيع من حرب أهلية    الجيش السوداني يعلن تحرير ولاية الخرطوم: لا وجود للمتمردين فيها    «40 سنة».. سلوت يتحدث عن موعد اعتزال محمد صلاح    قرار هام .. رابطة الأندية تفرض 20 مليون جنيه عقوبة الانسحاب من الدوري في الموسم المقبل    "سقوط النادي في الهاوية".. عضو مجلس إدارة الإسماعيلي يتقدم باستقالته    لابورتا: لامين يامال مشروع نجم مختلف عن ميسي    إصابة 11 شخصا في انقلاب ميكروباص بمحور الضبعة    إقبال منخفض على شواطئ الإسكندرية بالتزامن مع بداية امتحانات نهاية العام    محامي غادة إبراهيم يتقدم بشكوى ضد بوسي شلبي لنقابة الإعلاميين    انتهاء الأسبوع الأول من تصوير فيلم "بنات خوسي" ليسرا    يسرا تتألق سينمائيًا بين "بنات فاتن" و"الست" بعد حضورها اللافت في مهرجان كان    في ذكرى يوم فارق من 2020... هل يعود شبح كورونا من جديد؟    مشاهدة مباراة الأهلي والزمالك بث مباشر اليوم في نصف نهائي دوري سوبر السلة    «سنطبق اللائحة».. رابطة الأندية تهدد بيراميدز بخصم 6 نقاط    بعد 9 سنوات.. تطوير ملاعب الناشئين في نادي الزمالك    محافظ سوهاج يسلم التأشيرات والتذاكر للفائزين بقرعة حج الجمعيات الأهلية    الوطنية للصحافة تنعي محمود صدقي التهامي الرئيس الأسبق لمجلس إدارة مؤسسة روزاليوسف    وزارة التعليم تكشف إجراءات التعاقد على وظائف المدارس المصرية اليابانية    وفاة عجوز بآلة حادة على يد ابنها في قنا    رئيس جامعة أسيوط يتابع امتحانات الفصل الدراسي الثاني ويطمئن على الطلاب    «زهور نسجية».. معرض فني بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط    المشرف على "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" تستقبل وفدًا من منظمة هيئة إنقاذ الطفولة    جدل لغز ابن نجم شهير.. هل موجود أم لا ؟ | فيديو    «الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية» يوضح مواصفات الحجر الأسود؟    رئيس الوزراء يعرب عن تقديره لدور «السعودية» الداعم للقضايا العربية    وزير الصحة: مصر تقود مبادرة تاريخية لدعم أصحاب الأمراض النادرة    وزير الصحة: مصر تقود مبادرة تاريخية لدعم أصحاب الأمراض النادرة    طريقة عمل البصارة أرخص وجبة وقيمتها الغذائية عالية    شقق متوسطى الدخل هتنزل بكرة بالتقسيط على 20 سنة.. ومقدم 100 ألف جنيه    ب48 مصنعاً.. وزير الزراعة: توطين صناعة المبيدات أصبح ضرورة تفرضها التحديات الاقتصادية العالمية    إصابة 4 أبناء عمومة بطلقات نارية بسبب خلافات الجيرة في سوهاج    تشديد للوكلاء ومستوردي السيارات الكهربائية على الالتزام بالبروتوكول الأوروبي    جامعة القاهرة تستقبل وفدا صينيا بمستشفى قصر العيني الفرنساوي    5 فرص عمل للمصريين في مجال دباغة الجلود بالأردن (شروط التقديم)    محافظة القدس تحذر من دعوات منظمات «الهيكل» المتطرفة لاقتحام المسجد الأقصى    مهرجان كان يمنح دينزل واشنطن السعفة الذهبية بشكل مفاجئ |صور    بعد دخول قائد الطائرة الحمام وإغماء مساعده.. رحلة جوية تحلق بدون طيار ل10 دقائق    الإفتاء توضح فضل صيام التسع الأوائل من ذي