البابا تواضروس يتلقى تقريرا عن الخدمة في إيبارشية ديرمواس    البحث عن الفضيلة    محافظ الغربية يقود حملة لتفقد أعمال النظافة وإزالة الإشغالات بثالث أيام العيد    البورصة المصرية، حركة مؤشر الذهب بالتداولات المحلية    الجزار: 23 مشروعًا لمياه الشرب وصرف صحى الحضر والمناطق الريفية بالوادى الجديد    مسئول إسرائيلي ل حماس: لن نناقش أي مقترح للتهدئة غير ما قدمه بايدن    الإدارة العامة للمرور: ضبط 30 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    تموين الإسكندرية تتابع أعمال المخابز والأسواق ثالث أيام عيد الأضحى    مفيش أنا كمان 10 سنين، سر جملة عمرو دياب التي أحزنت جمهوره وعشاقه (صور)    الصحة: فحص 13 مليونا و627 ألف مواطن للكشف المبكر عن الأمراض المزمنة والاعتلال الكلوي    احذر الحبس 10 سنوات.. عقوبة تزوير المستندات للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    بوتين يشيد بدعم كوريا الشمالية لحربه في أوكرانيا قبل ساعات من زيارة بيونج يانج    أسوشيتد برس: قرار نتنياهو بحل حكومة الحرب خطوة لتعزيز نفوذه وإطالة الصراع    واشنطن بوست: صفقة أسلحة أمريكية ضخمه في طريقها لإسرائيل    اليابان.. تصاعد الدخان من محطة فوكوشيما النووية    جدول الدوري الإنجليزي 2024-2025.. مواجهة مصرية في الافتتاح    يورو 2024| التشكيل المُتوقع لجورجيا أمام تركيا في بطولة الأمم الأوروبية    الزمالك يستعيد خدمات عمر جابر أمام فاركو    سيتي يبدأ المشوار بمواجهة تشيلسي.. خريطة مباريات القمة في بريميرليج 2024-2025    رد فعل مفاجئ من زوجة زيزو ضد حكم مباراة الزمالك والمصري    تحت مظلة التحالف الوطنى.. صناع الخير تضاعف جهودها في العيد بتوزيع اللحوم    محافظ الجيزة يعتمد المخطط التفصيلى للمنطقة الصناعية بعرب أبو ساعد فى الصف    تفاصيل حالة الطقس وأبرز الظواهر الجوية في ثالث أيام العيد    اتفسح وأنت فى البيت.. الحديقة الدولية تستقبل زوارها للاحتفال بثالث أيام عيد الأضحى    مصرع شخص في حادث انقلاب موتوسيكل بالشرقية    مصرع شاب في حريق 4 منازل بقنا    استقبال 525 رأس ماشية وذبحها مجانا بمجازر القليوبية في ثانى أيام عيد الأضحى    نهى وسالي ولمياء ونرمين وأسماء .. عيد الأضحى بيت وفتة و« آيس كريم »    المحمل والحج.. مراسلات بين مصر والمملكة العربية السعودية    أمير عيد .. خطوات ثابتة فى التمثيل    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    أسعار السمك في سوق العبور اليوم الثلاثاء 18-6-2024.. البلطي ب30 جنيها    طريقة تحضير كبسة اللحم بالأرز البسمتي    الدكتور مجدى يعقوب يشيد بمنظومة التأمين الصحى الشامل "ما نراه شئ مشرف"    مفتي الجمهورية: نثمن جهود السعودية لتيسير مناسك الحج على ضيوف الرحمن (صور)    بكين: فقدان 4 أشخاص جراء الفيضانات الجبلية في منطقة شينجيانج بشمال غربي الصين    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 18-6-2024    دعاء الأرق وعدم النوم.. لا إله إلّا الله الحليم الكريم    دعاء الانتهاء من الحج.. صيغ مختلفة للتضرع عند اكتمال المناسك    «المهايأة».. كيف تتحول شقة الميراث إلى ملكية خاصة دون قسمة؟    