"التنظيم والإدارة" يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف حتى نهاية العام    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    مدبولي يترأس مائدة بعنوان الإصلاحات الهيكلية لتعزيز تنافسية القطاع الخاص    بعدما حددت الثلاثاء المقبل.. إيران ترجئ تشييع جنازات قادتها العسكريين    قصة الصراع في مضيق هرمز منذ الاحتلال البرتغالي وحتى الحرس الثوري الإيراني    إيران تمتلك ورقة خطيرة.. مصطفى بكري: إسرائيل في حالة انهيار والملايين ينتظرون الموت بالملاجئ    تشكيل بايرن ميونخ وأوكلاند سيتي في افتتاح مبارياتهما بكأس العالم للأندية 2025    طلاب الأدبي بالشهادة الثانوية يستأنفون امتحاناتهم بمادة اللغة الإنجليزية    قتل أسرة كاملة حرقًا.. الإعدام شنقًا لعامل في الإسكندرية -صور    العثور على جثة سوداني أمام "المفوضية" بأكتوبر    25 صورة من جنازة نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    حالة طوارئ، روتانا تطرح أحدث ألبومات نجوى كرم    رامي جمال يوجه رسالة لجمهور جدة بعد حفله الأخير    10 سلوكيات خاطئة ابتعدى عنهم مع أطفالك حفاظا على صحتهم    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    لقب وحيد و9 محطات تدريبية.. ماذا قدم جاتوزو قبل تولي تدريب إيطاليا؟    رابطة الدوري الإنجليزي تعلن موعد الكشف عن جدول مباريات موسم 2025-2026    محافظ المنيا يؤكد: خطة ترشيد الكهرباء مسئولية وطنية تتطلب تعاون الجميع    إعلام إسرائيلى: صفارات الإنذار تدوى فى الجولان والجليل ومنطقة حيفا    دعاء دخول امتحان الثانوية العامة لراحة القلب وتيسير الإجابة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    محافظ الشرقية يستقبل أسقف ميت غمر ودقادوس وبلاد الشرقية والوفد الكنسي المرافق    مدبولى: مخطط طرح أول المطارات المصرية للإدارة والتشغيل قبل نهاية العام الجاري    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    ليس لأبراج تل أبيب.. مقطع مزيف للقصف الصاروخي في إسرائيل ينتشر على مواقع التواصل    استمرار أعمال توريد القمح بتوريد 508 آلاف طن قمح منذ بدء موسم 2025 بالمنيا    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    رئيس الوزراء العراقي: العدوان الإسرائيلي على إيران يمثل تهديدا للمنطقة    رئيس مجلس الدولة يفتتح فرع توثيق مجمع المحاكم بالأقصر    احذر عند التعامل معهم.. أكثر 3 أبراج غضبًا    لطيفة تؤجل طرح ألبومها الجديد بعد صدمة وفاة شقيقها نور الدين    مكتبة الإسكندرية تطلق أحدث جوائزها للمبدعين الشباب    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    مانشستر يونايتد يواجه ضربة بسبب تفضيل جيوكرس لأرسنال    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    5 جوائز ل قرية قرب الجنة بمسابقة الفيلم النمساوي بڤيينا    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    النواب يحذر من تنظيم مسيرات أو التوجه للمناطق الحدودية المصرية دون التنسيق المسبق    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    حسين لبيب يعود إلى نادي الزمالك لأول مرة بعد الوعكة الصحية    "برغوث بلا أنياب".. ميسي يفشل في فك عقدة الأهلي.. ما القصة؟    