د.صلاح سالم زرنوقة جزء كبير من مستقبل مصر السياسى يتوقف على شكل النظام الانتخابى الذى يجب أن نوفق فى تصميمه. وقد كتب البعض فى المفاضلة بين النظام الفردى ونظام القائمة.. كتبوا أنه لا أفضلية لنظام على الآخر من الناحية النظرية، وهذا صحيح. وكتبوا أن الأفضلية لأى منهما تتوقف على التطبيق، وهذا غير صحيح. لأن علة التطبيق التى يمكن أن تفسد أحدهما كفيلة بأن تفسد الآخر، ولأنه إذا كان التعويل على التطبيق فلن يصلح معنا أى منهما. والحقيقة أن مسألة المفاضلة بين النظم الانتخابية تتوقف على ظروف كل مجتمع وطبيعة المرحلة التى يمر بها، لكن قبل الحديث عن هذا النظام الأنسب هناك ملاحظات. الملاحظة الأولى هى أن الجميع يتحدث عن نظامين انتخابيين فقط، هما النظام الفردى على أساس الأغلبية ونظام القائمة على أساس التمثيل النسبى. ومرد ذلك هو الربط بين الأغلبية والنظام الفردى، وبين التمثيل النسبى والقائمة، فى حين أنه يمكن استخدام القاعدتين معا، قاعدة الأغلبية وقاعدة التمثيل النسبى مع النظام الفردى أو مع القائمة. ومعنى ذلك أن هناك عدة نظم انتخابية، بحسب الجمع بين طرق الترشح وكيفية التصويت (الفردى والقائمة) من ناحية، وقواعد تحديد الفائز (الأغلبية والتمثيل النسبى) من ناحية أخرى. الملاحظة الثانية هى أنه يجب التحذير من الخلط أو الجمع بين النظام الفردى ونظام القائمة، لأنه يخل بمبدأ تكافؤ الفرص ويطيح بقاعدة المساواة، ببساطة، لأن فرصة المرشح فى النظام الفردى تختلف عن فرصة مرشح القائمة، هذا فضلا عما ينطوى عليه من تعقيد يربك الناخب. الملاحظة الثالثة هى أنه يجب إلغاء نسبة الخمسين بالمائة المخصصة للعمال والفلاحين، لأسباب كثيرة ومعروفة وتحدث عنها آخرون. وكذلك يجب إلغاء كوتة المرأة، لأن أى تمييز لأى فئة هو أمر غير دستورى. وإذا كان هناك من يرى ضرورة التمييز (الذى يعتبره البعض تمييزا حميدا) لفئة معينة، فإنه لاتوجد فئة فى الشعب المصرى لم تكن بحاجة إلى هذا التمييز، فأغلب البرلمانات السابقة لم تكن ممثلة لأغلب الشرائح. كذلك يجب إلغاء مجلس الشورى، وأيضا لأسباب أفاض غيرى فى بيانها. فى ضوء هذه الملاحظات يمكن تحديد النظام الانتخابى الأنسب لنا فى هذه المرحلة، والأنسب- هنا- تُستَقطر مما نتوخاه من هذا النظام . أعتقد أننا نبتغى انتخابات نزيهة، وأحد المفاتيح هو القضاء على البلطجة وشراء الأصوات والعصبيات الاجتماعية، والسبيل إلى ذلك هو فك الارتباط المباشر والشخصى بين الناخب والمرشح. وأعتقد أننا نريد القضاء على ظاهرة نواب الخدمات، فتلك ليست من بين مهام عضو البرلمان، وهى فى الواقع جريمة سياسية، إذ بأى معنى يتوقف حصول المواطن على حقوقه من الخدمات على وساطة عضو البرلمان، وإذا لم تكن هذه الخدمات من حق المواطن، فكيف يستلبها عضو البرلمان ليسديها لمن يعطيه صوته، وكيف يستطيع هذا العضو الذى يلهث خلف تأشيرة وزير أن يحاسب الحكومة؟!.. أظن كذلك أننا نريد تقوية الأحزاب وأن يكون التصويت على برامج وليس على أسس اجتماعية جعلت الانتخابات فيما سبق مجرد صراع اجتماعى ردىء.. لقد كانت انتخابات منزوعة السياسة بمثل