قانون العمل.. تعرف على محددات الحصول على إجازة مرضية    وزير المالية: نسعى لخفض الأعباء على المستثمرين والأولوية لتوسيع القاعدة الضريبية    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 9-6-2025 صباحًا للمستهلك    وزير الزراعة يبحث مع محافظ سوهاج سبل تعزيز التنمية ودعم المزارعين    وزير الري يوجه باستمرار متابعة المناسيب بالمصارف الزراعية    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين بالأسواق (موقع رسمي)    إعلام إسرائيلي: سفينة مادلين فى طريقها إلى ميناء أشدود    على غرار بايدن.. ترامب يتعثر أثناء صعوده إلى الطائرة الرئاسية "فيديو"    الدفاع الجوي الروسي يسقط 49 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    مستعمرون يهددون بهدم أكثر من 20 منزلاً في اللبن الشرقية    عائلات أسرى إسرائيل تتظاهر للمطالبة بإعادة ذويهم وإنهاء الحرب: أعيدوهم جميعا واخرجوا من غزة    متحدث حزب شاس الإسرائيلي: سنصوت يوم الأربعاء لصالح حل الكنيست    رونالدو: كنت مستعدا لقطع ساقي من أجل البرتغال    ضبط 38 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    خالد عبدالعال.. قصة سائق ضحى بحياته لإنقاذ المواطنين بالعاشر من رمضان    حديقة حيوان الزقازيق تستقبل 2000 زائر في ثالث أيام عيد الأضحى (صور)    حادث سيارة يسفر عن مصرع سيدة ونجاة زوجها وابنيها فى مدينة 6 أكتوبر    ثالث أيام التشريق.. الحجاج غير المتعجلين يكملون رمي الجمرات    إحباط ترويج مخدرات ب62 مليون جنيه ومصرع عنصريين إجراميين بقنا| صور    شيرين عبدالوهاب تحل محل ماجدة الرومي في حفل ختام مهرجان موازين    بعد عودته من الحج.. أحمد سعد يشعل حفله في الساحل الشمالي (صور)    قبل الافتتاح الرسمى.. غلق مؤقت للمتحف المصرى الكبير.. فيديو    العسيلي يتألق في حفل «العلمين» في حضور جماهيري كبير    "الرعاية الصحية" تكثف تواجدها بالمناطق الساحلية والسياحية خلال العيد    مكافأة للمتميزين وإحالة المتغيبين للتحقيق فى مستشفى المراغة بسوهاج    خامس يوم العيد.. هل الثلاثاء إجازة رسمية؟    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    وداع بطعم الدموع.. الحجاج يطوفون حول الكعبة بقلوب خاشعة    تراجع أسعار الذهب مع آمال التوصل لاتفاق تجاري بين أمريكا والصين    سعر الريال القطرى اليوم الإثنين 9-6-2025    إصابه قائد موتوسيكل ومصرع أخر إثر إصطدامه به في المنوفية    براتب 9400 ..إعلان 135 وظيفة شاغرة في قطاع الصيدلة و تسويق الأدوية    ياسمين صبري: لا ألتفت للمنافسة.. و"ضل حيطة" قصة تمس واقع الكثير من الفتيات    مصرع 15 شخصا في حادث تصادم بماليزيا- صور    لأول مرة.. رحمة أحمد تكشف كواليس مشاهد ابنها ب«80 باكو» (فيديو)    عاهل الأردن يؤكد ضرورة تكثيف الجهود للتوصل لتهدئة شاملة بفلسطين    ليفاندوفسكي: لن ألعب لمنتخب بولندا تحت قيادة المدرب الحالي    6 مواجهات في تصفيات كأس العالم.. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    «الوصول لأبعد نقطة».. ماذا قال خوسيه ريبيرو بعد خسارة الأهلي أمام باتشوكا؟    