عندما فكرنا فى تجمع «مصريون من أجل انتخابات حرة وسليمة» فى عمل تظاهرة سلمية بمناسبة قرب تمديد قانون الطوارئ، وتحدد لها يوم 3 مايو ودُعى للمشاركة فيها بعض رموز الفكر فى مصر لإظهار عدم موافقة الشعب على استمرار هذه الحالة الشاذة، وتقدم بعض النواب لمدير أمن القاهرة لإخطاره بهذه التظاهرة وخط سيرها الذى كان من المفروض أن يبدأ من ميدان التحرير وينتهى أمام مجلس الشعب لتسليم رسالة إلى رئيسه بمطالب المتظاهرين وهى: 1- رفض تمديد حالة الطوارئ. 2- الإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. 3- مناقشة مشروع قانون مباشرة الحقوق السياسية الجديد قبل الانتخابات. 4- تعديل المواد 76، 77، 88 من الدستور، ورغم ذكر النواب فى الطلب أن عدد المتظاهرين لن يزيد على خمسمائة مشارك، وهو عدد يوجد أضعافه فى ميدان التحرير فى وقت الذروة فإن وزارة الداخلية ما إن علمت بالطلب حتى أصابها الهلع غير المبرر، وسارعت - فى سابقة غير معهودة - إلى توجيه إنذار على يد محضر إلى النواب مقدمى الطلب برفض القيام بهذه التظاهرة وإنذار المتظاهرين بأن الشرطة ستتعامل معهم بمنتهى الحدة وستقوم بالقبض عليهم وتحرير محاضر إخلال بالأمن لهم، رغم أن الكثير منهم سيكون من نواب المجلس المتمتعين بالحصانة، ولكن كلنا يعلم أن حصانة المجلس خاصة بنواب الحزب الوطنى فقط، وكلنا يعلم أن قانون الطوارئ الذى تحرض الشرطة على استمراره يعطيها الحق كل الحق فى حبس من تشاء واعتقاله إذا استعصى الحبس، وقتله إذا أرادت كما يطالب بذلك بعض نواب الشعب من الحزب الوطنى دون أن تتعرض الشرطة لأى مسؤولية، وحسبها أن تقول إن هذا تم للحفاظ على الأمن، وغالبا ما تسير نيابة أمن الدولة خلفها لحبس من تريد الشرطة حبسه أو حفظ جريمة من تم قتلهم على يد الشرطة باعتبارهم خارجين على القانون قاوموا الشرطة وهى المكلفة بحفظ الأمن. والمعتاد فى أيامنا هذه أن تعامل الشرطة المواطنين كما تعامل إسرائيل الفلسطينيين الغاضبين من عدوانها على المسجد الأقصى – قتلى الشرطة شهداء وقتلى المواطنين مجرمون. جاء الإنذار إلى نواب مجلس الشعب على يد محضر، وتم التداول فى الأمر، ورأى الجميع أن العدول عن المظاهرة تحت ضغط الشرطة يعتبر ضعفا لا ينبغى الظهور به، خاصة أننا لا نخالف القانون وليس المطلوب موافقة الشرطة على التظاهرة وكل المطلوب منها فقط أن تكون حاضرة للمحافظة على المتظاهرين ومنع أى خروج على القانون، وأصر المنظمون على القيام بما عزموا عليه، وإزاء ذلك وافقت الشرطة على تنظيم المظاهرة بشرط أن تقتصر على الوقوف فى ميدان التحرير وعدم السير إلى مجلس الشعب، لأن حالة المرور فى هذه المنطقة لا تسمح بذلك، ورضى المفاوضون بذلك تلافيا لما يمكن أن يصيب المرور من شلل أثناء التظاهرة وهو ما قد يضيف إلى الناس متاعب جديدة فوق المتاعب التى هم فيها، وهو ما قد يجعل الناس تضيق بالمظاهرة بدلاً من الانضمام إليها، وتم تنظيم المظاهرة فى اليوم المحدد أمام مسجد عمر مكرم وكان لافتا