ماكانت عديمة النزاهة تماما. والمثير للدهشة أن كل هذه المزايا تتحقق بضربة واحدة فى نظام القائمة، بل إنه النظام الذى يضرب الكثير من عصافير مطالبنا بحجر واحد. وأقرر هنا أن هناك من أشار إلى ذلك من قبل، لكن ثمة تحفظات يبديها البعض على نظام القائمة ينبغى مناقشتها. أول هذه التحفظات أنه يحرم الفرد المستقل من حقه فى الترشح، ولدى فى هذا الصدد إجابتان، الأولى هى أن ظاهرة المستقلين كانت نتيجة لتقييد حرية تكوين الأحزاب، وإفرازا لحالة لم يجد الكثيرون فيها تمثيلا لهم فى الأحزاب القائمة. أما وقد تم فك هذه القيود، فمن المفترض أن كل التيارات والقوى سوف تجد موقعها فى الخريطة الحزبية.. فبأى مبرر يكون هناك مستقلون؟! الإجابة الثانية هى حل المشكلة من جذورها عن طريق «القائمة المفتوحة» وأقصد بها، ليس فقط أن تتشارك الأحزاب فى قوائم، وإنما ألا تشترط القائمة عددا من المرشحين مساويا لعدد المقاعد فى الدائرة، فكل قائمة تقدم أى عدد من المرشحين حتى لو كان مرشحا واحدا فى القائمة. فى هذه الحالة لن تعجز الأحزاب الصغيرة عن تقديم مرشحين، ولن يعجز المستقلون عن الاشتراك فى قائمة واحدة، وحتى لو أراد مرشح واحد أن يقدم نفسه وحيدا فى قائمة فلا ضير فى ذلك وباب المنافسة مفتوح. ثانى هذه التحفظات عدم ضمان تمثيل المرأة والأقباط، وتلك مشكلة لا وجود لها فى نظام القائمة أصلا إذا التزمت الأحزاب- وعليها أن تلتزم- بنسب معينة لهؤلاء فى قوائمها. التحفظ الثالث وربما الأهم هو أن نظام القائمة قد يسفر عن فوز عدد كبير من الأحزاب دون أن يحظى أى منها بالأغلبية الأمر الذى يعوق عمل البرلمان . والحقيقة أننى لا أعرف شكل خريطة البرلمان المتوقع ولا حتى شكل البرلمان المأمول، وربما غيرى لا يعرف أيضا، لكن لدينا الحلول فإذا أردنا تقليل عدد الأحزاب التى يمكن أن تفوز فى الانتخابات، فهناك عدة طرق: الطريقة الأولى هى استخدام نظام القائمة على أساس الأغلبية.. الأغلبية المطلقة، وفيها يفوز حزب واحد فى كل دائرة، هو ذلك الحزب الذى تفوز قائمته بنصف الأصوات مضافا إليها صوت واحد. أو الأغلبية النسبية وفيها يفوز حزبان فى كل دائرة تحصل قائمتاهما على أعلى الأصوات. الطريقة الثانية هى تقرير شرط الحصول على نسبة معينة من الأصوات، حتى يجوز للحزب التمثيل- أى الحصول على مقاعد، نتذكر فى هذا الصدد نسبة ال8% التى كانت. قد نختلف حول هذه النسبة وهذا وارد. أما الطريقة الثالثة وهى الأفضل فهى تضييق الدوائر الانتخابية، وعلى سبيل المثال أن ندمج كل دائرتين من دوائر النظام الفردى القديم فى دائرة واحدة (4 مقاعد للدائرة فى النظام الجديد). ويستند هذا الطرح إلى قانون واضح مفاده أنه فى ظل بقاء الأوضاع الأخرى على حالها، كلما كانت الدوائر الانتخابية صغيرة كان أصعب على الأحزاب تحقيق القاسم الانتخابى، وبالتالى يصعب عليها الفوز، فيقل عدد الأحزاب الفائزة والعكس صحيح. والخلاصة أننا نستطيع أن نتحكم فى عدد الأحزاب التى يمكن أن تفوز من خلال تحديد أحجام الدوائر الانتخابية. والدوائر الضيقة لاتخلو من مزايا أخرى، منها تيسير ممارسة الدعاية وتقليل التكلفة.