أقامت جزيرة بربادوس الواقعة فى المنطقة الغربية من شمال المحيط الأطلسى، احتفالية ضخمة فجر يوم 20 يناير الجارى، أعلنت خلالها انفصالها التام عن التاج البريطانى، وأحيتها المغنية العالمية، ريهانا، ذات الأصول البربادوسية ورائدة الأعمال التى تعتبر أيقونة محلية ذات شعبية كبيرة، وحصلت على لقب البطل الوطنى من رئيسة الوزراء، ميا أمور موتلى، وشارك فى الاحتفالية نيابة عن الملكة إليزابيث الثانية، التى لم تعد تسافر إلى الخارج فى سن 95، الأمير تشارلز أمير ويلز، الذى تحدث بصفته «ضيف شرف» فقط. المغنية العالمية ريهانا وكانت بربادوس أعلنت انفصالها الدستورى يوم 30 نوفمبر من عام 2021، وتحولها إلى جمهورية جديدة فى جزيرة بربادوس إحدى جزر الأنتيل الصغرى، والتى تمتد على طول 34 كيلومتراً وبعرض 23 كيلومتراً وتبلغ مساحتها 431 كيلومتراً مربعاً، تقع على بعد 100 كيلومتر شرق جزر ويندوارد والبحر الكاريبى، وتبعد حوالى 168 كم شرق جزر سانت فنسينت والجرينادينز، و400 كم إلى الشمال الشرقى من ترينداد وتوباجو، وتقع بربادوس خارج حزام الأعاصير الرئيسى فى المحيط الأطلسى. رئيسة وزراء بربادوس أثناء حفل تنصيبها كانت الجزيرة مستعمرة إسبانية وبرتغالية تعرف باسم لوس باربادوس أو أوس باربادوس، لكنها أصبحت مستعمرة إنجليزية عام 1625 وبريطانية فى وقت لاحق، ومع ذلك ظلت تحت حكم التاج البريطانى، ويقدر تعداد سكانها بنحو 284.589 نسمة، منهم حوالى 80.000 يعيشون فى أو حول بريدج تاون أكبر مدينة فى البلاد وعاصمتها، وفى عام 1966 حصلت على استقلالها، لكنها ظلت ضمن عالم الكومنولث، تعد بربادوس إحدى الوجهات السياحية الرائدة فى منطقة البحر الكاريبى وأكثر جزر المنطقة تطوراً، حيث يبلغ مؤشر التنمية البشرية فيها 0.788. وقادت موتلى، وهى أول امرأة تتولى منصب رئيس وزراء باربادوس، حزبها العمالى فى باربادوس إلى فوز ثانٍ لمدة خمس سنوات، دورة فى مجلس النواب، الغرفة الدنيا فى برلمان بربادوس فى الانتخابات الوطنية التى أجريت فى 19 يناير كان التصويت حاسمًا: حصل حزبها على جميع المقاعد الثلاثين، على الرغم من أن بعض السباقات كانت صعبة. احتفالات شعبية بالانفصال وقالت فى خطابها الاحتفالى قبل فجر يوم 20 يناير: «لقد تحدث شعب هذه الأمة بصوت واحد، بشكل حاسم، وجماعى وواضح، هذا هو الوقت الذى تكتسب فيه المطالب جولة جديدة للقضاء النهائى على بقايا الاستعمار زخمًا فى البلدان النامية»، داعية إلى «إنهاء استعمار» الشؤون الدولية بألا تكون قرارات السياسة العالمية من اختصاص القوى الكبرى. وفى المؤتمر الافتراضى للقادة الأفارقة والكاريبيين فى سبتمبر الماضى، أعلت موتلى مبدأ إنهاء الاستعمار لإيقاظ ثقافة عبر الأطلسى وتقويتها للمساعدة فى التغلب على إرث العبودية المدمر، وقالت لقادة الكاريبى: «نحن نعلم أن هذا هو مستقبلنا، وأن إفريقيا هى قارتنا وهى موطن أجدادنا ونحن مرتبطون بها من نواح كثيرة، لأنها حولنا وفينا». الفلكلور الشعبى لبربادوس وقالت خلال المؤتمر: «إن أول شىء