بقلم: عبير علي هناك هوة كبيرة جداً بين الرغبة في التقدم الذي نسعى اليه، وبين تحديد الطرق اللازمة لتحقيق هذا التقدم، فلا تتقدم أمة لثرائها، ولا تتأخر لفقرها، ولكنها تحتل درجة من الوجود، هي التي يؤهلها لها تفوقها العلمي وانجازاتها فيه. فالعلم هو التقدم وهو السيادة وهو القوة في مواجهة تحديات الحياة في ظل هذا العصر الجديد، عصر الاعتماد على الذات في النشاط العلمي في زمان تتقرر فيه منزلة الإنسان بحسب تفوقه العلمي وانجازه فيه، عصر يشهد الكثير من المتغيرات السريعة بل المتسارعة في مختلف مجالات الحياة، حيث أصبح فيه التغيير هو الأساس، بينما الثبات حالة تخلف. واذا كان العالم بأسره يحتاج للعلم والتكنولوجيا والتفجر المعرفي، فإن الوطن العربي أشد حاجة لها، شأنه شأن كل بلدان العالم الثالث حيث فرضت عليه الثورة العلمية والتكنولوجية، إذا ما المصير؟ فكلما اتسعت الهوة بين العالم المتقدم والعالم الثالث كلما أصبحنا فريسة سهلة للطامعين. وانطلاقا من ذلك، أصبح الاهتمام بالعلم والتعليم وتطويره هدفا قوميا واحتياجا حقيقيا لنمو المجتمع وقدرات أفراده وحسن استخدام موارده وحمايتها، وهو المدخل الرئيسي لدفع حركة مجتمعنا العربي نحو التقدم وتحقيق أهدافه العصرية. يقول فيلسوف صيني قديم: إذا كانت مشاريعكم سنوية فابذروا الحبوب، وإذا كانت مشاريعكم عقدية (كل عشر سنوات) فاغرسوا الأشجار، أما إذا كانت مشاريعكم أبدية فما عليكم إلا أن تعدوا وأن تبنوا الإنسان. ولتكوين هذا الإنسان بسمات وخصائص تدعم فاعليته وقدرته في أداء الدور المرتقب، فلا بد من الإهتمام بالإنسان قبل الاهتمام بالأشياء والمؤسسات، ونوقن أن البناء يتم على أساس متين وهذا يتطلب تطويرعمليات التربية والتعليم. فقد أدركت الصين على سبيل المثال أن حتمية التغير من خلال رؤية تقدمية علمية. وفي تجربة سنغافورة عندما جعلت الإهتمام بالتعليم من أهم وسائل التنمية فقد اصبح متوسط دخل الفرد السنوي أكثر من 30 الف دولار....ولكن أين نحن من كل هذا؟ العالم الثالث بعامة، والعالم العربي بخاصة؟ ما هو مستقبلنا؟ للأسف، نجد التعليم في العالم العربي متدنيا بدرجة كبيرة، ولا يخرج المبدعين والمبتكرين، فنحن نعاني من مناهج تعليمية ينقصها التفكير والإبداع. فالتعليم في عالمنا العربي بحاجة إلى مراجعات شاملة والكثيرمن الإصلاحات الجذرية..حتى يستطيع أن يواكب المتغيرات العالمية وهذا الإزدياد في حدة المنافسة، فقد تعرض التعليم الى سلبيات فادحة شملت المدرسة والمدرس والتلميذ، وخرجت أجيال دون المستوى في العلم والثقافة والتربية، كما ان السياسة التعليمية لا تدعمها رؤية مستقبلية لمطالب المجتمع العربي، فضلا عن ان النظم التربوية نظم ضعيفة الصلة بالواقع العربي وحاجاته التنموية ولا تعبر عن طموحات الانسان العربي ونزوعه الى التحرر من اثار التخلف، ولا تخلق له انسانا ايجابيا ومشاركا في صوغ مجتمعه. وهناك امر خطير وهو أن متوسط عدد الحاصلين على شهادات جامعية في قوة العمل نسبتهم لا تزيد على 6' من مجموع العاملين في الوطن العربي، هذا مع العلم أن متوسط عدد الحاصلين على شهادات جامعية في إسرائيل 20' وفي دول النمور 15' و13'، كما ان نسبة الانفاق على البحث العلمي لا تتعدى 0.5' من جملة الدخل القومي العام. فيجب أن نعي المآساة بكل أبعادها، وأن نركز على الأهداف في صميمها، ونعرف للعقل قيمته، وللعلم أثره، وللثقافة والتربية ثمراتها.. وكيف نقوم بتخريج المواطن الصالح لتحديات الحياة العصرية. إن التعليم والثقافة حق من حقوق المواطن، فقيمة الفرد تتمثل فيما يتمتع به من حقوق الإنسان وهذا