اتخذ البنك المركزى، الخميس الماضى، أولى خطواته نحو انتهاج سياسة نقدية توسعية ليخفض أسعار الفائدة بمقدار 1%، لتصبح عند مستوى 17.75% للإيداع و18.75% للإقراض، كما قرر خفض سعر العملية الرئيسية للبنك المركزى إلى 18.25%، وسعر الائتمان والخصم إلى 18.25% خلال اجتماع لجنة السياسة النقدية الأول فى العام الجارى. وتأتى هذة الخطوة عقب 3 ارتفاعات لأسعار الفائدة منذ قرار تحرير سعر الصرف فى 3 نوفمبر 2016، سجلت إجماليها نحو 7%، فى خطوات اتخذها البنك المركزى لكبح جماح التضخم الذى ارتفع فى ظل إجراءات برنامج الإصلاح التى بدأت الحكومة فى تطبيقه واستهلته بتحرير أسعار الصرف. زادت التكهنات والتلميحات المحلية والعالمية حول مصير أسعار الفائدة خلال الفترة الماضية خاصة فى ظل تراجع معدل التضخم الأساسى إلى 14.351%، حيث حذر صندوق النقد الدولى من اتجاه البنك المركزى المصرى لسياسة نقدية توسعية سابقة لآوانها خشية عودة معدلات التضخم للارتفاع مرة أخرى، متوقعاً تراجع معدل التضخم فى مصر إلى 12% بحلول يونيو المقبل مع استمرار تراجعه إلى ما دون 10% فى 2019 وذلك فى ظل توصياته باستمرار تثبيت أسعار الفائدة. فيما كانت توقعات مؤسسة «بلومبرج إيكونوميكس» على الجانب الأخر بأن يبدأ البنك المركزى المصرى بتخفيض سعر الفائدة ب 100 نقطة أساس (1%) فى إطار تغيير سياسته النقدية من انكماشية إلى توسعية وإعلانه لبدء جولة جديدة من تخفيف قيوده المالية، مشيرة إلى أن التدفقات الرأسمالية إلى مصر لن تتأثر بهذا الإجراء، وأيد هذا التوقع كثير من المصرفيين وخبراء الاقتصاد فى بنوك الاستثمار مبررين ذلك بدور خفض أسعار الفائدة فى دفع معدلات النمو وتحفيز الاستثمار فى ظل تراجع معدلات التضخم بشكل ملحوظ بداية من نوفمبر الماضى. وتمكن البنك المركزى من تحقيق مستهدفاته التى أعلن عنها فى مايو 2017 بخفض معدلات التضخم إلى مستوى يتراوح بين 10 و16% فى نهاية العام الجارى، حيث تراجع المعدل السنوى للتضخم العام والأساسى منذ نوفمبر الماضى للشهر السادس على التوالى ليسجلان 17.1% و14.4% على الترتيب فى يناير 2018، بعد أن بلغ ذروته عند 33% و35.3% فى يوليو 2017. وتأثر الاستثمار بشكل كبير خلال الفترة الماضية، فبعيدا عن المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى حصلت على دعم هائل من قبل البنك المركزى بتخصيص تمويلات بتكلفة منخفضة تصل إلى 5% فى ضوء مبادرته لدعم تلك المشروعات، تأثرت قرارات الاقتراض من أجل تمويل الاستثمار الضخم الذى لا يستفيد من مبادرة المركزى. ويمثل قرار البنك المركزى الأخير بتخفيض أسعار الفائدة بنحو 100 نقطة أساس بداية لسلسة من الانخفاضات المتتالية المتوقعة خلال الفترة المقبلة فى إطار تحول السياسة النقدية نحو النهج التوسعى، والذى بدوره يؤدى إلى تحسين مناخ الاستثمار، وتحفيز المستثمرين على اتخاذ قراراتهم الاستثمارية المعلقة بسبب ارتفاع تكلفة التمويل، وذلك سعياً لتحقيق مستهدفات خطة التنمية المستدامة للوصول بمعدل الاستثمار إلى 30% على المدى الطويل، و17.1% فى 2020. وكشفت العديد من البنوك عن إلغاء الأوعية الإدخارية والشهادات ذات العائد المرتفع