يجب أن ندركه ونفعله قبل كل شىء... هو إنقاذ أنفسنا من العبودية العقلية، التى تجعلنا نرى الشمال فقط، العبودية العقلية التى تجعلنا نتاجر فى الشمال فقط، والتى تجعلنا لا ندرك أننا نشكل ثلث دول العالم، العبودية العقلية التى حالت دون الروابط التجارية المباشرة أو النقل الجوى المباشر بين إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبى، العبودية العقلية التى منعتنا من استعادة مصيرنا الأطلسى، والتى تشكلت على صورتنا ومصالح شعبنا». وتابعت: «إن أحفاد العبيد الأفارقة يجب أن يكونوا قادرين على زيارة البلدان على جانبى المحيط الأطلسى وتجديد السمات الثقافية المشتركة، وسكان الكاريبى يريدون رؤية إفريقيا، والشعوب الإفريقية بحاجة لرؤية منطقة البحر الكاريبى. نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على العمل معًا، ليس لصالح الخدمة المدنية الاستعمارية أو لأن الناس أتوا بنا إلى هنا ضد إرادتنا. نحن بحاجة إلى القيام بذلك كخيار، كمسألة مصير اقتصادى». الفلكلور الشعبى لبربادوس يذكر أن التاريخ المبكر لبربادوس تحت الحكم البريطانى غارق فى قرون من الاستغلال والبؤس. لم يمض وقت طويل على وصول أول ملاك للأراضى من البيض فى عشرينيات القرن الماضى، مما أدى إلى طرد السكان الأصليين من أراضيهم، وأصبحت الجزيرة مركزًا لتجارة الرقيق الإفريقية فى نصف الكرة الغربى. سرعان ما سيطرت بريطانيا على التهريب عبر المحيط الأطلسى وبنت اقتصادًا وطنيًا جديدًا ومزدهرًا للنخبة البريطانية على ظهور الأفارقة. وتعلم أصحاب المزارع والمصانع البريطانيون من البرتغاليين والإسبان سياسة «السخر»، فلم يكن مئات الآلاف من الأفارقة أكثر من متاع، محرومين من حقوقهم بموجب قوانين عنصرية قاسية. وسردت الكاتبة هيلارى بيكلز، المؤرخة المولودة فى بربادوس، ونائبة رئيس جامعة جزر الهندالغربية، فى كتاب لها صدر عام 2017، قصة العبودية فى بربادوس فى كتاب استنادًا إلى بحث علمى مرتبط بتصورات لاذعة للحياة الأفرو-كاريبية: «أول مجتمع العبيد السود: زمن البربرية» البريطانى فى باربادوس 1636-1876. وتعتبر الكاتبة بيكلز من أبرز المؤيدين للتعويضات عن العبودية الذين ينتقدون بانتظام النخبة البريطانية والممولين فى لندن والمؤسسات التى أنشأوها من أرباح العبودية. الفلكلور الشعبى لبربادوس كان الأمير تشارلز أشار إشارة عابرة فى خطابه فى 30 نوفمبر حول تسليم آخر بقايا السلطة الملكية البريطانية إلى الجمهورية الجديدة، إلى معاناة العبيد الأفارقة على مدى قرون وركز بدلاً من ذلك على مستقبل متفائل لبريطانيا - بربادوس وقال: «منذ أحلك أيام ماضينا، والفظائع المروعة للعبودية، التى لطخت تاريخنا إلى الأبد، شق سكان هذه الجزيرة طريقهم بصلابة غير عادية. كان التحرر والحكم الذاتى والاستقلال نقاط طريق هذه الأمة. لقد كانت الحرية والعدالة وتقرير المصير مرشدة لكم، وأوصلتكم رحلتكم الطويلة إلى هذه اللحظة، ليس كوجهة لكم، ولكن كنقطة مراقبة يمكنكم من خلالها استكشاف أفق جديد».