مقياس لا يخطئ في الحكم على حضارة. فالحق في التعليم هو'حق في التمكين' وهذا الحق يوفر للفرد مزيدا من التحكم في حياته ولا سيما التحكم في تأثير أفعال الدولة على الفرد. فممارسة حق 'تمكيني' يؤهل الشخص للتمتع بمزايا الحقوق الأخرى، كالحقوق المدنية والسياسية وحرية التعبير وحرية التصويت والترشيح والكثير من الحقوق الأخرى، كل هذا يتوقف على اقل تقدير على الحد الادنى من التعليم. فقيمة الأمة الحقيقية تقاس بإنجازاتها في مجالات العلم والفكر والثقافة والاقتصاد. فاذا نظرنا الى كل الدول المتقدمة الآن، نجد أن أساس تقدمها كان من بوابة التعليم. كما نجد أن الدول الصناعية المتقدمة تضع التعليم في اولوية برامجها وسياستها التنموية. فقوة الدولة في مختلف المجالات من اقتصادية وعسكرية وسياسية إنما تركز بالأساس على التعليم. ففي ظل هذا المزيج من التقدم التكنولوجي والثورة المعلوماتية التي تجتاح العالم اليوم والمتمثلة في التقنيات فائقة الصغر، والهندسة الوراثية، والكيمياء الحسابية... ومع تحدي المنافسة العالمية، فان عناصر المنافسة والجودة هي التي تتحكم في قوانين السوق خلال المرحلة القادمة، بحيث تصبح الدولة التي تملك خبرة نسبية في الانتاج والجودة هي التي تستطيع ان تحمي السوق وتحصل على مقومات القوة في العلم. ومن هنا تتزايد أهمية الإهتمام بالتعليم باعتباره أحد محددات انتاجية الدولة لأنه يحدد إنتاجية الفرد فيها عن طريق الخبرات والقدرات والمهارات التي يتمتع بها الفرد. وبالتاكيد هذا يتطلب كوادر تتصف بقدرات عالية وقادرة على اتخاذ القرار الحاسم. وحتى لا نظل كعالم عربي، متخلفين عن ركب التقدم ، فانه يتعين اتخاذ خطوات جادة باتجاه تطوير تعليمنا، واعادة بناء الذات العربية بالشكل الذي يجعلها قادرة على مجابهة تحديات العصر والاستجابة لمتطلباته. فالأمي لا يبدع، خصوصا في عصر كله علم وتقنية. واذا كان الأمي في عصرنا الحاضر هو من يعرف لغة واحدة .....! ويجب أن نذكر دائما أن البناء المتين يقوم على أساس متين، وعلينا أن نمحو الأمية من 80' من الشعوب العربية فضلا عن أمية المتعلمين.... وأن نتوقف على أسلوب التلقي والإقتباس والذي ربما كان مشروعا في البداية من أجل لحظة الإستيقاظ من سبات طويل..نعم، لا بد من الاطلاع على علوم الغرب ولكن يجب أن نحاول توظيف تلك المعرفة التكنولوجية حسب اهتماماتنا، وأولوياتنا، بحيث يساعدنا هذا التوظيف الجيد والأولويات على أن ننتج علماً وتكنولوجيا. هذا بالإضافة إلى أننا بحاجة ملحة إلى أن تأخذ المهارات والممارسات والجوانب الثقافية والبدنية والإبداعية والروحية مكانها إلى جانب حفظ المعلومات، فالقدرات الفنية واليدوية مطلوب تنميتها لأن الإنسان يتعلم بيده وحواسه كما يتعلم بعقله. فقد حان الوقت لنصنع نهضتنا بأنفسنا، وأن نعيد بناء الحاضر ونبني أرضا لأقدام المستقبل، وأن نسعى لتخطي حالة الركود التي نعيشها، وأن نحاول البحث عن حلول لمشاكلنا دون أن ناخذ حلول الآخرين لهذه المشاكل، وأن نحيط نحن بالعالم لا أن يحيط بنا العالم، فأفضل طريقة للتنبؤ بالمستقبل هي أن نصنعه، والتعليم وبناء إنسان مؤمن بذاته وثقافته وبرسالته على الأرض هو الدعامة لتغيير الوضع العربي المتردي ودفعه نحو التقدم وتحقيق أهدافه العصرية، فالعلم يرفع بيوتاً لا عماد لها'' ' والجهل يهدم بيت العز والكرم. ويبقى السؤال: إذا أردنا النهضة هل سوف نمر بكل التجارب التي مرت بها الدول المتقدمة، أم نبدأ من حيث انتهت البشرية؟ ' باحثة مصرية http://www.facebook.com/login/setashome.php?ref=genlogin#!/profile.php?id=100000228392281