وصلتنى هذه الرسالة الطريفة من د. محمد وجيه. تقول الرسالة: «عزيزى الدكتور أيمن، فى ظل هذه الظروف الصعبة، هل تعرف ما الذى يُوحدنا ويجمع بين قلوبنا كمصريين؟ إنها الطعمية يا عزيزى. أذكر أننى قرأت لك مقالاً تتساءل فيه عن مبتكرها المجهول وتطالب بمنحه (جائزة نوبل لسعة الخيال!)، لذلك أرجو أن تمنحنى الجائزة، أولا: لأن جدى الفرعونى (واج ايه رع) هو مبتكرها المجهول، وثانيا: لأننى استطعت إعدادها فى ماليزيا، وذلك شرف لو تعلمون عظيم. نعم يا صديقى. (الطعمية) فرعونية الأصل! أعدها الفراعنة منذ آلاف السنين، وتعنى باللغة الفرعونية (كعكة الفول)، وبالمناسبة، فالبصارة هى اختراع فرعونى كذلك، وتعنى الفول المطبوخ. لقد كان أجدادنا شعباً جميلاً، والدليل على ذلك الطعمية التى أعدوها من الفول، فصارت طعاماً ساحراً قادماً من عالم آخر لا يقارن بعالمنا. يبدو أن هؤلاء القوم كانوا يعشقون الجمال فى كل ما يفعلون ويأكلون. أذكر فى طفولتى أننى كنت أذهب لشراء الطعمية والفول لزوم الإفطار، كان القرش الصاغ يشترى 10 أقراص من الطعمية الساخنة، وكانت رائحة الطعمية تجذبنى من على بعد 50 متراً بلا مبالغة. كان البائع يلف أقراص الطعمية فى (قرطاس) من الورق، فكنت أحرص على قراءة هذا القرطاس بعد تفريغ الطعمية منه، غير مبالٍ ببقع الزيت المنتشرة على صفحته، كما علمنا مدرس اللغة العربية الأستاذ نصر فى مدرسة القناة الإعدادية بنين ببورسعيد! وكنت أنفذ النصيحة حرفياً ولم يفلت منى قرطاس واحد دون أن أقرأ ما فيه! والفول والطعمية أحد التوائم العجيبة فى الطعام المصرى، فعندما تضيف أحدهما إلى الآخر تحصل على إحساس (سماوى) ممتع لا يوصف!.. الفول والطعمية.. العسل الأسود والطحينة.. العسل الأبيض والقشدة... إلخ. نعود للطعمية أميرة القلوب. أذكر أننى أثناء عملى بالسعودية، كنت أشد الرحال إلى مدينة أخرى على بعد 130 كيلومتراً، لمجرد أن نذهب إلى مطعم محدد هناك لتناول سندوتشات الفول والطعمية الشهية! وعندما أتيت إلى ماليزيا لأول مرة عام 2004، فوجئت بالطعام الماليزى المختلف عن طعامنا.. فهم يضيفون السكر على طعامهم؛ مما يجعل طعامهم غير مستساغ بالنسبة لنا.. لم أكن أعرف كيف أعدّ الطعمية وقتذاك، ولا أين يباع الفول المدمس، فقضيت السنة الأولى محروماً منها، وكنت أقول - جادا - إن من يعطينى قرصاً واحداً من الطعمية سأعطيه ألف جنيه!. وحينما عدت إلى مصر فى نهاية السنة ذهبت بمجرد وصولى لمطعم فول، وكانت أشهى طعمية ذقتها فى حياتى! وبعد عودتى لماليزيا تحدثت مع زميلة ماليزية عن الطعمية التى نعشقها فى مصر وكيف نصنعها من الفول (لم يكن سهلاً أن تعرف اسم الفول فى اللغة الماليزية).. المهم أنه وبعد 3 أشهر من حديثنا، فوجئت بأجمل هدية يمكن أن يحصل عليها مصرى فى الغربة.. كيلوجرام من الفول (المقشر)!.. وحكت لى كيف أنها وأمها عثرتا على الفول وقامتا بتقشيره (وهو مازال جافاً)، فلم تكونا تعرفان أننا (ننقع) الفول أولا فى الماء، حتى يسهل فصل قشرته عنه!.. وكم شعرت بالامتنان لهذه الزميلة وأمها وقتذاك، ولا تسلنى عن شعورى عندما نجحت فى إعداد الطعمية فى هذه البلاد البعيدة! ومنذ ذلك الحين اعتدت أن أشترى من مصر بضعة كيلوجرامات من الفول، فأعد أقراص الطعمية وأتفنن فى إعدادها، ثم أدعو الزملاء المصريين لتناول الطعام المصرى الأصيل.. أو أهديهم «عجينة» الطعمية ليقلوها بأنفسهم فى منازلهم! ألم أقل لك يا صديقى إنها الطعمية التى توحد قلوب المصريين». توقيع: محمد وجيه. حفيد واج إيه رع «مخترع الطعمية». [email protected]