الحجة.. وغرة الشهر فلكيًا    سالم: نجهز ملف كامل حول أزمة القمة قبل الذهاب للمحكمة الرياضية.. ومتمسكون بعدالله السعيد    أندوريل تكشف عن طائرتها القتالية المسيّرة المتطورة «فيوري»    "أونروا": المنظمات الأممية ستتولى توزيع المساعدات الإنسانية في غزة    محافظ بورسعيد: المحافظة ظلمت بسبب إدراجها ضمن المدن الحضرية    التعريب وثقافة الهوية.. أحدث إصدارات هيئة الكتاب    جامعة سوهاج تعلن انطلاق الدورة الرابعة لجائزة التميز الحكومى العربى 2025    المغرب: حل الدولتين الأفق الوحيد لتسوية القضية الفلسطينية    هل يجوز الحج عمن مات مستطيعًا للعبادة؟.. دار الإفتاء تُجيب    ماذا تفعل المرأة إذا جاءها الحيض أثناء الحج؟.. أمينة الفتوى ترُد    نقابة الفنانين السورية تنعي بطلة «باب الحارة»    الحبس 3 سنوات لعاطلين في سرقة مشغولات ذهبية من شقة بمصر الجديدة    أنطلاق فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز ويامسين صبري بدور العرض السينمائى    عاجل- الصحة العالمية تُعلن خلو مصر من انتقال جميع طفيليات الملاريا البشرية    بعد تداول فيديو.. ضبط قائد سيارة حاول الاصطدام بسيدة على محور 30 يونيو    نتنياهو: أدين بشدة تصريحات يائير جولان ضد إسرائيل وجيشها    الإفتاء: لا يجوز ترك الصلاة تحت اي ظرف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد المسلمانى يكتب: مصر الكبرى.. من النيل إلى الفرات (1-2)


بدايات
قضيتُ طفولة محظوظة للغاية.. كنتُ تلميذاً مشهوراً فى قريتنا.. وكانت قريتنا- كفر الدوار مركز بسيون، محافظة الغربية- هى الأصغر فى المنطقة كلها، كل قريتى تعادل مساحة قصر واحد من قصور الأثرياء على أطراف القاهرة.
لكننى كنت أشعر بأن قريتى هى العالم.. إذا ذهبنا إلى «جُرن» بائس لنلعب الكرة.. نركض فى إخلاص ونتشاجر فى صدق كأن العالم يحبس أنفاسه انتظاراً لنتائج مباراتنا.
وكنا إذا ذهبنا للصلاة.. نتشاجر من جديد على من يكون الإمام ومن يكون المأموم.. وعلى من أحفظنا للقرآن وأعلمنا بالحديث كأن مصير هذا الدين رهن بصراع أطفال فى الصفوف الخلفية للمصلين.
وكنّا إذا بدأ طابور الصباح ارتفعت دقات قلوبنا.. ستبدأ الإذاعة المدرسية بعد قليل.. ثمة كلمة الصباح، وحكمة اليوم، وكلمة السيد ناظر المدرسة.. كان ميكروفون الإذاعة من الحديد الضخم.. ربما كان وزنه ثلاثة كيلوجرامات.. وكان سلك الميكروفون ممتداً بلا نهاية كأنه قادم من المجهول.. وكانت مكبرات الصوت تتجه إلى قبلى وبحرى.. فيسمع كلمة الصباح الفلاحون فى الحقول، والقاعدون فى المنازل، والعابرون فى الشوارع.
تقطن شقيقتى الكبرى «هانم» إلى جوار المدرسة.. ولأنها تزوجت قبل دخولى المدرسة.. فقد كانت تعتبرنى ابناً لها، كانت هانم تصعد إلى سطح منزلها لتسمع كلمة أخيها عبر الميكروفون.. ثم تأتى فى الفسحة فتأخذنى خارج الحوش ثم تبدأ الإشادة بروعة الأداء، وعظمة الأفكار.. وتمنحنى مع فيض الثناء بعض السندويتشات والقبلات.
أشعرتنى «هانم» كأن العالم كله ينتظر كلماتى، وأن الأسطح تمتلئ بمعجبين ومعجبات لا شاغل لهم إلا انتظارى من الصباح إلى الصباح.
