تضاربت الأخبار والروايات عما حدث فجر السبت من اشتباكات فى ميدان التحرير وذلك بعد مظاهرات «جمعة المحاكمة والتطهير». فالأزمة الآن تبدو ك«أزمة ثقة» بين الثوار والمجلس العسكرى. ربما هذا أدق من وصفها ب«أزمة ثقة» بين الشعب والجيش. فمع تعدد القصص والتحليلات، لا يبدو أن المصريين جميعا قد حسموا موقفهم تجاه المعتصمين أو المجلس العسكرى. ولكن من التصريحات والتعليقات، يبدو أن الكثيرين يؤكدون أن العلاقة بين الجيش والشعب يجب أن تظل «خطا أحمر» يجب عدم المساس به أو المساومة عليه. غير أن ما تبدو عليه الأمور، على الأقل من بعد، هو أن فجر السبت الماضى كان أشبه ب«الاحتمالات الصعبة» التى كانت تنبئ بإمكانية اصطدام الجيش بالمتظاهرين فجر السبت 29 يناير ذاته، عندما زحف الجيش إلى الشوارع المصرية لأول مرة بعد انسحاب الشرطة. فمشهد الجيش فى شوارع القاهرة يوم 29 يناير بدا فى البداية غامضا، مقلقا، بل حتى مفزعا. ربما الفزع يرجع لأحد التأويلات فى حينها بأن نشرالجيش كان أحد استخدامات «الدولة» للجيش بصفته إحدى أذرعتها، تماما كالشرطة والإعلام. وبالتالى بدا الجيش وكأنه «يُستخدم إجرائيا»، وبشكل قد يكون بديهيا، كإحدى أدوات الدولة فى محاولة أخيرة للرئيس السابق من أجل البقاء فى الحكم. ولكن هذا «السيناريو القبيح»، الذى يتعرض فيه الجيش للمتظاهرين بإطلاق النار، قد اسُتبعد حين تيّقن الجميع من وقوف المؤسسة العسكرية على مسافة من الأحداث وقرارها الاستراتيجى الصائب فى حينها بأن يقف الجيش بجانب الشعب المصرى وحماية ثورته الشعبية. ولذلك وبعد دراسة متأنية للوضع، وحساب دقيق لكثرة عدد المتظاهرين، وإدراك تام لرغبة وإرادة المصريين فى تغيير الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وقف «الجيش والشعب إيد واحدة». ولكن أن يحدث صدام الآن بين الجيش والمعتصمين، الذين قد ظلوا فى الميدان رغم حظر التجوال، فهذا قد يفشى عن خلل عميق فى الحوار بين المجلس العسكرى والثوار. فمثلا «الحوار الوطنى» الرسمى الذى أُطلق الأسبوع الماضى قد أثبت فشله الذريع. فرغم تفاؤلى به فى مقالى السابق نظرا «لمبدئه» المبنى على تعميق فكرة الحوار المجتمعى حول قضايا الوطن أثناء المرحلة الانتقالية التى يدير فيها المجلس العسكرى شؤون البلاد، وكى لا ينفرد هذا المجلس بالقرارات المصيرية، فإن «الحوار الوطنى» فشل لأنه أثبت أنه لم يكن «حقيقيا» على الإطلاق. كيف تُستعاد الثقة بين المجلس العسكرى والشعب إذن؟ ربما الحل يكمن فى الآتى: أولا: تأكيد المجلس العسكرى دوره «كحامٍ» للثورة والذى يبدو مستمراً فى المناداة بمطالبها الأساسية من مساءلة قضائية لاسترداد الأموال فى حالة ثبوت التهم ضد من استحوذ عليها من المال العام، وكذلك محاكمة عادلة للمتهمين بممارسة «إرهاب الدولة» منذ بداية المظاهرات. ثانياً: إعطاء صلاحيات حقيقية للحكومة الحالية حتى تتحول فعلا لحكومة «إنقاذ وطنى» تستطيع أن تباشر أعمالها وتتخذ قراراتها فى المرحلة الانتقالية، محدثة بذلك تغييرا ملموسا فى حياة المواطنين، خاصة فيما يتعلق بقضيتى الأمن والأجور. ثالثا: التفكير الجدى فى إمكانية الانتقال الحالى إلى «مجلس رئاسى» بعضوية 3 أو 4 مدنيين وواحد من العسكريين وذلك قبل الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة. فقد تكون هذه الصيغة هى الأصلح من أجل حوار «عسكرى - مدنى» حقيقى. وذلك تمهيدا لمستقبل مصرى جديد تكون فيه المؤسسة العسكرية قوية، رائدة، ومستقلة ولكنها بعيدة عن دائرة الحكم. * زميل مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة واشنطن، سياتل، الولاياتالمتحدةالأمريكية [email protected]