تقول الخارجية المصرية إنها تمتلك تقاليد عريقة فى العمل الدبلوماسى رغم أن عشرات الأزمات والقضايا العربية والدولية التى فشلت فى التعامل معها، أثبتت عكس ذلك تماماً، من قبيل الأزمات المتكررة مع العمالة المصرية فى المملكة العربية السعودية التى وصلت إلى حد القتل كما حدث منذ أيام، وليس فقط الجلد والسجن عبر نظام الكفيل المخالف للحد الأدنى من قيم الإسلام والعروبة وحقوق الإنسان فى دولة تزعم تطبيق الشريعة وحماية الحرمين!! الأمر الذى أدى إلى تدخل مباشر من الرئيس مبارك فى العديد من تلك الأزمات، ومن قبيل أزمة الملف الفلسطينى الذى تعاملت معه الخارجية بنظام الهواة، وكأننا لسنا إزاء قضية أمن قومى مصرى، الأمر الذى دفع الدولة لإحالة الأمر برمته إلى جهة سيادية، بعد أن تحول وزير الخارجية وأركان وزارته فى هذا الملف إلى مجرد ظاهرة إعلامية تطالب بقصف رقبة الفلسطينيين أو مساندة (ليفنى) وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة وهى تتهادى نازلة على سلالم وزارته، وقس على ذلك ملفات السودان، ولبنان، واليمن، والعراق، فشل فى فشل، الأمر الذى أدى لإحالتها، إدارة ومتابعة، لجهات سيادية أخرى وأحياناً إلى الرئيس نفسه، الأمر الذى يلحظه ليس المتخصصون فحسب بل حتى العامة من أبناء شعبنا الذى يدفع الضرائب التى تمول بدورها وزارة الخارجية، هذا التراجع والضعف فى الدور وفى الخيال السياسى، مفهوم، عندما يتولى أمرة تلك الوزارة موظفون وليس بناة وصناع سياسة، إلا أن الأمر الذى يصيب المرء بالحزن أن هذه الوزارة التى لم يعد يشيد بها إلا بعض كتبة الإعلام الحكومى فقط، لم تفشل فقط فى إدارة الملفات الساخنة المتصلة إقليمياً ودولياً بمصر، بل وصل الفشل إلى حد عدم القدرة على الاختيار أو المناورة، فيما يتعلق بأبسط وظائف وأدوار الخارجية المصرية، وأحدث ملف يؤكد ذلك هو موافقة الخارجية على تعيين (اسحق ليفانون 65 عاماً) سفيراً عاشراً جديداً لإسرائيل فى القاهرة خلفاً للسفير التاسع (شالوم كوهين)، وذلك يوم (14/2/2010) وهو ابن السيدة الإسرائيلية (شولا كوهين كيشيك) والتى عملت جاسوسة للكيان الصهيونى فى لبنان لمدة 14 عاماً فى الخمسينيات من القرن الماضى وتسببت فى أضرار بالغة للبنان ولمصر وقتذاك، إبان حكم عبدالناصر وفى ذروة المد القومى وألقى القبض عليها عام 1961 وحكم عليها بالإعدام فى لبنان ثم خفف الحكم، واشتهر عن هذا السفير علاقاته الوطيدة- أيضاً- بأجهزة المخابرات الإسرائيلية، مثل سابقيه من سفراء هذا الكيان فى مصر، هذه المعلومات التى يعلمها أصغر خبير ومهتم بالكيان الصهيونى، لم تجد متخصصاً فى الخارجية المصرية يفحصها وينصح الوزير أو حتى المتحدث الرسمى باسم الوزارة- والذى لا يتوقف عن التبرير لكل فعل أو قول لوزارته حتى ولو كان خاطئاً- أن يرفض هذا الترشيح للسفير الجديد، قد يرد البعض أنه لا ذنب له فى أن أمه كانت كذلك وأنه لاتزر وازرة مثل أخرى ولهؤلاء نقول لا إن تاريخنا مع إسرائيل يقول بأن الوزارة تزر مثل الأخرى وأكثر وأن (مقولة العرق دساس) تنسحب كلية على قيادات وسفراء إسرائيل وأن تاريخ السفير الجديد يؤكد ذلك جيدا والطريف فى الأمر أن الخارجية المصرية وبدلاً من البعد عن الشبهات ورفض تعيين هذا السفير اخترعت لنا الوزارة عبر مسؤوليها حدوتة مفادها أنها رفضت (شاؤول كاميسا) المقرب من وزير الخارجية الإسرائيلى (أفيجدور ليبرمان)، وظلوا يلوكونها بألسنتهم إعلامياً حتى صدقوا الحدوتة (الكذبة)، إلى أن أعلنت إسرائيل أنها لم تقل ذلك، وأن ما جرى مجرد حدوتة مصرية لإلهاء المصريين، وإظهار خارجيتهم باعتبار أن لها شوكة وكلمة فى تحديد السفراء، هناك حد أدنى من الكياسة السياسية والخبرة، والقدرة على المناورة بما تتضمنه من قبول أو رفض لما قد يسىء لصورة هذا البلد الذى يدعى مسؤولوه أنه (الدولة والشقيقة الكبرى) فى المنطقة، ثمة هامش دبلوماسى كان بإمكان الخارجية المصرية أن تتحرك فيه- إن أرادت- فى مجال رفض أو قبول سفراء إسرائيل، ولكنها لا تفعل، أما (كيشيك) فمرحب به، وغدا سنشاهده هو الآخر وقد صعد وهبط على سلالم وزارة الخارجبة متأبطا وبفرح و(دلع) مسؤولى الوزارة، ثم تسألوننى ماذا جرى لمصر وللمصريين؟ اسألوا أحمد أبوالغيط وحسام زكى وزمانهما، وترحموا بالمقابل على زمن محمود رياض وإسماعيل فهمى!!. [email protected]