نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالا تحليلي للكاتب باتريك ماكجي يكشف فيه عن حقائق تتعلق بأسعار منتجات آبل في المستقبل بعد تعريفات ترامب التي تستهدف الصين واعتبرها مراقبون حربا تجارية معلنة سيتضرر منها العالم. ويبرز المقال نسبة الزيادة المتوقعة في أسعار آيفون في ظل التكلفة التي ستنتجها قرارات خروج الشركة من الصين وضغط ترامب عليها في ظل علاقتها الوطيدة بالصين واعتمادها الأساسي على تصنيع منتجاتها هناك. ولهذا يكتب يقول الكاتب في أحد عناوين مقاله أنه يجب أن تفكر في استبدال جهاز آيفون الخاص بك، موجها رسالته للجمهور ليفسر كيف سيكون مستقبل بيه تلك الأجهزة وكذلك مستقبل شركة آبل نفسها. وإلى أبرز ما جاء في نص المقال المنشور على موقع صحيفة نيويورك تايمز: مستقبل أغنى شركة أمريكية وأسواقنا المالية المعرضة للخطر، باتت تقع على عاتق رجل واحد لديه مهمة صعبة للغاية الآن. قد يكون (مؤسس شركة آبل) ستيف جوبز هو الشخص الذي جعل الهواتف التي تعمل باللمس حقيقة واقعة، لكن العبقرية التشغيلية والحنكة السياسية لخليفته (الرئيس التنفيذى للشركة) تيم كوك، هي التي رفعت إيرادات «آبل» وأسعار أسهمها إلى مستويات عالية للغاية. قد تمكّن من صد تهديدات (الرئيس الأمريكي) دونالد ترامب خلال فترة ولايته الأولى، ومن خلال إعطاء الأخير الكثير من الاهتمام، مع عدم إجراء أي تغييرات تُذكر على علاقات آبل مع الصين، تمكن كوك من خداع الرئيس في ذلك الوقت. الآن، عاد ترامب إلى البيت الأبيض مرة أخرى، وفرض على الصين تعريفات جمركية مرتفعة للغاية باتت تُشكل تهديدًا كبيرًا على هيمنة «آبل» على سوق الهواتف الذكية، ومن الواضح أن تنفيذ نفس الحيلة سيكون أصعب بكثير على كوك، وإذا فشل في ذلك، وهو ما يراهن عليه الكثيرون، فقد يوجّه الأمر ضربة موجعة لشركته، ولسوق الأسهم، ولاقتصاد الولاياتالمتحدة بشكل عام. لنبدأ بتحديد حجم المخاطر، فلطالما كانت «آبل» الشركة الأكثر قيمة في العالم منذ عام 2011، وحتى تهديدات ترامب بفرض التعريفات الجمركية الأخيرة، كانت قيمتها تساوى حوالى 8% من إجمالى مؤشر «ستاندرد آند بورز 500». دعونا ننتقل إلى حقيقة أن نقل الإنتاج إلى الولاياتالمتحدة، وهو الهدف المُعلَن لسياسات ترامب الجمركية المتشددة، يكاد يكون مستحيلًا بالنسبة لشركة «آبل»، وذلك بالنظر إلى أن الصين هي موطن لحوالى 90% من إنتاجها العالمى، وهى الدولة الوحيدة التي قامت فيها الشركة بمثل هذه الاستثمارات الضخمة في الموظفين والآلات والعمليات على مدى ربع قرن. يقدّر محللو شركة «Wedbush» أن تكلفة صنع هاتف آيفون محلى في الولاياتالمتحدة ستكون أكثر من ثلاثة أضعاف سعره الحالى، أي حوالى 3500 دولار، والأسوأ من ذلك، أن أمريكا تفتقر ببساطة إلى الخبرة التصنيعية، وحتى عدد العمال اللازم لإنتاج منتجات «آبل» بكميات كبيرة. يعتمد العديد من موردى «آبل» بشكل كبير على العمال الصينيين ذوى الأجور المنخفضة