جامعة القاهرة تنظم أول ورشة عمل لمنسقي الذكاء الاصطناعى بكليات الجامعة ومعاهدها    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    تحرير 146 مخالفة للمحلات لعدم الالتزام بقرار ترشيد استهلاك الكهرباء    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    أخر موعد للتقديم لرياض الأطفال بمحافظة القاهرة.. تفاصيل    التعليم العالى: المؤتمر ال17 لمعهد البحوث الطبية يناقش أحدث القضايا لدعم صحة المجتمع    أولياء أمور طلاب الثانوية العامة يرافقون أبنائهم.. وتشديد أمنى لتأمين اللجان بالجيزة    متى تبدأ السنة الهجرية؟ هذا موعد أول أيام شهر محرم 1447 هجريًا    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    أصل التقويم الهجري.. لماذا بدأ من الهجرة النبوية؟    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 15-6-2025 في محافظة قنا    هاني رمزي: خبرات لاعبي الأهلي كلمة السر أمام إنتر ميامي    موعد مباراة الأهلي وإنتر ميامي والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شقاوة بلا حدود من «السيدة عيشة» إلى الحلمية

يقول عادل: جاء أبى من «شها» مع أمى الفلاحة البسيطة غير المتعلمة، وسكن فى «السيدة عيشة»، وعاش حياة شعبية فقيرة فى ظل أوضاع صعبة، وكان أبى رغم قسوته يعرف ما يريد، ويصر على تعليمى، فدخلت مدرسة الحكومة بالمجان، وأكلت أكل الحكومة، ولبست ملابس الحكومة، لم أنشأ ثريا ولا مرفها، كنت أعرف أن الظروف صعبة، لكننى لم أكن أهتم بذلك.. كنت أضحك، وألهو، وأسخر، وأدبر المقالب، وأعيش الدنيا بالطول والعرض، ولم أكن أخشى شيئا ولا أحدا إلا والدى..
كنت أعمل له ألف حساب، لأنه كان جادا ومهابا فى الحى كله، وكان يأخذنا أحيانا إلى قرية شها عند العائلة، حيث تعرفت على جدى، وكان بقالا، لكنه كان رجلا بشوشا وساخرا جدا، كنت ألاحظ أن الناس فى القرية يجتمعون عنده كل ليلة للضحك والسمر، ويتبادلون القفشات والقافية، والضحك يرن فى أذنى وأنا أتابع،
وعندما كنت أنظر ناحية والدى كنت أجده يشاركهم الضحك أيضا، وكانوا يضحكون كثيراً، لكن والدى كان محافظا على مهابته، ولا يضحك إلا قليلا، وكانت ابتسامته نادرة فى العموم، ولا أعرف ماذا حدث عندما ولدت.. هل استقبلنى أبى بالترحاب المألوف وفرحة الأب بأول طفل ينجبه أم أنه استقبلنى ب«الشلاليت» التى تعودت عليها منه منذ تعلمت المشى والكلام، والحقيقة فى بعض المواقف أنا كنت أستاهل لأنى كنت شقى جدا، طفل نحيف بس عفريت، وبدأت فى معاكسة خلق الله من بدرى جدا.
كنت أعشق لعب الكرة الشراب وأمارسها مع أصدقائى فى شوارع الحلمية والخليفة، وذات مرة كنت ألعب الكرة الشراب فى الشارع كعادتى بعد المدرسة أو أثناء «التزويغ» من الحصص الدراسية، وطبعا تركت حقيبتى بجانب الرصيف، وبعد انتهاء الماتش بحثت عنها فلم أجدها، وكانت مصيبة، اسودت الدنيا فى عينى، وفكرت فورا أن أهرب إلى الصعيد ولا أعود للبيت أبدا، فأنا لا أستطيع أن اقابل والدى بعدما ضيعت حقيبة المدرسة، ومشيت فى الشوارع وأنا أشوط الطوب والحجارة الصغيرة بحذائى وأفكر فى كيفية الهروب، وفجأة وجدت والدى أمامى، وسألنى ماذا أفعل؟، ومن اين أنا قادم؟
وأين حقيبتى، وانتهى الحوار باصطحابى إلى البيت من غير أن ينطق بكلمة، لكن نظرته كانت تملؤنى رعبا، وفى البيت كما كنت أتوقع أكلت «علقة» رهيبة، وفى الوقت الذى كان أبى يضربنى فيه بقسوة، لم تكن أمى تستطيع أن تفعل شيئا سوى أن تخبر خالى، فقد كانت تخشى أبى مثل أى زوجة ريفية فى ذلك الزمان، وكانت تعمل له ألف حساب، وكان خالى هو الإنسان الوحيد الذى يستطيع أن يتدخل ويرحمنى مؤقتا من قسوة والدى، لأن خالى كان يساعدنا ماليا.
