احتلت زيارة رئيس الوزراء اللبناني المستقيل، سعد الحريري، إلى فرنسا، السبت، مكانة بارزة في الصحف والمواقع الغربية، التي اهتمت بتفسير دلالات هذه الزيارة، خاصة أنها جاءت بعد نحو أسبوعين من إقامة «الحريري» المثيرة للجدل في السعودية، التي اعتبرها البعض «إقامة جبرية»، في إطار التصعيد بين السعودية وإيران، وذراعها العسكري في لبنان جماعة «حزب الله». صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، ترى أنه مع تخلي الدبلوماسيون الأوروبيون عن الأزمة، احتلت فرنسا دور الوسيط، معتمدة على علاقاتها القوية مع لبنان، التي يرجع تاريخها إلى أوائل القرن ال20، وإلى أسرة «الحريري»، إذ كان والد رفيق الحريري مقربا من الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك. ووفقا للصحيفة الأمريكية، فإن مكتب «الحريري»، أعلن، السبت، أن زوجته لارا وابنه الأكبر حسام سيحضران غداء على شرف رئيس الوزراء اللبناني في قصر الإليزيه. وكانت زوجة «الحريري» قد رافقته على متن طائرة من السعودية، وقيل إن ابنه قد رحل من بريطانيا. وأشارت الصحيفة إلى أن الطفلين الصغيرين ل«الحريري»، لولوة 16 عاما، وعبدالعزيز 12 عاما، لم يظهرا في اللقطات التليفزيونية لدى وصوله. وكانا قد التحقا بالمدرسة في السعودية وربما بقيا هناك لهذا السبب، لكن الغياب الواضح من المرجح أن يثير التكهنات بأن السعوديين ضغطوا على «الحريري» لتركهما في السعودية ك«ضمان». والتقى «الحريري» في مقر إقامته في فرنسا مع اثنين من أقرب مستشاريه، هما وزير الداخلية، نهاد مشنوق، وأحد كبار مساعديه ونادر حريري. ولم يتمكن العديد من المستشارين المقربين من رئيس الوزراء الاتصال ب«الحريري» خلال إقامته السعودية. «نيويورك تايمز» ترى أنه بغض النظر عن خطواته المقبلة، سيبقى «الحريري» «مِلكًا للسعودية»، إذ تتصل موارده الشخصية والعائلية بشكل وثيق مع الرياض، التي دعمت أيضا شبكة المحسوبية السياسية الواسعة ووسائل الإعلام التابعة لحزبه. لكن الإجبار السعودي لجعله يتخذ نهجا أكثر تصادما ضد إيران و«حزب الله» يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. الصحيفة الأمريكية توقعت أن ينتهي الموقف ب«الحريري» برئاسة حكومة انتقالية قبل الانتخابات المقرر إجراؤها العام المقبل. وقال محللون ودبلوماسيون إن السعودية من المرجح أن تحاول كسب أكثر من مجرد التزام خطابي متجدد من جميع الأطراف بالحياد اللبناني، خاصة أنه يبدو أن المملكة تراجعت إلى حد ما تحت ضغط دولي. شبكة «فويس أوف أمريكا»، وهي الإذاعة الرسمية لحكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية، اعتبرت أن زيارة «الحريري» لباريس بمثابة «انقلاب دبلوماسي» للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، 39 عاما، في إطار محاولته الواسعة لإعادة تأكيد دور فرنسا على الساحة الدولية. وهذا يشمل الشرق الأوسط، حيث قام «ماكرون» بزيارة مفاجئة إلى المملكة العربية السعودية، الأسبوع الماضي، في ذروة أزمة «الحريري»، بعد افتتاح متحف اللوفر الجديد في أبوظبي. واعتبر بعض المراقبين الافتتاح دليلا على «القوة الناعمة» الفرنسية في المنطقة. وذكرت الشبكة أن زيارة «الحريري» بالتأكيد انجازا ل«ماكرون»، وإذا كانت هذه الخطوة تساعد على استقرار الأزمة، فستعتبر مبادرة فرنسية ناجحة جدا. بعض المحللين عبروا عن تشككهم من إمكانية نجاح المبادرة الفرنسية، وقال المحلل في الشرق الأوسط، كريم إميل بيطار، للإذاعة الفرنسية «إن دعوة فرنسا أنقذت وجهي الرياض و»الحريري«. لكنه أضاف»أنه لن تحل الأزمة برجة كبيرة«. الشبكة الأمريكية أوضحت أنه إذا كان «الحريري» قد ذهب بالفعل إلى المنفى، فلن يكون أول مسؤول لبناني يواجه