الذين يهاجرون إلى المدن للعمل الموسمى، والذين يُقدّر عددهم بما يتراوح بين 300 مليون و500 مليون شخص، وهو ما يُعادل تقريبًا عدد كافة سكان الولاياتالمتحدة. في موسم الأعياد المزدحم، يكون هؤلاء العمال أساسيين في قدرة الشركة على شحن مليون هاتف آيفون يوميًا، حيث يتكون كل جهاز من حوالى 1000 مكون، كما أنه من المرجح أن تُكلّف محاولة نقل جميع عمليات التصنيع خارج الصين مئات المليارات من الدولارات. لذا في عام 2016، عندما كان ترامب يحثّ مؤيديه على مقاطعة منتجات «آبل» ويهدد بفرض تعريفات جمركية ضخمة على الصين، لم يكن من المفاجئ أن يقوم كوك بشن حملة ترويجية، فقد حرص على الاتصال بترامب وزيارته في البيت الأبيض بشكل متكرر، وفى العام التالى، قال الأخير إن كوك تعهّد ببناء «ثلاثة مصانع كبيرة وجميلة» في أمريكا.وقد نجحت هذه الحيلة، حيث حصلت «آبل» على إعفاءات واسعة من تعريفات ترامب الجمركية، لكن الشركة لم تبنِ أي مصانع في الولاياتالمتحدة، بل كان رئيسها التنفيذى، ببساطة، يراهن على انتهاء فترة رئاسة ترامب. منذ ذلك الحين، ازدادت «آبل» قربًا من الصين، حيث كسبت ثقة المسؤولين الصينيين، وتُظهر التقارير السنوية للشركة أن عدد البائعين الصينيين في قائمة مورديها الرئيسيين قد تضاعف بأكثر من ثلاثة أضعاف، ليصل إلى 52، من عام 2012 إلى عام 2023، مما أدى إلى إزاحة منافسيهم الأمريكيين والتايوانيين.صحيح أن كوك تبرع بمليون دولار وحضر حفل تنصيب ترامب هذا العام، وبعد بضعة أسابيع، تعهدت «آبل» «بإنفاق واستثمار» 500 مليار دولار ل «دعم التصنيع الأمريكي» خلال فترة ولاية الرئيس الثانية، لكن هذا الوعد وحده لن يكون كافيًا لإنقاذ الشركة. هذه المرة، تبدو تعريفات ترامب أكثر قسوة بكثير، فهى تمثل أكبر تهديد لأعمال «أبل» منذ عودة جوبز لإنقاذ الشركة من الإفلاس الوشيك في عام 1997، وقد قدّر بعض المحللين أنها قد تقلل من أرباح الشركة السنوية بمقدار 40 مليار دولار، كما أنه من خلال ردها بفرض تعريفات جمركية خاصة بها، فإن الصين لا تُظهر أي علامة على التراجع أيضًا. تبدو «أبل» عالقة، ولا يوجد مَخرج واضح أمامها، وحتى لو كان من الممكن لكوك نقل إنتاج الشركة خارج الصين فورًا، فإنه سيُخاطر بإثارة غضب بكين وتعريض أعمال تجارية تُقدر قيمتها بنحو 70 مليار دولار هناك للخطر. إن الخيار الوحيد المتاح الآن هو الاستمرار في نقل المزيد من عمليات التجميع النهائى لمنتجات «آبل» إلى دول مثل الهند وفيتنام، مع ترك الجزء الأكبر من عمليات التصنيع المُعقدة في الصين، وهو ما يعنى أيضًا السير على خط رفيع مُتزايد الخطورة. صحيح أن ترامب سيكون أحمقًا إذا لم يُدرك ما وراء المُناورات التي تقوم بها «آبل» هذه المرة، لكنه غالبًا ما يهتم بالمظاهر أكثر من المبادئ، ولذا يجب على أي شخص يُراهن على مستقبل «آبل» أن يأمل في أن يكون لدى كوك ورقة دبلوماسية أخرى في جعبته، لأن الاحتمالات ضده تبدو كبيرة هذه المرة.