في ذكرى رحيله ال18| الأب "متى المسكين" رمز الكنيسة القبطية.. عاش حياة الرهبنة كما يجب أن تكون    شيخ الأزهر يهنئ خادم الحرمين وولي العهد السعودي بنجاح موسم الحج    بعثة الحج السياحي: إعادة 142 حاجًا تائهًا منذ بداية موسم الحج.. وحالة مفقودة    الصحة: تنفيذ 454 زيارة مفاجئة للمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية ب23 محافظة خلال عيد الأضحى    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    أخبار الأهلي : الزمالك يتلقي صدمة جديدة بعد التهديد بعدم مواجهة الأهلي    17 شهيدا إثر غارات الاحتلال على وسط وجنوبى قطاع غزة منذ فجر اليوم    مواعيد مباريات الدوري المصري اليوم الثلاثاء والقنوات الناقلة    أخبار مصر: جريمة تهز العراق ضحاياها مصريون، آل الشيخ يحرج عمرو أديب بسب الأهلي، مفاجأة في وفاة طيار مصري وسقوط أسانسير بركابه بالجيزة    بينهم مصريون، مصرع 11 وفقدان أكثر من 60 في غرق قاربي مهاجرين قبالة سواحل إيطاليا    إسعاد يونس: عادل إمام أسطورة خاطب المواطن الكادح.. وأفلامه مميزة    عبدالحليم قنديل: طرحت فكرة البرلمان البديل وكتبت بيان الدعوة ل25 يناير    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    ثبات سعر طن الحديد وارتفاع الأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 18 يونيو 2024    السيطرة على حريق محدود في مخيم حجاج مصريين بمنى دون إصابات    ملخص وأهداف جميع مباريات الاثنين في يورو 2024    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فى رثاء رفيق وصديق وشقيق: المهندس أحمد رزق
نشر في المصري اليوم يوم 16 - 01 - 2021

فى فجر يوم الجمعة 8 يناير 2021، أيقظتنى زوجتى لتُخبرنى بأنها تلقت رسالة نصية على تليفونها المحمول، تُفيد بوفاة المهندس أحمد رزق. أردت التأكد من الخبر المُحزن، ولكن كان من غير اللائق الاتصال الهاتفى فى تلك الساعة المُبكرة، فانتظرت أربع ساعات، حيث لم أستطع استئناف النوم.
فى تلك الساعات الأربع استرجعت ما تيسر من ذكريات سبعين عامًا، عرفت فيها المهندس أحمد رزق، الذى كان يصغرنى بأربع سنوات، فقد وُلد فى فبراير 1942. لذلك تزامنت حياة المُداعبة أكثر من سبعين عامًا، فقد نشأنا سويًا فى أسرة ريفية مُمتدة، فى منزل كبير يضم سبعة من الإخوة- أربع ذكور وثلاث إناث، إلى جانب أولاد وبنات الأعمام.
ولأن جزءًا مُبكرًا من تلك الطفولة المشتركة تزامن مع السنوات الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وإشاعة أن الألمان على حدود مصر، وأن قواتهم تستخدم غازات خانقة، فقد اشترى والدنا، رحمه الله، كمامات واقية من ذلك الغاز، وجاء بها من مدينة المنصورة، وارتدى إحداها قبل أن يدخل علينا المنزل، وكان شكله مُرعبًا، أخافنا، فبدأنا نجرى بعيدًا عنه، وهو يتعقبنا بأنه جائع ويُريد أن يأكل أحدنا، فارتمى أصغرنا، «أحمد»، بين يديه، وهو يقول كُلنى أنا، واترك إخوتى، فأخذه الوالد فى حُضنه، وخلع الكمامة، وأمطره بقُبلاته، وهو يتظاهر بأنه يأكله.
وسألت نفسى، وأنا أستعرض شريط الذكريات، لماذا كانت تلك الواقعة الطريفة هى التى ظلّت الأكثر حفرًا فى ذاكرتى؟
وجاءت إحدى الإجابات عن هذا السؤال الصامت فى عصر يوم الجمعة، ونحن نقوم بدفن جُثمان الشقيق، حيث تجمع المئات، الذين حسبتهم من أهل القرية، والذين غلبتهم مشاعرهم الحزينة، فخالفوا كلمات السُلطات، ضد التجمع والتقارب الاجتماعى. ولكن أدهشنى كثيرًا الذين تجمعوا عند مقابر الأسرة، وهم يتبادلون عبارات العزاء التقليدية، يُعلنون أنهم من قُرى أخرى مُجاورة- شُبرا بدّين، ميت على، وميت عوام، وميت مزاح، ومحلة الدمنة، وسلامون القماش.. وغيرها. وكانوا يذكرون مناقب ومآثر المهندس أحمد رزق، وأهمها أنه هو الذى عجّل بإدخال كهرباء الريف إلى قُراهم، فقد كان رحمه الله مُهندسًا فى وزارة الكهرباء فى القرن الماضى.
