«مازال العمر حرامى! ونحنا العشقانين. لا تنعس ولا تنام. خلينا سهرانين».. هكذا كانت تغنى ماجدة الرومى بصوتها الفضى المُقتبس من اشتعال النجوم. تصدر لنا الأمر بالسهر، فنسهر.. مساء الاثنين 13 نوفمبر. الثالثة صباحا. ليلة ليلاء أخرى. ما الذى اعترانى؟ ولماذا طار النوم من عيونى كسرب من العصافير اقترب منه طفل فضولى؟ لماذا أشعر بكل هذا الوهج وهذه اليقظة؟ ولماذا تتواثب الأفكار فى ذهنى؟ وتتواثب فى عقلى المعانى؟ ولماذا يفور وجدانى بالانفعالات، ويرقّ باطنى بالمعانى؟ ومتى أحظى بالسكينة إن كنت لم أحظ بها فى هذا العمر؟! وكنتُ أخال أننى كلما أوغلت فى مياه العمر كفت النفس عن الزوابع! أترى كان آباؤنا يعتريهم ما اعترانا ونحن أطفال صغار لا ندرى؟! أترانا لا نكبر، لا نهدأ، لا نستقر إلا حينما يأتينا الموت النهائى؟! ولماذا يبدو لى الكون أحيانا واضحا كراحة يدى؟ وأحيانا أجده مُلغزاً مُمعناً فى الغموض والتنائى؟ الرابعة صباحا! الليل يتقدم والنوم ميؤوس منه تماماً! الحد الفاصل بين ليل مدبر وصباح مقبل. أعرف ما الذى سلبنى سكينتى ولكننى لا أستطيع أن أبوح به، حتى لنفسى! الإنسان كائن معقد! جبل ثلج لا يلوح منه إلا سطحه! ما الذى أعرفه عن عقد طفولتى التى شكّلت شخصيتى وحددت مجرى حياتى؟! ما الذى أعرفه عن مخاوفى الدفينة؟ ما الذى أعرفه أنا عن أنا؟ أستمر فى الحياة بمعجزة، جاهلاً معظم الأشياء عن نفسى! فقط أدارى بالصوت العالى النغمة الخافتة التى لا أسمعها بوضوح إلا فى ليال كتلك، يتوارى فيها الجميع، حتى لم يعد فى هذا الكون إلا أنا وربى. الخامسة صباحا! مواصلة الرقاد عبث، ولم يعد هناك مفر من مغادرة الفراش. الفجر يُولد، والنور الرقيق ينتشر، يتغلب على الظلمة تدريجيا. أليست تلك إشارة إلهية إلى أن الظلم لن يدوم والخير- مهما تأخر- فسوف ينتصر فى النهاية؟! ■ ■ ■ الثلاثاء 14 فبراير. السابعة صباحاً. أدير محرك السيارة متجها إلى عملى. البرد لطيف والشمس محتجبة وراء الغيوم. والنور ينتشر فى كل مكان من قنديله السماوى. الطريق خالٍ نسبياً ومشاعر البهجة والتفاؤل تغمر روحى. صرت أشعر بالبهجة مع قدوم الصباح، وكأننى أُولد كل صباح من جديد. أحبك أيتها الحياة من روحى وقلبى. كم أنت جميلة! كم أنت نعمة ربى! من حسن حظى أننى لم أُخلق جماداً! تخيل لو كنت زلطة أو سيارة! ولكن أحقا كنتُ لن أشعر؟! أعتقد أننى كنت سأقع فى الحب أيضا! رباه! هل تحبنى هذه السيارة؟ هل يشعر الجماد بما يعترينا، أم إن ما نكسوه به من مشاعر يظل وهماً فى نفوسنا يضلّلنا ويرضينا؟! أدير مسجل السيارة، وإذا بصوت ماجدة الرومى الذى أعشقه، يباغتنى بأغنية عميقة المعانى، كأنها تعرف ما دار الليلة السابقة: «مازال العمر حرامى! ونحنا العشقانين. لا تنعس ولا تنام. خلينا سهرانين. نحكى ع ليالى راحوا. وليالى باقيين. خلينا يا حبيبى. أنا وأنت سهرانين». [email protected]