بطرس غالي يكشف أخطر حكايات عن «مبارك والجنزوري وسوق الأوهام»

«كنت أكتب كشاهد أساسي على الحدث‏،‏ وأيام كنت أكتب كحالم لا يكف عن الاسترسال للأحلام‏،‏ تلك هي خاصية دفتر المذكرات اليومية‏، وطيلة مسيرتى السياسية والدبلوماسية‏،‏ ألزمت نفسى بواجب التحفظ‏، وأعتقد أنى فى كتابى هذا لم أشذ عن هذه القاعدة الذهبية‏،‏ لأن معظم الشخصيات التى آتى على ذكرها‏،‏ التقيتها فى إطار مهماتى الرسمية».
جاء هذا في مفتتح كتاب الدكتور بطرس غالي، أمين عام الأمم المتحدة الأسبق، «في انتظار بدر البدور» الذي يفسر عنوانه ما قاله في موضع آخر:«أثناء مروري في نيودلهي‏،‏ منذ سنوات خلت‏،‏ أتى من يقترح على استشارة عراف واسع الشهرة،‏ وقيل لي‏، لمزيد من الإقناع‏:‏ إنه على استعداد للمجيء إلى الفندق ولقائك سرا‏،‏ وتم تحديد الموعد فى 9‏ سبتمبر‏1994، كنت أتوقع أن أجد أمامى رجلا مسنا‏،‏ ذا لحية بيضاء‏،‏ ووجه نقشته السنون‏،‏ وهى الصورة التى نرسمها عن الحكماء‏،‏ وكانت دهشتى حين رأيتني ذاك النهار أمام شاب يافع‏،‏ يوحى بالاحترام‏،‏ ويكاد يبدو خجولا‏،‏ لولا تلك العينين المتقدتين اللتين تضفيان على وجهه سلطة مقرونة بسحر غامض‏،‏ سألنى عن تاريخ مولدى ومكانه وساعته‏،‏ لكى يحدد برجى القمرى،‏ دون أن أترك له المجال لكى يسترسل فى توقعاته‏،‏ وجهت إليه السؤال الذي كان أكثر ما يشغلني ذاك الحين‏:‏ إن فى نيتى السعى لولاية ثانية ل5 سنوات فى الأمم المتحدة‏،‏ وما هى حظوظ إعادة انتخابى؟، أصابتنى الخيبة من إجابته الفورية‏،‏ إذ قال‏:‏ لا أظن أنك ستنجح فى تحقيق هذا المشروع‏، لكن أعتقد فى المقابل‏،‏ أن نجمك سوف يسطع أكثر بعد أن تنتهى من مهامك‏،‏ سيحدث ذلك بعد انقضاء قمرك الألف‏،‏ وبإمكانى أن أؤكد لك أن نجمك سيشع بنور لا مثيل له‏،‏ لا أرى شيئا أخر فى الوقت الحاضر سوى النور الباهر لهذا النجم». «تساءلت أحيانا كثيرة‏،‏ منذ هذا اللقاء الغريب‏،‏ عن رمزية هذا النور الذى سيضيء أيامي المشارفة على المغيب‏،‏ وأنا أنتظر‏،‏ كمن ينتظر الوحي‏،‏ أن يطلع بدر البدور».
هذا هو كتاب «في انتظار بدر البدور»، للدكتور بطرس غالي، الصادر عن دار الشروق، وفيه يروي جانباً من ذكرياته ويومياته في الفترة من 1997إلى 2000 إثر خروجه من الأمم المتحدة مباشرة. في الكتاب قدم «غالي»، قراءة نقدية بلغت حدود الانتقاد لشخصيات سياسية مصرية وأجنبية، فيقول عن الرئيس الأسبق حسني مبارك، إنه تشفى في جروحه، موضحًا:«كان مبارك يبدو في غاية الارتياح، ولمحت فى نظرته بعض التشفي، وهو يقول لقد نصحتك بألا تتحدى الأميركيين، لو كنت أكثر لطفاً مع مادلين أولبرايت لأعيد انتخابك». وعن وجهة نظره في كمال الجنزوري، رئيس الوزراء المصري الأسبق، قال إنه «معقد وعابس، وكان يكن العداء لابن شقيقي يوسف، أما السفير الأميركى الذى التقاه فى حفله فهو بارد كالرخام، ويقول إن الرئيس الراحل أنور السادات كانوا يصفونه في الحفلات المخملية بالحمار الأسود».
ولم يخل الكتاب من إطلاق الأحكام على الناس والدول في تراوح بين ما هو موضوعي وشخصي، عدا جاك شيراك الذي وصفه بقوله:«كان طوق الخلاص الوحيد، ولو كان ذلك مخالفاً لرأى معاونيه، وكان تعبيراً عن صداقة نادرة جداً فى الأوساط السياسية».
وعن الأمم المتحدة قال:«لقد تحولت الأمم المتحدة إلى سوق للأوهام»، وعبر عن إيمانه بعظمة الصين، بقوله:«هذا البلد رغم مصاعبه الاقتصادية، إلا أنه مؤهل ليكون إمبراطورية الغد»، بينما وصف يوسف شاهين ب «التلميذ الطائش» الذى ينتقد الحكومة المصرية، واثنى على فيلمه «المصير». وعن زيارة السادات للقدس قال:«زيارة الرئيس السادات إلى القدس، الحدث الأهم فى حياتى السياسية والدبلوماسية، اليوم سأخشع وأصلى من أجل السادات الذى اغتاله أحد المتعصبين، كما اغتيل جدى عام 1910، السادات مثل سيدنا موسى، لم يشاهد الأرض الموعودة، لقد توفى قبل استرجاع سيناء، هذه الأرض المقدسة التى دفع مصريون كثيرون حياتهم ثمنا للدفاع عنها». وعن وطأة الفقر فى مصر يقول:«يخنقنى الفقر فى بلادى، إن الفقر أشد قسوة فى المدن الكبرى ربما لأنه يظهر فيها بشدة أكثر، ووضوح أكبر، ووقاحة أشد».