هذا المصير، كما أنها لن تكون المرة الأولى بالنسبة له التي يجبر فيها «الحريري» الابتعاد عن لبنان، إذ قضى 3 سنوات يقيم بين فرنسا والسعودية بعد انهيار حكومة الوحدة الوطنية التي شكلها في عام 2011. كما كانت فرنسا موطنا للرئيس اللبناني، ميشال عون، خلال نفيه الذي دام 15 عاما، وانتهى عام 2005. وبعيدا عن استغلال العلاقات الفرنسية التاريخية والنفوذ القوي في لبنان، فإن «ماكرون» يجني نجاح سياسة فرنسية أكثر توافقا في الشرق الأوسط، وفقا لبعض المحللين. وحتى في الوقت الذي تؤكد فيه إدارته علاقاتها مع الدول السنية القوية مثل السعودية ومصر، اجتمع «ماكرون» مع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، الأسبوع الماضي، والرئيس عبدالفتاح السيسي، الشهر الماضي، كما يقوم الرئيس الفرنسي بزيارة إلى إيران، العام المقبل، حيث تسعى الشركات الفرنسية إلى الاستثمار في طهران، وفقًا للشبكة الأمريكية. تدخُّل فرنسا على خط الأزمة بين لبنان والسعودية ومعضلة «الحريري» موضوع تصدر افتتاحية «لوفيجارو»، التي كتبت أن فرنسا فرضت وساطتها التي ستسمح «للحريري» بالعمل على خارطة طريق لتسوية الأزمة خلال الأيام التي سيُمضيها رئيس الحكومة اللبنانية في باريس قبل التوجه إلى بيروت. الصحيفة الفرنسية قالت إن «ماكرون» بتوجيهه دعوة إلى «الحريري» فقد فتح باب تسوية لولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، مؤكدة أن السعودية أبقت على موقفها الحازم حيال «حزب الله» اللبنانيوإيران، وبالتالي فإن سبب استقالة «الحريري يعود لعوامل عدة سياسية وميدانية، طالبت على إثرها السعودية التي تدعم لبنان، بضرورة التحرك وصد «حزب الله» داخل لبنان. صحيفة «لوموند» الفرنسية، اتفقت مع ما سبق، ونقلت عن الخبير في الشرق الأوسط، هادريان ديسوين، قوله إن «ماكرون» جعل فرنسا تحصد ثمار عقيدتها الدبلوماسية الجديدة في الشرق الأوسط«. وأضاف أن الرئيس الفرنسي يعتمد على تبني موقف أكثر توازنا بين السنة والشيعة، ما يوفر مساحة سلام وهدوء». «لوموند» أوضحت أن سياسة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد تراب، قد تكون أيضا فرصة أخرى ل«ماكرون». وذكرت أنه من الواضح أن هناك فراغا في أي رغبة أمريكية في القيام بدور الوسيط، بل أنها تغذي بعض هذه الأزمات الإقليمية، وهذا يفسح المجال أمام شخص مثل الرئيس ماكرون الذي يحرص على أن يكون رئيسا ناشطا يثقل الوزن الفرنسي على الصعيد العالمي، ويمكننا رؤية ذلك في أزمة لبنان. أما صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، ذكرت أنه المنتظر أن تكون ملفات رواتب الموظفين الفرنسيين السابقين المتأخرة في شركة المقاولات والأشغال العامة «سعودي أوجيه» بانتظار «الحريري» في الإليزيه . وأشارت إلى أن «الحريري»، أكبر المساهمين في الشركة السعودية، مدين للموظفين الفرنسيين بأكثر من 14 مليون يورو . ونقلت الصحيفة عن محامي الموظفين، جان لوك تيسو، قوله، إن رواتب الفرنسيين المتأخرة لدى الشركة، تبلغ 14 مليونا و 725 ألفا و 191 يورو. وأضاف: «نأمل أن تتم تسوية النزاع ليس عن طريق المحاكم، الحريري لن يكون مرحبا به في فرنسا حتى تتم تسوية هذه القضية، إنها فضيحة». وقالت المحامية كارولين واسرمان، المهتمة بالقضية أيضا، إن «بعض الموظفين الفرنسيين لم يتمكنوا من دفع أجرة المحامي أو الإيجار، أو مصاريف مدرسة أطفالهم». وأضافت: «اضطر بعضهم لاقتراض الأموال والدخول في دوامة الديون، كما أجبروا على البقاء في السعودية لأنه من المستحيل مغادرتهم البلاد دون الحصول على أموالهم وتصفية حساباتهم». ولفتت الصحيفة إلى أن «الحريري» تعهد خلال لقائه الأخير مع «ماكرون»، في سبتمبر الماضي، بدفع هذه الرواتب.