هكذا سارت المقدمة العامة لحياتى.. إحساس هائل بالامتياز.. ضمن صحبة وأصدقاء كان لديهم الإحساس ذاته.. صراع على الإمامة كأننا علىّ ومعاوية، وصراع فى ملاعب بدائية كأننا كأس العالم.. وصراع على الميكروفون كأننا نقود العقل البشرى إلى حيث نريد.
كانت القرية هى العالم.. وكنّا القوى العظمى والقوى البازغة التى تتصارع بين جنباته.
لقد مضيت على هذا النحو من الاستعلاء الطفولى والغرور البدائى وسط أصدقاء، لا ندرك جميعاً فضيلة التواضع، ثم كانت الصدمة الأولى.. أولى معارك المعرفة بعيداً عن «كلمة اليوم»، كان ذلك فى السادس من أكتوبر عام 1981.
رصاص
كان يوم الخامس من أكتوبر عام 1981 يوماً مهماً.. كنت فى السنة السادسة الابتدائية، وكنّا نعد لحفل مدرسى فى اليوم التالى، سيكون السادس من أكتوبر.. لم تكن سيناء قد عادت كاملة لنا.. لكن نصر أكتوبر كان قد أعاد إلينا أنفسنا وعلينا إذن أن نجهز كلمات وأشعاراً وخطباً حماسية وما يتناسب من القرآن والحديث مع مقام الاحتفالات بالنصر المجيد.
جاءت ظهيرة السادس من أكتوبر فى ذلك الخريف الصادم مختلفة تماماً، كان صوت الرصاص أمام منصة الرئيس السادات خليطاً من حقائق السياسة وخيال المسلسلات التى كنّا ننتظرها فى القرية كل مساء.
هل هذا رصاص حقيقى.. أم أنهم يمثلون؟ هل اتجهت الرشاشات إلى صدر الرئيس أم أن هذا جزء ساحر من عرض عسكرى بارع الإعداد والإخراج؟
سألنا أنفسنا- وسط مخاوف الطفولة- ما الذى جرى؟ وما الذى سيجرى؟ كانت أول إشاعة فى القرية أطلقتها سيدة لا تعرف الكثير عن السياسة ولا غيرها: لقد قتلوا السادات، قام كبار القوم بنفى تلك الإشاعة على الفور.. وقال المتابعون منهم.. الرئيس أصيب فقط وهو فى الطريق لمستشفى المعادى، والرئيس سيكون بخير هذا المساء.
ساعات قليلة.. كان الذين استمعوا إلى هيئة الإذاعة البريطانية وغيرها قد أكدوا وفاة الرئيس المؤمن برصاص أفراد من الجيش الذى قاده للانتصار، كانت هذه بداية النهاية لما عشته مع أصدقائى من غرور وخيلاء.. علينا أن نعترف الآن بأننا لا نعرف شيئًا ولا نفهم شيئاً.. وأن كل ما قلناه فى الإذاعة المدرسية مجرد صوت مرتفع وكلام مرصوص.
جاءت صدمة اغتيال الرئيس السادات قوية وعميقة.. لماذا قَتَلَ ضباطٌ من الجيش الرئيس الذى عبر خط بارليف وهزم إسرائيل؟ ولماذا اختاروا يوم العرض العسكرى العظيم الذى يرمز لكسر إسرائيل ومجد بلادنا.. ليكون يوم النهاية القاسية لقائد الجيش والنصر، ثم كانت صدمة السياسة بعد صدمة الدماء..
لماذا لم يحزن الناس على أنور السادات؟.. لماذا كانت الشماتة على نطاق واسع.. ولدى الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ لماذا وزّع بعض الناس «الشربات» كأنه فرح، وأطلق بعضهم الرصاص إعلاناً للبهجة والسرور. لقد سألت بعض الشامتين فى اغتيال السادات مساء ذلك اليوم الدامى: من هؤلاء الذين قتلوه؟ وهل سيكون منهم الرئيس الجديد؟ وهل سندخل الحرب من جديد؟ كانت إجابة الشامتين واحدة: لا يهم أى شىء- المهم مات السادات!