نقابة الأطباء بعد واقعة طبيب عيادة قوص: نؤكد احترامنا الكامل للمرضى    ضحى بحياته لإنقاذ المدينة.. مدير مصنع "يوتوبيا فارما" يتبرع بنصف مليون جنيه لأسرة سائق العاشر من رمضان    اتحاد العمال: مصر فرضت حضورها في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    منافس الأهلي.. قفازات كوستا تقود البرتغال إلى لقب دوري الأمم الأوروبية (فيديو)    وزارة الأوقاف تقيم أمسية ثقافية بمسجد العلي العظيم    أوربان يتعهد بالاحتفال حال انتخاب لوبان رئيسة لفرنسا    بعد تصديق الرئيس السيسي.. تعرف على عدد مقاعد الفردي والقائمة لمجلسي النواب والشيوخ بالمحافظات بانتخابات 2025    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد» الاثنين 9 يونيو    بدون كيماويات.. طرق فعالة وطبيعية للتخلص من النمل    تريزيجيه يضع بصمته الأولى مع الأهلي ويسجّل هدف التعادل أمام باتشوكا.    باتشوكا يتقدم على الأهلي بهدف كينيدي    لا تسمح للخوف بشل قراراتك.. برج الجدي اليوم 9 يونيو    مكونات بسيطة تخلصك من رائحة الأضاحي داخل منزلك.. متوفرة لدى العطار    وكيل صحة سوهاج: تقديم الخدمة الطبية ل8 آلاف و866 مواطنا مؤخرًا بمستشفيات المحافظة    فضيلة الإمام الأكبر    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدولة تطفئ نيران «الفخرانية» فى «جريس»
نشر في المصري اليوم يوم 15 - 09 - 2016

قد لا يمثل التراب قيمة لدى البعض، وهو يمثل رمزا للوطن فقط عند الشعوب العربية، لكنه يمثل حياة للبعض الآخر، لأنه مصدر دخلهم الوحيد، فهم وحدهم يستطيعون تحويله إلى «تحفة فنية»، لذلك تربوا طيلة حياتهم على البحث عنه، واختفت ملامح وجوههم خلفه، وتلاحمت أياديهم معه، فباتت الأم تضع مولودها على أكوامه ليتنفسه لحظة ميلاده، ويشرب صنعة والده التي ورثها عن جدوده ليتفاخر بها.. إنهم أهالى قرية «جريس» أو كما يطلق عليهم «الفخرانية».
على بعد 38 كيلومترا من شمال القاهرة تقع قرية «جريس» بمركز «أشمون» بمحافظة المنوفية، التي يبلغ عدد سكانها ما يقرب من 30 ألف نسمة تقريبا، تختلف عن باقى القرى المصرية، فبالرغم من تصنيفها كقرية، إلا أن زيارتك لها تخلق انطباعا مختلفا بكل المقاييس، فالمظاهر المميزة للقرية غير موجودة سوى في البيوت، فهناك لا ترى الفلاحين وسط أراضيهم، أو المواشى في حظائرهم، أو تسمع صياح الدواجن أعلى أسطح المنازل، وإنما هناك تفترش منتجات الفخار شوارع القرية الضيقة، مع الحرص على تغطيتها بقطع قماشية، وتراصت أعواد حطب الذرة أمام منازل القرية، وتصاعدت الأدخنة من الأفران المشتعلة، وتحولت منازل القرية إلى مخزن كبير تتراكم فيه منتجات الفخار، في انتظار بيعها إلى التجار الوافدين من مختلف أنحاء الجمهورية، لتقع في حيرة الزمن الذي يعيشه أهالى «جريس» هل هو بدائى يعيدنا إلى القرون الأولى، أم أنهم وحدهم يقدرون قيمة الأرض والطين التي خلق الله منها الإنسان؟
ما إن تطأ قدماك قرية «جريس» يخيل لك من الوهلة الأولى أن أهلها هجروا منازلهم، إلا أن بمرورك في شوارعها الجانبية ترى خلية نحل من الأهالى تعمل بحب وإخلاص لمهنة يرى أهلها أنها أوشكت على «الانقراض»، على حد قولهم، رغم ذلك يتفانون فيها لأنها مهنتهم الوحيدة التي لا يعرفون غيرها.