وفى مشهد نادر من مشاهد الطفولة الأولى التى يتذكرها عادل جيدا يحكى قائلا: لا أستطيع أن أنسى أول مرة بكيت فيها بحرقة، من غير أن يكون السبب صفعة من والدى، لقد كنا فى تلك الفترة نسكن فى البيت الذى ولدت فيه بالقرب من «السيدة عيشة»، وفى ذلك اليوم وجدت سريرى الذى أنام عليه فوق عربية كارو «مهكعة» يجرها حصان عجوز، جريت على أمى وسألتها إيه الحكاية؟
فقالت لى وهى منشغلة «إحنا بنعزل من البيت لأن واحدة ست اشترته عشان تبنى مكانه بيت جديد».. يومها شعرت بحاجة مش عارفها بتخنقنى، وعرفت بعدها إننا مجرد سكان ممكن صاحب البيت الذى نسكنه يرمينا فى أى لحظة.. فى ذلك اليوم انقهرت من داخلى وبكيت، ونزلت دموعى على خدى بغزارة وأذكر أنها لمست فمى وظللت أشعر بمرارة غريبة لم اكن أفهم سرها إيه.. مكنتش فاهم، إنما كنت حاسس.
وانتقلنا إلى الحلمية وكنت أذهب إلى مكان البيت القديم وأظل أبكى وهم يهدمونه.. لقد كنت أشعر أن كل خبطة فى الحجر خبطة فى قلبى ولما عشت فى الحلمية فترة بدا الزمن يلعب لعبته وبدأت أنسى قليلا، وبدأ إحساسى بالبيت القديم يقل لصالح إحساسى بالبشر، بالناس، وعرفت معنى الصداقة، بعد أن بدأت أطرق أبواب المراهقة، وبدأت أشعر بأن «الحلمية» دنيا تانية خالص.. عالم خصب، شارع ملىء علاقات إنسانية ثرية، فقد بدأت فى معرفة الناس وتكوين صداقات، بعد أن دخلت مدرسة بنبا قادن القريبة من السيدة زينب، 
وكانت الصداقة هى مفتاح دخولى إلى عالم جديد من التألق الاجتماعى، وفتحت لى المدرسة نوافذ جديدة للتعبير عن كل التصرفات التى لا أستطيع أن أقوم بها فى البيت بسبب وجود والدى، وأصبحت معروفا بالشقاوة الشديدة، وتدبير المقالب المضحكة، وذاع صيتى فى المدرسة، لدرجة أننى كنت على طول «مرفود» لأن أى تصرف يحصل فى الفصل يقولوا: هاتوا عادل إمام.. أى حركة أعملها العيال تفطس من الضحك.. برغم انى أحيانا لا أفعل أى شىء.. مجرد انى «أبص بصه» لأى حد من زملائى أجد العيال يضحكون، وفى البداية كنت زعلان، وأسأل نفسى: هم بيضحكوا على إيه؟،
وفى مرة قلت لنفسى: أنا لازم أسأل العيال دى، وسألتهم فعلا فقالوا: مانعرفش.. احنا مجرد ما نبص لك بنضحك، وكلما أسألهم بعد ذلك.. يقولون: بنضحك على شكلك، والمشكلة إنى وجدت نفسى بعد كده مشهور ومتهم فى نفس الوقت، مشهور لأن الكل يقول عادل.. عادل، ومتهم لأن أى مصيبة تحصل فى المدرسة يقولوا أوتوماتيك: وراها عادل إمام، مثلا على أفندى مصطفى الله يرحمه كان مدرس رياضة فى مدرسة «بنبا قادن»، وكنت أسميه «على أفندى.. لا أقبل»، لأنه كان مستقصدنى.. وكان حاطط نقره من نقرى.. كانت هوايته «يرفدنى» من المدرسة.. مرة تصديت لقراراته ورفضت أن أنفذ مايقول، وحصلت فى الفصل زيطة والتلامذة هاجوا، فوقفت ورفعت إيدى، وقلت بصوت عالى: «أنا لا أقبل».
