تعودت ُ ألا أتفاجأ من وقوع أي حوادث بلطجة أو تخريب أو حملات تشويه للثورة بعد سقوط مبارك، فليس خافياً أن المستفيد الوحيد من إفساد فرحة المصريين هم الذين كانوا يرتعون في مصر طولاً وعرضاً دون حسيب أو رقيب. إحساس / أحمد الأقطش انهمرت علينا زخات من الألفاظ والمصطلحات التي لم يكن أغلبنا على دراية بها قبل قيام الثورة، لدرجة اعتاد معها عموم الناس الآن على كلمات مثل: فلول النظام، والثورة المضادة، وأذناب الحزب الوطني، إلخ إلخ. وطبعاً قوبلت هذه الكلمات في أول الأمر برفض شديد من حكومة أحمد شفيق صاحب المطارات والإنجازات الرهيبة، فبالتأكيد لن تعترف حكومة الحزب الوطني بضلوع الحزب الوطني في القضاء على الشباب الوطني!! ولكن مع إصرار الثوار على مطالبهم واستقالة الصديق الشخصي للرئيس المخلوع، أدركنا حجم المؤامرة الفعلية التي أقر بها عصام شرف منذ توليه رئاسة الوزراء وقطع الشك باليقين في وجودها فعلياً وتعهد بمواجهتها بكل حسم. ما فعله الحزب الوطني في مصر طوال العقود الماضية معروف وملموس ومحسوس، وكانت الحالة المزرية التي وصلت لها مصر هي النتيجة الطبيعية المنطقية للسوس الذي كان ينخر في جسد الوطن بكل شراسة. هذا قبل الثورة ... فهل تطور أداء الحزب بعد اندلاعها؟ تطور على المستوى التكتيكي والميداني أثناء الثورة من حشد للبلطجية والميليشيات الإجرامية، إلى معركة الجمل بكل تفاصيلها، مروراً بأعمال التخريب والحرق التي انتشرت بشكل منظم بالتعاون مع عناصر من الأمن. هذا الكلام ليس كلاماً إنشائياً، بل هذا هو ما أسفرت عنه تحقيقات اللجان المختصة التي ثبت لديها بالدليل القاطع تورط رجال الحزب الوطني في هذه الأعمال. أما التطور الأخطر فهو في مرحلة ما بعد مبارك، حيث تحولت المواجهات إلى صراع على البقاء خشية المحاسبة والوقوع تحت طائلة العدالة واللحاق بكباش الفداء التي لم يتوانَ النظام في التضحية بهم مبكراً حفاظاً على نفسه! هكذا انطلقت التحركات على جميع الأصعدة لشحن الناس ضد الثورة ورجالها: على الفيس بوك، وفي الصحف القومية، وعلى الفضائيات بما فيها الخاصة للأسف، وفوقها جميعاً تنفيذ عمليات تخريبية لقصم ظهر الوطن الوليد. فلم نكد نلتقط أنفاسنا إلا وتطالعنا الأخبار بوقوع الاعتداء على كنيسة صول! وذلك بعد أيام عديدة قضتها مصر الثائرة بلا شرطة ولا حراسة على أبواب الكنائس ومع ذلك لم يقع اعتداء واحد على أي كنيسة في مصر! ولأن وقود الثورة كان من الشباب وبالأخص طلبة الجامعات، فقد اتجهت أنظار "الفلول" إلى الحرم الجامعي بعد أن تحولت كثير من الساحات الجامعية إلى اعتصامات طلابية ضد رؤساء الجامعات وعمداء الكليات الذين أتى بهم الحزب الوطني(!) وحدث ما حدث في كلية الإعلام وسقط الطلاب فريسة على أيدي البلطجية في سيناريو حامض لا يخرج إلا من عقول أكلها الصدأ. أما ما حدث في مباراة الزمالك والأفريقي فحدث ولا حرج! لا أمن ولا شرطة ولا تفتيش! بيئة خصبة لينشط فيها خفافيش الظلام وسط الحشود العفوية التي اندفعت بتلقائية إلى الأرضية بقيادة الراجل أبو جلابية:) حدث تخريب وتكسير واعتداء على لاعبي المنتخب التونسي! نعم .. إنها تونس مفجرة الثورات العربية، التي ألهبت مشاعر المصريين وتسببت في خلع مبارك وضياع أحلام الفاسدين! إنها تونس التي يكن لها هؤلاء كل الكره والغل والرغبة في الانتقام. أما المليونيات التي تنعقد في التحرير في أيام الجمعة، فليست بمعزل عن نشاطات خلايا الحزب الوطني: فتجد هتافات ضد الجيش بل وضد المشير طنطاوي، وتجد مناوشات مع رجال الشرطة العسكرية، وتجد محاولات لتخريب الممتلكات. وبسرعة البرق وبذكاء الحس الوطني، يكتشف الشباب هؤلاء المخربين ويحجمونهم ويلفظونهم من بينهم. وسط كل هذه المحاولات الشرسة من "الفلول" لتخريب مصر الوليدة وإفساد الثورة، يخرج علينا بضعة مئات من أبناء وأقارب وأصدقاء ومعارف وعمال ومنتفعي رجال الحزب الوطني ليتأسفوا للريس ويبكوا على فراقه! فإذا كان هؤلاء ليسوا من ضحايا مرض استوكهولم الذين نتمنى لهم الشفاء العاجل من كل قلوبنا، فهم بالتأكيد من الذين لا يستطيعون العيش في جو نقي طاهر خالٍ من الفساد والسلب والنهب بعد عقود من تجريف الحياة المصرية وإعاقة طريق الإصلاح. ما تحتاجه مصر اليوم لكي تنطلق إلى رحابة المستقبل هو التخلص من الحطام والركام الناتج عن انهيار مبنى النظام، والذي أصبح وجوده عائقاً أمام السير في الطريق الصحيح. ومن هنا أقول لكل مصري مسئول وصاحب سلطة ومحب لهذا البلد: إماطة الحزب الوطني من الطريق .. صدقة!