وسط العشرات من «القلل» جلس الحاج حسن المنوفى، شيخ الفخرانية منهمكا في تصليح «قلة» مشروخة سقطت سهوا من حفيدته (ثلاث سنوات)، فهو طوال خمسة وستين عاما ماضية اشتغل في تصنيع المنتجات الفخارية، إلا أنه قرر الابتعاد عن صناعته بعدما تجاوز السبعين من عمره، لأنه لم يعد قادرا على تحمل الجلوس أمام لهب الفرن المشتعل لتسوية الفخار، «القلل راحت عليها، رغم أنها أصح من تسقيع المية في التلاجة، بس نعمل إيه دى الشغلانه اللى اتربينا عليها وورثناها أبا عن جد، وحياتنا ماشية ببركة ربنا»، بهذه الكلمات عبر الحاج حسن عن وضع المنتجات الفخارية قائلا: «جريس بلد صغيرة، ومعروفة بصناعة الفخار من زمان، أما الفلاحة فهى قليلة جدا في البلد، علشان كده سماها الناس بلد الفخرانية، وزمان الحال كان ماشى، والناس كانت تيجى من المحافظات علشان تشترى القلل وتحطها في الشارع كسبيل، وفى الجوامع علشان تشرب الناس، لكن دلوقتى انتشر الكولدير والكولمان، ومحدش بقى يرضى يشرب من القلة رغم أنها أصح من أي حاجة تانية».
بيع الفخار ليست مهمة الحاج حسن فقط، وإنما يقوم بتصليح شروخ الفخار المعيب من خلال وضع الجبس أعلى الشرخ، وإعادة تلوينه باللون البنى، ليبيعه إلى المستهلك بحالة جيدة، ليتحصل في نهاية يومه على 25 قرشا مكسبا في «القلة الواحدة»، فهو يشتريها من المصنع بجنيه واحد، ويبيعها إلى المستهلك بجنيه وربع، ولا يحقق في اليوم الواحد بيع 10 قلل، ينفق بها على أسرته الكبيرة التي تتكون من 13 فردا، رغم ذلك يرى أنه أفضل حالا طالما أنه حلال ولم يطلب المساعدة من أحد قائلا: «قليل من الحلال خير من كثير حرام».
«الفخار» صنعة يبدأ تعلمها مع نعومة الأظافر، لذلك يحرص أهالى «جريس» على تعليم أبنائهم ذكورا وإناثا الصنعة في أعمار صغيرة تبدأ من ثلاث سنوات، تبدأ بتشكيل غطاء الزير وحتى إتقان صناعة الزير في سن التاسعة، وتختلف صناعة الفخار عن غيرها من الصناعات الأخرى، فهى تستلزم العمل الجماعى، لذلك تشتغل الأسرة بأكملها بدءا بالجد والأب والزوجة مرورا بالحفيد.
«العامود» و«الكوشة» لا يخلو بيت منهما في قرية «جريس»، فهما مقومات صناعة الفخار، الأول أداة تشكيل الفخار، وهو عبارة عن طبلية خشبية موصل بها عمود، يربطهما «رمان بلى»، وتنتهى برأس حديدى، يوضع فيه الطينة التي يتشكل منها الفخار، لا يتعدى ثمنه 150 جنيها، أما «الكوشة» عبارة عن الفرن الذي تشتعل فيه النار لحرق الفخار.