وطرح شهادات جديدة بفوائد أقل عقب قرار «المركزى» بتخفيض سعر الفائدة، مما يدفع الأفراد لإعادة التفكير فى كون الشهادات البنكية هى البديل الأنسب لمدخراتهم فى ظل تراجع العائد عليها. ويُعد الدين العام الرابح الأبرز من السياسات التى ينتهجها المركزى من تخفيض أسعار الفائدة، فسيؤثر تراجع معدلات الفائدة على تكلفة الديون الحكومية التى سجلت 292.5 مليار جنيه خلال العام المالى الماضى 16/2017، حيث ينتج عن بداية سلسلة الانخفاضات فى سعر الفائدة التى يقوم بها المركزى تراجع تكلفة الديون الحكومية، مما يؤثر بشكل ايجابى على الموازنة العامة للدولة. قال عاكف المغربى نائب رئيس بنك مصر، إن قرار لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزى بتخفيض أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس يمثل بداية لسياسة نقدية توسعية يستهدف «المركزى» من خلالها جذب الاستثمارات للسوق المحلية، لافتاً إلى أن التراجع الذى تم بأسعار الفائدة قد لا يكون كافياً إلا أنه أولى خطوات الطريق نحو تخفيض أسعار الفائدة خلال الفترات المقبلة. وتوقع المغربى استمرار تراجع أسعار الفائدة على الإقراض والإيداع بشكل تدريجى، وذلك بالتزامن مع تأكد البنك المركزى من كبح جماح التضخم، مشيراً إلى أهمية النظرة المستقبلية التى يمتلكها المستثمر عن السوق المحلية والتى يتمثل أغلبها فى توقعات تراجع الفائدة على الأجل القصير، وهو ما يدعم الاستثمارات بالسوق المحلية خلال الفترة المقبلة. وأوضح نائب رئيس بنك مصر أن الفترة المقبلة ستشهد توسع العديد من المشاريع التى كانت تؤجل قرارات توسعاتها لحين تراجع أسعار الفائدة، مشيراً إلى أن تراجع أسعار الفائدة على الأوعية الإدخارية بالبنوك يشجع الاستثمارات الأخرى، والمتمثلة فى سوق الأوراق المالية، والذى يعتبر أعلى مخاطرة نسبياً عن الأوعية الإدخارية البنكية إلا أنه قد يوفر عائد أكبر نسبياً فى بعض الأحيان، بالإضافة إلى الاستثمار العقارى الذى يتسم بكونه طويل الأجل. وأشار إلى أن الفترة الماضية شهدت تحقيق معدلات نمو اقتصادى بالرغم من إرجاء القطاع الخاص لبعض توسعاته فى ظل ارتفاع أسعار الفائدة، إلا أن المشروعات القومية والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة التى استفادت من مبادرة البنك المركزى التى تتيح التمويل بفائدة ميسرة، قادت عمليات النمو خلال الفترة الماضية، مؤكداً أن توسعات القطاع الخاص ستسهم فى زيادة معدلات النمو الاقتصادى المصرى خلال الفترة المقبلة. وقال إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى الأسبق، إن قرار «المركزى» بتخفيض أسعار الفائدة يأتى متوافقاً مع المتغيرات النقدية الحالية من تراجع معدلات التضخم، وارتفاع حجم الودائع بالبنوك، مع وجود طلب حقيقى أيضاً على الائتمان، مشيراً إلى أن خفض أسعار الفائدة بواقع 1% لا يعتبر تغيير كبير حتى الآن. وأوضح أن معدل الفائدة فى السوق المحلى مازال مرتفعاً مقارنة بالأسواق العالمية، فإذا نظرنا إلى السوق الأمريكى نجد أن معدل الفائدة الرئيسى يتراوح بين 1.25% و1.50%، كما يسجل نحو 1.75% على الإيداع فى الإمارات، و2.75% فى الكويت.