للنظر التواجد الأمنى الكثيف الذى لا يتفق مع عدد المتظاهرين الذين كانوا يعدون بالمئات، وأغلبهم كان من الرموز الذين حرصوا على الحضور لأنه لا يمكن لأى إنسان يتمنى الخير والرفعة لوطنه ألا يشارك فى مثل هذا الموقف، وكان لافتا للنظر أيضا أن الشرطة حين عجزت عن منع المظاهرة تماما وضعت خطة لإفشالها من داخلها، فقد فوجئنا بعدد من الحضور يخرجون على خطة التظاهرة بهتافات لا صلة لها بالغرض منها، والبعض يحاول إثارة الحاضرين من أجل التحرك إلى مجلس الشعب حسب الخطة الأولى، واتهام المنظمين بالتراجع والتخاذل، وهكذا كان المظهر غير حضارى بالمرة وهو ما أساء للمظاهرة وجعلها لا تعبر عن الهدف الذى خرجت من أجله بالإضافة إلى الحضور الجماهيرى الضعيف وهو ما يعطى انطباعا بعدم الاهتمام بالأمر رغم أن الهدف فى غاية الأهمية. السخط الشعبى موجود، والتبرم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يملأ نفوس الناس، والضيق من الأزمات الاقتصادية يفتك بهم، وهم يتساءلون ماذا نفعل من أجل الخلاص مما نحن فيه؟ فإذا قيل لهم المطلوب أن تتحول هذه المشاعر إلى حراك شعبى يُشعر الحكومة بخطورة الوضع لأن المسؤولين فيها إما يشعرون بهذا الضيق ولكنهم يظنون أنه لم يصل بعد إلى حد الخطر، أو أنهم لا يشعرون لانعزالهم عن الناس وإحاطتهم بالمنافقين الذين يزينون لهم ما هم فيه ويصفون ما يعبر به الناس عن الضيق من مظاهرات قليلة العدد أو اعتصامات لفئات متفرقة بأن هؤلاء قلة لا تعبر عن رأى الجماهير الصامتة الراضية. قال السيد/ جمال مبارك فى أحد أحاديثه عن تعديل المادة 76 من الدستور إنه لا يمكن تعديل الدستور استجابة لمقال كتب فى الصحف، والحقيقة أنه على حق فلا يمكن الاستجابة لأى مطالب إلا إذا شعرت الحكومة وحزبها بأن المطالبين بها من الكثرة بحيث يعمل لهم حساب، وأن عدم الاستجابة يمكن أن تترتب عليه خطورة تعمل لها الحكومة ألف حساب. يعتقد البعض أن الخروج للمطالبة بإلغاء حالة الطوارئ أمر غير مهم، لأنهم مشغولون بالمطالبة بزيادة الرواتب أو إتاحة الفرصة للترقيات أو توفير السكن أو العلاج، فهذه ضروريات الحياة التى يمكن المطالبة بها والدفاع عنها، أما الحرية والديمقراطية فهذه أمور لا يطالب بها إلا من امتلأت معدته بالطعام ويعيش فى مسكن ملائم وتتوافر له هذه الضروريات، ولا يدرك هؤلاء أن الحرية والديمقراطية هما السبيل إلى توفير الطعام الجيد الرخيص والماء النقى والسكن الملائم والمواصلات المريحة والتعليم الحقيقى والرعاية الصحية الجادة، لأن الحاكم الذى نختاره بإرادتنا، بعد أن يتقدم لنا ببرنامج ننتخبه على أساسه يتعهد فيه بحل كل هذه المشاكل فى مدة نحددها له فإن عجز عن حلها استبدلنا به آخر، وهو يعلم أن بقاءه فى كرسى الحكم رهن بتنفيذ هذه المطالب، أما الحاكم الذى يأتى بالتزوير فهو يعلم أن بقاءه خاضع لقوة الشرطة التى أتت عن طريق الانتخابات المزيفة ولذلك فإنه يعلم تماما أن الشعب لا سلطان له فى الإتيان به أو خلعه ولذلك لا