سفارة
كانت تحيّة العلم.. تحيا جمهورية مصر العربية (ثلاث مرات).. يعيش الرئيس محمد أنور السادات (ثلاث مرات).
فى السابعة من صباح أول يوم دراسى بعد الاغتيال.. كان علىّ أن أُلقى كلمة الصباح فى الإذاعة المدرسية.. ثم أقوم بتحية العلم.. قلت لمشرف طابور الصباح: ماذا سنقول فى تحية العلم هذا الصباح؟ قال لى: كما كنتَ تحيّى بالأمس.. فقط ستغير اسم الرئيس.. ستقول: تحيا جمهورية مصر العربية.. يعيش الرئيس محمد حسنى مبارك.
قلت للمشرف: لكن الأستاذ فلان قال.. إن رئيس مجلس الشعب الدكتور صوفى أبوطالب سيكون الرئيس بحكم الدستور.. وهو ومجلس الشعب بعد ذلك سوف يقررون من هو الرئيس. قال لى: لا صوفى أبوطالب ولا مجلس الشعب لهم رأى ولا دور فى هذا «الكلام الكبير».. سيأتى إليهم الأمر: السيد فلان رئيساً.. وأنتم وافقتكم بالإجماع، ولن ينطق أحد.. اذهب إلى الطابور.. تحية العلم.. كما قلت لك.. تحيا جمهورية مصر العربية.. يعيش الرئيس محمد حسنى مبارك.
كان ذلك هو المشهد السياسى الأول من حياتى.. اغتيال رئيس.. وشماتة جمهور.. وتحية علم جديدة.. مات الرئيس.. عاش الرئيس.
مضت سنوات دراستى الثلاث فى مدرسة جناج الإعدادية على نحو هادئ تماماً.. لكن السنوات الأكثر حيوية وصخباً كانت فى مدرسة ناصر الثانوية فى بسيون، تحمل مدرستنا اسم الشهرة للرئيس جمال عبدالناصر.. لكن معظم النشطاء فيها أقرب للمشروع الدينى وضد المشروع الناصرى. كانت تلك هى المرة الأولى التى ألتقى فيها أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين.
كان أبرز ما سمعته فى تلك الفترة وأصابنى بالصدمة ولاحقنى بالفزع، تلك الخرافة المرعبة حول «إسرائيل الكبرى.. من النيل إلى الفرات». كان كل من سمعتهم يتحدثون عن حتمية قيام إسرائيل الكبرى عام 1997. لقد وجدت هذا اليقين بقيام إسرائيل الكبرى عند جميع من عرفت، وكانت أبرز عبارة فى تلك الخرافة التى آمن بها الجميع: «إن عَلَم إسرائيل يحتوى على خطين أزرقين وبينهما نجمة داوود، والخطان الأزرقان هما النيل والفرات».. وتفسير ذلك أن حدود إسرائيل الحالية هى حدود مؤقتة لكن حدودها الحقيقية- كما يعبّر عنها عَلَم الدولة- هى مصر والعراق وما بينهما.
ويمتد هذا التحليل إلى خرافة فرعية ناتجة عن الخرافة الكبرى: هل تعرف لماذا توجد سفارة إسرائيل فى الجيزة وليس القاهرة؟، لماذا لم يتم اختيار موقع السفارة فى المنيل أو المعادى أو جاردن سيتى؟.. والإجابة: لأن المعادى وجاردن سيتى تقعان ضمن إسرائيل الكبرى.. وليس من المنطقى أن تعتمد الدولة سفارة لها لدى نفسها!
