عندما تربط بين ما قاله الرئيس مبارك فى برلين، وما قاله جمال مبارك فى الأقصر، أمس الأول، ستصلك رسالة واحدة مفادها: «عفواً.. سنختار منافسينا»، مبارك الرئيس أبدى ترحيباً مقتضباً بالبرادعى، وقال إن دخوله انتخابات الرئاسة مسألة لا اعتراض رسمى عليها، طالما جاء طبقاً للدستور، ومبارك الابن قال إن الأصل فى المنافسة على مقعد الرئاسة للأحزاب، وأن ترشيح المستقلين «استثناء». الرسالة التى وصلت بالفعل من برلينوالأقصر، أنه لا أمل فى أى تعديل يترقبه البعض للدستور، أو للمادة 76 منه على الأقل، لكن الرسالة الأكثر وضوحاً أن انتخابات الرئاسة الماضية فى 2005، كانت وستكون أول وآخر انتخابات رئاسية تنافسية تتذوق مصر طعمها رغم ما شابتها من تجاوزات، وأن انتخابات 2011 ستكون استفتاء على مرشح واحد بين مجموعة «سنيدة» سيختارهم النظام بنفسه، إن لم يكن اختارهم بالفعل. عندما يقولون للبرادعى: «أهلاً بك وفقاً للدستور» فذلك يعنى ببساطة «يرجى إعادة المحاولة فيما بعد»، فإذا كان الدستور يتيح للبرادعى الترشح مستقلاً، فإن النظام يملك الكلمة العليا والأخيرة فى جعل هذا الترشح واقعاً حقيقياً بسيطرته الفعلية على أى تزكيات يمكن أن يحصل عليها مرشح مستقل من مجلسى الشعب والشورى والمجالس الشعبية المحلية، كما أن ترشحه تحت راية حزب قائم أيضاً فى يد النظام، الذى يملك فى قبضته قرار جميع الأحزاب دون استثناء، سواء بشكل مباشر أو دون مباشر، بالجزرة أو بالعصا، بتكليفات واضحة وصارمة، أو برسائل ترهيب بين السطور. ولا تنسى كذلك أن البرادعى إذا ما توافق مع أحد الأحزاب للترشح للرئاسة، فلابد أن ينضم لهيئته العليا قبل عام من موعدها، وإذا حدث ذلك ومر الحزب من تحت تهديدات التفجير من الداخل، وما أسهلها على نظام الحكم لدينا، سيكون ضرورياً فوز الحزب فى الانتخابات البرلمانية المقبلة بالنسبة القانونية من المقاعد المؤهلة للترشح للرئاسة، ولك أن تتخيل حزباً ضم البرادعى إلى هيئته العليا، وأعلن أنه سيكون مرشحه للرئاسة فى 2011، هل سيتمكن من الفوز بمقعد واحد فى انتخابات برلمانية تسبق الرئاسية بعام؟ أو هل سيتركه النظام يظفر بأى مقعد فى انتخابات بلا ضمانات ولا إشراف قضائى؟! «طريق البرادعى مسدود».. هذا ما أرادت رسالتا برلينوالأقصر التأكيد عليه بوضوح، لك أن تربط بينهما، أو تتكهن بمغزى التزامن والتناغم بين ما قاله مبارك فى برلين، وما قاله جمال فى الأقصر، ودلالة ذلك فى ظل مراهنة البعض على اقتناع الرئيس مبارك فى أى لحظة، بفعل الضغط الشعبى أو الدولى، بضرورة تعديل الدستور، خصوصاً المواد المثيرة للجدل التى تحجب فرص المستقلين، أو التى تؤثر على ضمانات نزاهة الانتخابات، إلى جانب دلالة ذلك على الموقع السياسى والاستراتيجى لجمال مبارك من الهيكل الرئيسى لنظام الحكم. لا دلالة فى كل ذلك أكثر مما قلته لك فى السطور الأولى، ولا رسالة أبلغ من أن مرشح الحزب الوطنى فى انتخابات الرئاسة المقبلة سيختار منافسيه، وربما يكتب بنفسه النتائج النهائية للمعركة الانتخابية مقدماً!. [email protected]