لعله كان البابا «الأطول عمراً» في سلسلة تاريخ البطاركة للكنيسة القبطية، وهو رجل عميق الجذور في تراب مصر، عاش مخلصاً لها وباراً بشعبها، عبر حياة دامت قرناً من الزمان وثلاث سنوات زيادة، فقد ولد عام 1824 وتوفي عام 1927، معني ذلك أنه عاش نهايات عهد محمد على باشا، ومن بعده عاصر عهود إبراهيم باشا وعباس الأول وسعيد باشا والخديو إسماعيل والخديو توفيق والخديو عباس حلمي الثاني والسلطان حسين كامل والملك فؤاد، وتوفي قبل أن يعيش عصر الملك فاروق إنه «البابا كيرلس الخامس»، الذي اختير ليتولي مسؤولية الكنيسة القبطية المصرية في أول نوفمبر عام 1974 إلى أن توفي «زي النهارده» في 17أغسطس 1927، وكانت الإرساليات الأمريكية قد ركزت نشاطها في أسيوط وأنشأت الكلية الأمريكية سنة 1865 ونشطت الإرساليات لنشر البروتستانتية بين الأقباط ولجذب أبناء الأقباط إلى مدارسها. ودخل البطريرك كيرلس الخامس، أسيوط، كما دخل السيد المسيح إلى أورشليم، راكباً حماراً وتقدم موكبه حاملو سعف النخيل والشموع وضاربو الدفوف والمرنمون، وسافر إلي أبي تيج وأخميم وهو يأمر الأقباط بمقاطعة كنائس الإرساليات ومدارسها، وتعاطف أيضاً مع الثورة العرابية. وفي 29 يوليو عام 1882 وبعد انحياز الخديو توفيق للإنجليز، انعقد اجتماع وطني تصدره الإمام محمد عبده وحضره البابا، الذي تحدث مندداً بمواقف توفيق، وتضامن معه في موقفه ضد الإرساليات عبدالله النديم، فدعا النديم إلى إنشاء الجمعية الخيرية الإسلامية، ودعا البابا إلى إنشاء «الجمعية الخيرية القبطية»، ليعملا معاً على نبذ التطرف والتعصب للدين والعرق والجنس، ورحل تاركاً أسوة وطنية وسيرة عطرة.