يشغله حل هذه المشاكل أو بقاؤها أو حتى زيادتها لأن الأمر بالنسبة له لن يختلف وهو باق فى الحكم إلى آخر نفس يتردد. الغضب كامن فى النفوس والتبرم من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية يكاد يفتك بالأعصاب والنار جذوتها مشتعلة ولكن تغطيها كومة من الرماد ما إن ترتفع من فوقها حتى تشتعل وتحرق الأخضر واليابس، وهو ما لا نريد أن تصل إليه الأمور ولا نحب لمصرنا الحبيبة أن تمر به ولكن يبدو أن المسؤولين فى مصر لا يلتفتون إلى ذلك ولا يقيمون له وزنا. ثقافة التظاهر فى مصر لم يعرفها المصريون منذ قيام الثورة حتى الآن، وعدد المرات التى حدثت بها قليلة ولذلك نسيها الشعب، فعهد عبدالناصر لم يعرفها إلا مرة واحدة بعد النكسة بعد محاكمة بعض القادة العسكريين والحكم عليهم بالبراءة لعدم مسؤوليتهم عن النكسة، والحقيقة أن من كان يستحق المحاكمة بعد النكسة ليس القادة العسكريين ولكنهم القادة السياسيون الذين وافقوا على أن تتلقى مصر الضربة الأولى وتستوعبها ثم تدخل الحرب، فكانت الضربة هى الأولى والأخيرة، وانتهت الحرب بهذه الهزيمة التى لا يعرف لها التاريخ مثيلاً فأى خطأ ارتكبه القادة العسكريون حتى يستحقوا عليه المحاكمة؟. ولم يعرفها الشعب فى عصر السادات إلا فيما أطلق عليه انتفاضة الحرامية، لمحاولة تشويه سمعة القائمين بها، وهكذا نسى الشعب كيف يتظاهر للمطالبة بحقوقه الضائعة وأصبحت المظاهرات عبارة عن تجمعات صغيرة ذات مطالب فئوية محدودة تخص القائمين بها ولا تشجع غيرهم بالانضمام إليها، وهكذا تبدو هزيلة لا تشعر بخطورة الأوضاع التى قامت من أجلها وهى تخدم النظام ولا تؤثر فيه، لأنها تجعله يستشهد بها للتدليل على وجود الديمقراطية والحرية التى يطالب بها البعض. واضح تماماً أن الحكومة تكره المظاهرات كراهية التحريم، وهى إن لم تستطع منعها تسعى إلى تخريبها وإفشالها بدس الموالين لها فيها لإظهارها بمظهر غير لائق، وهى تكره المظاهرات فى ذاتها حتى وإن لم تكن ضدها، لأن اعتياد الشعب عليها سيؤدى إلى جرأته فى السير فيها والاعتياد عليها حتى يصبح سلوكا فى حياته يسلكه دون خوف مثل بقية الشعوب المحترمة التى تعرف حقوقها وتحرص عليها ولا تستطيع الحكومة منعها من ممارستها، لذلك فإن الحكومة ما إن تسمع عن العزم على تسيير مظاهرة إلا وتنتفض محاولة منعها، ولا أعرف مظاهرة جادة فى العالم خرجت برضاء السلطة الحاكمة، فكل الحكومات لا تريد مظاهرات ضدها ولكن أسلوب المنع يختلف، الحكومات الديمقراطية تمنع المظاهرات ضدها بالعمل على إزالة أسبابها، أما الحكومات غير الديمقراطية فهى تسعى لمنعها بالقوة وهو ما يظهر صراع القوة بين الحكومة والشعب وفى النهاية يتغلب من يستطيع الصبر والتجمع أكثر من الآخر، وغالبا ما يتغلب صاحب المبدأ الذى يرى أن تحقيق مبادئه يستحق منه التضحية ولو بالحياة، وهذا أمر مازلنا بعيدين عنه ونرجو أن نراه فى شعوبنا فى الأجل القريب، حتى يتحقق للأمة مرادها فى الإصلاح والتغيير. [email protected]