ذات يوم ثار الثائرون على ملكهم المستبد .. و لم يأخد في يدهم سبعة عشر يوما حتى أعلن فراره ثم فرح الناس و امتطوا جيد السعادة و الابتهاج فرحا بتخلي هذا الملك المستبد على طاغيته ، كان حلما لم يحلمه أكثرهم تفاؤلا قبل أن يثوروا عليه . ثم اختلف من اختلف و اتفق من اتفق حول آلية و هوية الإمساك ببلدهم .. البعض اتخذ منحى دينيا .. و البعض عسكريا .. و البعض خوف و ارهب ..و البعض هول و كذب .. و البعض جلس في بيته يتفرج .. فالبلد الآن و لأول مرة في تاريخها .. تتقرر قرارها بنفسها .. وضع جديد .. لكنه لا يخرج خارج إطار المسئولية الملقاة على عواتق أولئك الثائرين الشرفاء.. فلقد كان هدفهم عندما ثاروا أن يقرروا مصائرهم بأنفسهم . ركب الموجة من ركب .. و اتهم من اتهم .. و شكك في الذمة من شكك .. و اعتدى من اعتدى .. و عاون من عاون .. و بلطح من بلطج .. و أحرق من أحرق .. و الآن اللحظة الحاسمة .. من الملك الذي يمسك شئون البلاد و العباد بعد الظالم ؟.. و هنا ظهر الشعب لنفسه في لحظة تجلي و وضوح ! من أول يوم سمعت أسماء تريد الحكم .. كانت ارادته من قبل لكن الطاغية لم يكن ليسمح أن يقرن اسم آخر باسمه .. فما بالك و أحد يترشح للملك معه .. لم يجرؤها سوى ابنه الذي دب عرق الظلم فيه مذ كان طفلا .. حتى ترعرع و سرق العباد أيما سرقة . أراد البعض الحكم منذ أول يوم .. و بدأت تنهال على رؤوس الناس .. كل أنواع " البرامج الانتخابية " و " خرائط الطريق " و " قوانبن الحكم " ما علمنا لأولئك موقفا في ثورتي.. و ما علمنا لهم بتدخل في الأزمان الفائتة من الظلم و القمع .. و لكن الطريق انفتح .. فهلم جرا بالبرامج و الخرائط و القوانين و الأسس .. في زحمة كل أولئك سرت أتفقد البشر .. الراغب في السلطة .. و الداعم للراغب في السلطة .. و الثائر الذي فوجئ بأن ثورته تسحب من تحته .. و المنتظر .. و المترقب .. و الطامع .. و العدو .. ظللت أتفقد البشر .. ظللت أبحث عن واحد تمنيته طوال سنين حياتي التي ناهزت السبعة آلاف عام .. واحد أعرفه و يعرفني .. لأنه مني .. أمان يدي .. سر نظافة يده .. لأني لم أعهده قد فكر في أن يأخد مالي .. تاريخه المشرف .. من شرف ثورتي .. لأنه ثار معي .. جلست أتفقد طويلا .. أبحث و أدور بعيني في عيون البشر لأرى هذا الشخص .. فلم أجده .. حينها قررت أن أعود لبيتي .. متفكرا في دوري القادم في غمرة كل أولئك الطامعين .. سائلا الله أن يرزقني التوفيق في اختياري من بينهم ، فلابد أن أشارك .. في طريق عودتي لمنزلي .. مررت بحارة مظلمة .. مشيت فيها لوحدي .. و حسبي أنني الوحيد في تلك الغياهب المظلمة .. حتى سمعت صوتا لحركة شخص .. تسبيح .. حمد .. ذكر الله .. قراءة قرآن .. كل هذا في صوت رجل واحد ! .. جذبني الصوت .. اقتربت لأعرف مصدره .. فوجدته .. نعم لقد وجدته .. إنه أمين اليد شريف التاريخ .. ضره أني عرفته .. فقد كان ينوي الاختباء وسط غمرة كل أولئك الطامعين .. لأن الجو ليس ملائما لظهوره الآن .. و لكن ما أن تيقن من معرفتي له .. و اطمأننت بذلك .. سألته في لهفة .. ما بالك أيها الرجل . إنه وقتك .. إنها ساعتك .. اخرج من غياهب تلك الحارة المظلمة إلى نور الميدان الذي رابطت فيه أيام كنا سويا .. لقد أخذ الميدان طامعون يتشدقون باسمه .. قم معي أرجوك .. بشري و حجري يريدانك ! هز رأسه نفيا .. تساءلت في حنق .. لماذا أيها الشريف العفيف .. بربك خبرني .. لماذا ؟ .. أومأ برأسه .. و قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " لا تسأل الإمارة ؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها .. و إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها " ثم ربت على كتفي و هم بالانصراف أمسكت بيده .. و قلت له و هأنذا أعطها إياك عن غير مسألة أيها الرجل الطاهر .. ! ابتسم في وجهي .. و تشابكت أيدينا معا .. و اتجهنا صوب الميدان .. لنتخلص من زحمة الطامعين .. إلى رحابة النقاء و الطهارة ،