بروتوكولات
التحقت بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية «المرموقة» وأنا نصف يائس. فلقد كانت تتكرر على مسامعى من بعض الطلبة تلك الخرافة حول نشأة إسرائيل الكبرى. أعرف أننى سأتخرج فى موعدى الطبيعى عام 1992.. يا لسوء الحظ التاريخى.. لماذا جاءت ولادتى وحياتى فى هذا الزمن؟ إننى لن أنعم بعد التخرج إلا بضع سنوات لأجد بلادى محتلة.. ستعبر إسرائيل نهر النيل إلى الجيزة وستعبر نهر الفرات إلى الشاطئ الآخر.. ستبدأ إسرائيل الكبرى وستبدأ معها مصر الصغرى!
ماذا عسانى لو التحقت بالسلك الدبلوماسى مثلما ينوى زملائى إذا كان عمر الاستقلال وعمر السفارات أمامه خمس سنوات من تخرجنا؟! وماذا عسانى لو التحقت بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.. إنهم يبحثون هناك فى دوائر ثلاث: الدائرة المصرية والدائرة العربية والنظام العالمى.. لكننى قد لا أتمكن من التعيين فى الأهرام قبل أن تنتهى الدائرتان المصرية والعربية أمام دائرة إقليمية جديدة.. هى إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات!
الحمد لله الذى منحنى الهدوء بعد فزع.. والأمن بعد خوف.. فقد بدأت أقرأ مؤلفات حامد ربيع وعبدالوهاب المسيرى وتقارير مركز الأهرام.. لأقف على حقيقة أننا إزاء دولة عادية.. بل دولة مأزومة.. يمكن لأطفال إرباكها رمياً بالحجارة. لقد ظللت أحمل حقداً فى داخلى على تلك السنوات التى عشتها مرتعداً من تلك الخرافة القاتلة: إسرائيل الكبرى.
ولقد واصل ذلك الحقد معى حتى نهاية عام 1997، وكتبت فى الأهرام مطلع شهر يناير عام 1998 مقالاً شامتاً بعنوان «خرافة إسرائيل الكبرى عام 1997».
كانت تساند تلك الخرافة مجموعة خرافات أخرى تضمنها كتاب شهير بعنوان «بروتوكولات حكماء صهيون».. ولقد قرأت مقدمة لهذا الكتاب تحكى قصصاً مثيرة حول المطاردات الصهيونية للمطابع والمكتبات والمترجمين وربما القراء.
حظى ذلك الكتاب التافه «بروتوكولات حكماء صهيون» باهتمام كبير.
أتذكر جيداً تلك الليلة السيئة التى قضيتها فى قراءة الفصول الأولى من هذا الكتاب.. كنت فى المدينة الجامعية لجامعة القاهرة فى «بين السرايات» واستلقيت فوق سرير غرفتى.. يد تحمل الكتاب ويد تمسك بكوب شاى ثقيل!
لم أتخيل ما قرأت.. إنه كتاب ردىء يدعوك إلى اليأس.. حيث لا أمل فى أى شىء.. هناك شلة «آلهة» يحكمون هذا العالم.. إنهم يديرون كل شىء.. قادرون على كل شىء.. يخططون لكل شىء.. لا يأخذهم خطأ ولا خوف.. أما نحن المصريين والعرب والمسلمين فلا شىء.. كأننا خِرَاف فى حظيرة.
إننى حتى اللحظة لا أفهم لماذا احتفى العقل العربى بهذا الهراء.. كيف لهذا العبث أن ينطلى على بعض مثقفينا فيجدوا فيه عملاً مسؤولاً وسياسة جادة؟.. ما هذه الهالة التى أحاطت بهذا الكتاب؟ لو أن طفلاً رضيعاً قرأ كتاب البروتوكولات لتبول عليه ثم مضى فى طريقه.. واثقاً من نفسه ودينه ووطنه.. فكيف أخطأت أنا وبعض جيلى فأخذنا هذه البروتوكولات على محمل الجد.. كيف انهزمنا حين آمنا بحتمية الهزيمة؟
كم هو مؤلم أن تشهد هزيمة بعد حرب.. لكن.. كم هى جريمة حين تحيا هزيمة بلا حرب!
■ (من كتابى «مصر الكبرى.. من النيل إلى الفرات» دار مكاتيب - تحت الطبع).. الجزء الثانى غداً.
 [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.