في العالم الكثير من الأشياء الغريبة. يرينا الله عجائب قدرته. ففي البحر كائنات ومنشآت. على سبيل المثال؛ لماذا يرتدى الأطباء المعاطف البيضاء؟ ليس الأطباء البشريين فقط بل أيضاً الصورة الأيقونية لأطباء الصيدلة أو الأطباء البيطريين وحتى العلماء من تخصصات مختلفة. جمعيهم يرتدون المعاطف البيضاء بالرغم من أنها ليست عملية، فبيئة عملهم تجعلهم ملابسهم عرضة للتلوث بقعة دم هنا أو بقعة سَائل أو مركب كيمائي هناك. ومع ذلك يواظبون على ارتداء المعاطف البيضاء. هناك تفسيرات متعددة لهذا الأمر منها أن اللون الأبيض يسمح بالتأكد من نظَافةِ المعطف عند غسله، لكن طبقا لهذا الطريقة فيجب غسله بعد كل مرة يتم استعماله فيه. ما نعرفه تاريخياً أن ارتداء المعاطف البيضاء للأطباء والعلماء بدأ في القرن التاسع عشر مع الثورة الصناعية وما صاحبها من استقرار لقواعد البحث العلمى والطبي. وكان السبب الأول لارتداء المعاطف البيضاء هو وضع حد وخلق تمييز اجتماعى بين ممارسي الطب الشعبي والأطباء الذين يتخرجون من مدارس الطب الأكاديمية. ووضع حد بين ممارسي الشعوذة والدجل والعلماء والباحثين في مجالات العلوم الطبيعية. بالمعطف الأبيض تم خلق التمايز الطبقي داخل تركيبة المجتمع الحديث ونجحت طبقة الأطباء في القرن التاسع عشر في صنع مكانة مميزة داخل طبقات المجتمع الهرمية. * * * في البحر كائنات ومنشآت. وفيه «اللى نجى من الموجة واللى ملوش دية». الجبة والقفطان مثلاً في الأصل هى زى تركى، وجرت العادة في مصر وعدد من الدول التى كانت تحت الاحتلال التركى (أو جزء من الدولة/ الخلافة العثمانية حسب مرجعيتك الفكرية والتاريخية) أن يرتديه أعيان القوم وهم في هذا الزمن خليط من التجار وكبار شيوخ الأزهر الذين كانوا أيضاً يعملون في التجارة. راحت الدولة العثمانية ولم تنج من الموجة. الأعيان والطبقة البرجوازية في مصر تحولت هى الآخري من ارتداء الجبة والقفطان إلى البدل الغربية. لكن شيوخ الأزهر واظبوا على ارتداء الجبة والقفطان. بمرور الوقت أصبح الزى لا يشمل فقط شيوخ الأزهر بل يمتد إلى الطلبة في المعَاهد الأزهرية. ظهر رابط غامض في الوعي الجمعي بين الجبة والقفطان والدين الإسلامي، بالرغم من أن جوهر أساسي من العقيدةِ الإسلامية هو رفض السلطة الكهنوتية وليس في الإسلام شيء اسمه رجال الدين بزى محدد موكل لهم مهمات دينية محددة مثل الأديان الآخري. في عهد عبد الناصر تم إدماج الأزهر في بنية الدولة العسكرية الجديدة، ورويداً بسبب مجموعة من الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وظفت الدولة الجبة والقفطان كذراع لها في المجال الديني. وفي سنوات «الحرب ضد/أو/ مع الإرهاب» سعت الدولة لصنع التمييز الواضح بين رجل الدين بالجبة والقفطان كرجل دين صالح. وبين آخرين يرتدون الجلباب الأبيض ويطلقون اللحية كرجل دين يخفي قنبلة أسفل لحيته. راجع مثلا مجموعة «أفلام بروبجندا الإرهاب» في الثمانيات والتسعينات وكيف كان يتم السخرية من الإرهاب بالجلباب واللحية، مع الحفاظ على الاحترام الواجب لرجل الجبة والقفطان. بغض النظر أن الفروق بين خطاب الاثنين تكاد تكون غير ملحوظة. تراجعت صورة الشيخ الأزهري بالجبة والقفطان في التسعينات مع انتهاء دوره المطلوب في معركة «الحرب ضد/مع الإرهاب» لينحصر حضورها الإعلامي وتأثيرها مع وفاة الشيخ الشعراوى. مع بداية الألفية ظهر صراع آخر بين جبهة البدلات الغربية (الأستاذ عمرو خالد وشركاه) وجبهة الجلابية البيضاء والشال على الرأس (الشيخ محمد حسان وشيوخ السلفية). عادت الجلابية هذه المرة بموافقة أمن الدولة بالطبع بخطاب آخري غير خطاب الجماعات الإسلامية حمل اسم الخطاب السلفي. وانتهى الصراع سريعاً لصالح الجلابية البيضاء. وتم حصر دعاة «البدلة» في برزخ بين التنمية البشرية والعمل الخيري. * * * الأهم من كل ما سبق ليس أن تعرف من أين تأكل الكتف؟ ولكن كيف تُأكل الكتف؟ التجربة التالية تم تجربتها مرتين حتى الآن في محافظتين مختلفتين وحققت نجاحاً باهراً. قبل موعد تجديد رخصة قيادتك أو رخصة السيارة. أطلق لحيتك وهذبها مع حف الشارب. ارتدى جلباب أبيض. يفضل أحياناً «شبشب» جلد. اذهب إلى أبعد إدارة مرور من مقر سكنك وسوف تفاجئ بمستوى المعاملة الإنساني والحضاري والتخفيضات غير المتوقعة التى ستحصل عليها. إذا أعجبتك اللعبة يمكنك أن تستمر وسوف تندهش أكثر وأكثر من ارتفاع مستوى دخلك وظهور العديد من فرص العمل أمامك. مصر بتتغير واحنا معاها.