أما نساء قريتنا فكان نواحهن وبُكاؤهن يختلط بعبارات العرفان للشقيق الراحل، فى مساعدته لهن فى تجهيز بناتهن للزواج، أو إرسال ما تيسر من المال واللحوم إليهن فى المواسم والأعياد. وتذكرت بالفعل أن الإخوة كانوا يُضحّون فى الأعياد بكباش، ولكن المهندس أحمد تجاوزنا جميعًا فى التضحيات بعجول، ثم بأبقار، فقد كان يُكلف تلاميذ العائلة بإعداد قوائم بأسماء الفُقراء والمحتاجين فى القرية، لكى يُرسل إليهم أنصبة مُناسبة من تلك الأضاحى. ولذلك سمعت إحدى النساء، وهى تولول، تتساءل عمّن سيتذكرهم بالأضاحى فى قادم السنين؟!
كان المهندس أحمد رزق شابًا فى أوائل العشرينيات حيث وقعت نكسة 1967، فتمت إعادة استدعائه للخدمة العسكرية. ولأنه كان مُهندس كهرباء، فقد تم تعيينه فى أحد الفروع الجديدة للقوات المُسلحة، وهو سلاح الدفاع الجوى، الذى امتدت خدمته فيه إلى بداية سبعينيات القرن الماضى. ثم بعد ذلك كان ضمن الكتائب المدنية من المهندسين والفنيين الذين تمت تكلفتهم بإعمار مُدن القناة- بورسعيد والإسماعيلية والسويس. ولكنه خلال سنوات التعمير تلك، تعرف على إحدى حسناوات مدينة الإسماعيلية، والتى كانت تعمل مُعلمة للغة الفرنسية، اسمها «أميرة»، فخطبها، وتزوجها. وكُنا نُداعبه بأنه حصل على إحدى غنائم حرب أكتوبر، وظلت هى بدورها تُداعبه بمُناشدته أن يفك أسرها، إلى أن رزقهما الله بولدين، هما «حمادة» و«حاتم»، اللذان أصبحا هما نفساهما أبوين، ويُقيمان فى طوابق مختلفة فى نفس البناية فى التجمع الخامس. وفى آخر زيارة للشقيق كان الطابق الذى يُقيم فيه مليئًا بالأحفاد يجرون ويلهون، ويأكلون ويشربون، ويُطالبون جدهم «أحمد» وجدتهم «أميرة» بمزيد من الحلوى أو النقود لكى يشتروا هم ما يُريدونه من اللعب أو كُتب الأطفال. ورغم اعتراض الأمهات، فإن الجدة «أميرة» لم تستطع أن تؤخر لهم أى طلبات. وكان الشقيق «أحمد»، أبوالولدين، جد الأحفاد الخمسة، ينظر إلى ذلك المهرجان اليومى بابتسامات الرضا والقبول.
رحمة الله على الشقيق، الذى كان أكثر من ذلك رفيقًا وصديقًا لسبعين عامًا، ولن أنسى ضمن مآثره العديدة أنه ضحى بأعماله الخاصة فى المقاولات، أثناء سنوات سجنى الثلاث فى مزرعة طُرة، لكى يُدير مركز ابن خلدون، ذا النشاط البحثى والدعوى، البعيد نسبيًا عن عالم الهندسة والمقاولات، لمعرفته أن المركز كان يعنى الشىء الكثير بالنسبة لشقيقه. وكان الإبقاء على مسيرة المركز ونشاطه أحد مظاهر المُقاومة لاستبداد الرئيس الراحل حُسنى مُبارك، وأحد مصادر الإلهام والدعم المعنوى لشقيقه القابع فى السجون، ف«إنا لله وإنّا إليه راجعون».
وعلى الله قصد السبيل..
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.