وتعجب على أفندى وسألنى مندهشا: ماتقبلش إيه يا عادل؟
فقلت: مش عارف
وغرق الفصل فى الضحك، وفشل على أفندى فى إسكات الهيصة وإيقاف الضحكات، وغضب جدا، وقرر «رفد» الفصل كله، وتعاطف معه الناظر وأصدر قرارا بتقسيم التلامذة إلى فئات حسب مستوى التهريج الذى ارتكبوه، فهناك فئة (أ) وفئة (ب) وثالثة (ج).. الفئة الأولى تحضر للمدرسة بعد أسبوع، والثانية لن يسمح بدخولها إلا بعد أسبوعين، والثالثة لا تعود إلا بحضور ولى الأمر حتى يتم قبول قيد التلميذ من جديد بعد أن يدفع رسوم القيد، ويضيف عادل إمام: أما أنا فكنت فى الفئة «دال» بمفردى، ولم ينقذنى من هذه الورطة إلا خالى، لأن والدى لو عرف كانت هتبقى كارثة على دماغى.
وفى الحقيقة لم تكن قيادتى لزملائى تسير بلا متاعب لكنها كانت أساس المتاعب، لأننى كنت أجد نفسى من غير اختيار أو قصد أقف فى وجه المدفع، وكلما حدثت كارثة فى المدرسة يبحثون عنى، ويوجهون لى التهمة وراء التهمة، وفى أحيان كثيرة على أشياء لم أرتكبها فعلا، وكنت أتقبل العقاب من غير أن أبرر.
مفهوم الصداقة
يكمل عادل جانبا من مفهومه للصداقة فى تلك الفترة المبكرة من حياته فيقول: فى الحلمية عرفت معنى الصداقة، عرفت الكثيرين، وكنت أشعر بأننى صديق كل الناس فى الحى حتى الحيطان وطوب الرصيف، وقد بدأ إحساسى بالصداقة رومانسيا جميلا صادقا عندما عرفت عددا من زملاء المدرسة وجيرانى فى الحى وكان بينهم محمد، تقربت منه وتقرب منى، وصار الصديق الأقرب، وكنا نخرج معا، ونفضفض فى كل شىء، ونسهر معا فى ليالى رمضان، ونزور الأضرحة والمساجد المحيطة بنا فى كل مكان، وارتبطت بشدة بصديقى محمد، وفجأة غاب عنى محمد عدة أيام، وأذكر أننا كنا فى نهاية الأسبوع، أحد أيام الخميس عصرا، عندما خرجت للسؤال عن محمد، ولماذا اختفى؟،
 ظللت أطرق على باب بيتهم ولا أحد يرد، حتى خرجت سيدة من الجيران، وسألتنى: أنت عاوز مين؟
فقلت لها: انا عاوز محمد صاحبى.
فقالت لى: كلهم سافروا إلى الخارج.
قلت: يعنى إيه يا جماعة؟
قالت وهى تنهى الحوار وتدخل: هاجروا.. مش هيرجعوا هنا تانى.. أنت عاوز منه حاجة؟
لم أرد.. وعدت حزينا، وبكيت مثلما بكيت يوم أن رأيت سريرى محمولا على العربة «المهكعة» التى يجرها الحصان العجوز.. وكانت أول مرة أفهم معنى الفراق وقسوته، ويعنى إيه تنقطع الحياة وتتحول لذكريات فى لحظة.
وقال عادل: على الرغم من كل هذا الفقر والألم والذكريات الغريبة لا يمكن أن أصف هذه المرحلة من حياتى بالشقاء أو التعاسة، ولا أحب أن أقول إننى عشت طفولة معذبة بل أشعر بأننى عشت طفولة مصرية مثل ملايين غيرى، وهذه الظروف الصعبة لم تكن كلها شرا، فالفقر والإمكانيات الضئيلة كانت تدفعنا إلى تجاوز هذه الصعوبات ومحاولة تحقيق الأحلام بسرعة، وهكذا نضجت سريعا وشعرت بأننى أصبحت رجلا كبيرا وخبيرا وأنا لا أزال صبيا فى العاشرة من عمرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.