إصابتها في ساقها لم تمنعها من استكمال عملها مع زوجها وأبنائها، فهى ترى أنها لو توقفت عن العمل لن يستطيع زوجها إتمام عمله للإنفاق على أبنائهم، الحاجة أم عمرو 53 سنة، تبدأ أولى مراحل صناعة الفخار من خلال حمل أجولة التراب، ثم فصل التراب عن الحصى عن طريق غربال كبير، ووضعه بعدها داخل حوض مياه لمدة دقائق حتى يصبح قطعة من العجين، وتسلمه إلى زوجها حنفى السعدى 55 سنة، الذي يجلس على «العامود» ويبدأ في تشكيل «القلة» التي تمر بثلاث مراحل، على حد قوله، قائلا: «القلة تمر ب3 مراحل، تشكيل الجزء الأسفل للقلة يجب وضعه في الشمس حتى يجف، ثم يركب مرة أخرى في الدولاب لتشكيل الجسم وتركيب القاعدة بالجسم، ونضعها في الظل ساعة علشان يتلاحم الجسم بالقاعدة، ولا يتم وضعها مرة واحدة في النار، ولكن على يومين، لأنه لو وضعت في النار مرة واحدة هتنفجر، ونتركها 6 ساعات كاملة».
«نكسب كام جنيه بعرقنا، أحسن ما نمد إيدينا ونسرق».. بهذه الكلمات عبر عمرو حنفى السعدى، 25 سنة، عن تراجع صناعة الفخار، قائلا: «يومنا يبدأ من الفجر، ولازم الأسرة كلها تبدأ الشغل مع بعض، لأن صناعة الفخار تحتاج إلى عمالة كثيرة علشان تعطيك إنتاج، وأنا دورى تسوية الفخار في الفرن، ويتم حرقه بطريقة تهوية».
محمد حفيد السعدى، خمس سنوات، لا يشاهد الكارتون، أو يلهو في الشارع مثل أقرانه، وإنما يعرف دوره في هذه الحياة، وهو نقل الأوانى الفخارية الجاهزة، ووضعها في مكان جيد للتهوية، لا تصل إليه الشمس حتى تجف، ورغم سنوات سنه الصغيرة فهو يحرص على نقل الفخار بحرص لأنه «أكل عيش أبوه»- على حد قوله- الذي لا يعرف غيره، ويقول بصوت يملؤه البراءة: «بصحا بدرى علشان أنقل الفخار من الورشة إلى الشارع، ومفيش حاجة بتنكسر منى لأنى بمشى على مهلى زى ما علمتنى أمى، ويوم الجمعة إجازة الورشة، بس بخرج مع ستى علشان نعبى التراب في الجوال، ونفسى أسافر مصر علشان أروح جنينة الحيوانات وأتفرج على الأسد، ويبقى عندى فلوس كتير لما أكبر علشان أجيب لأمى اللى نفسها فيه».
جميع الورش داخل قرية «جريس» تشبه بعضها، فهى مبنية من الطوب اللبن وأسقفها من أعواد الحطب، تحيطها أفران حرق الفخار المشتعلة، ولم يعتن أحد هناك إلى اتخاذ إجراءات الأمن والسلامة، الأمر الذي عرض عددا من الورش للحريق أكثر من مرة، ودفع وزارة البيئة إلى مطاردة «الفخارانيين»، ومنع تصنيع الفخار بدءا من شهر سبتمبر حتى منتصف نوفمبر بسبب السحابة السوداء، وتحرير محاضر للمخالفين وفرض غرامات مالية تصل قيمة الواحدة إلى 3 آلاف جنيه، وهو ما وصفه الأهالى ب«وقف الحال» ومحاربتهم في أكل عيشهم على حد وصفهم، وتقول زوجة سعيد عبدالعزيز: «فى أهالى هجرت بيوتها علشان مش لاقيين ياكلوا لأن الفخار راحت عليه، وكلنا بنعانى من الحساسية على الصدر خصوصا الرضع والأطفال اللى شغالين معانا، ومش لاقيين تمن العلاج، وفى الآخر بتحاربنا وزارة البيئة في أكل عيشنا، وتمنعنا من إنتاج الفخار 3 شهور كاملة، طيب هناكل منين؟ يبقى مفيش حل غير إننا نسرق علشان نأكل ولادنا أو نشحت عشانهم».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.