"قومي حقوق الإنسان": غرفة عمليات إعلامية لمتابعة انتخابات الشيوخ 2025    المصريون في الرياض يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    الاستعلامات: 86 مؤسسة إعلامية عالمية تشارك في تغطية انتخابات الشيوخ 2025    جنوب سيناء تستعد لانتخابات الشيوخ ب15 مقرًا و18 لجنة فرعية    انخفاض الحديد.. أسعار مواد البناء اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    النقل: استمرار تلقي طلبات تأهيل سائقي الأتوبيسات والنقل الثقيل    أوكرانيا تستهدف بنية تحتية روسية في موجة جديدة من الهجمات بالطائرات المسيرة    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    جوردون يتعاطف مع إيزاك: الناس تنسى أنك إنسان في هذا السيناريو    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    استقبال شعبي ورسمي لبعثة التجديف المشاركة في دورة الألعاب الأفريقية للمدارس    مبابي: حكيمي يحترم النساء حتى وهو في حالة سُكر    هايد بارك ترعى بطولة العالم للاسكواش للناشئين 2025 تحت 19 عامًا    "قول للزمان أرجع يا زمان".. الصفاقسي يمهد لصفقة علي معلول ب "13 ثانية"    قرار عاجل من النيابة بشأن البلوجر "أم سجدة"    مشاجرة دامية بين عاملَي كافتيريتين في سوهاج والمحافظة تُغلق المحلين    أمطار على 5 مناطق بينها القاهرة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس خلال الساعات المقبلة    عمرو دياب يوجه كلمة ل عمرو مصطفى ويشكره خلال حفل العلمين (تفاصيل)    60 مليون جنيه.. إجمالي إيرادات فيلم أحمد وأحمد في دور العرض المصرية    رئيس جامعة بنها يعتمد حركة تكليفات جديدة لمديري المراكز والوحدات    "100 يوم صحة" تُقدم أكثر من 26 مليون خدمة مجانية خلال 17 يومًا    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم ب الشرقية    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات لعام 2024-2025    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    استمرار انطلاق أسواق اليوم الواحد من كل أسبوع بشارع قناة السويس بمدينة المنصورة    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    ترامب: ميدفيديف يتحدث عن نووي خطير.. والغواصات الأمريكية تقترب من روسيا    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب قبالة سواحل مدينة كوشيرو اليابانية    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    90 دقيقة تأخيرات «بنها وبورسعيد».. السبت 2 أغسطس 2025    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    حروق طالت الجميع، الحالة الصحية لمصابي انفجار أسطوانة بوتاجاز داخل مطعم بسوهاج (صور)    رسميًا.. وزارة التعليم العالي تعلن عن القائمة الكاملة ل الجامعات الحكومية والأهلية والخاصة والمعاهد المعتمدة في مصر    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل التعليم‏‏ وضرورات المراجعة‏!‏
نشر في أخبار مصر يوم 26 - 06 - 2008


الاهرام: 26/6/2008
بعيدا عن ملابسات قضية تسرب أسئلة امتحانات الثانوية العامة في محافظة المنيا التي دخل ملفها إلي عهدة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود الذي انتقل بنفسه لمباشرة التحقيق في موقع الحدث‏;‏ أجدني مضطرا مرة أخري لإعادة فتح ملف التعليم في مصر والذي سبق لي أن كتبت عنه في هذا المكان تحت عنوان التعليم قضية أمن قومي لأن المسألة في اعتقادي أعمق وأشمل من أحداث مماثلة وقعت من قبل وكان أبرزها تسرب أسئلة الثانوية العامة عام‏1960‏ وكنت شخصيا أحد ضحاياها عندما تقرر إعادة الامتحان في كافة المواد‏.‏
ولعلنا نسلم بأن التعليم هو بوابة العلم‏...‏ وكل دروس التاريخ تؤكد لنا أن قيمة الأمم والشعوب تتحدد بقدر علمها وعملها وليس بقدر ثرواتها وتعداد سكانها‏;‏ ولهذا فإن الأمم العظيمة هي التي تبني ثقافتها علي العلم والعمل حيث إن الامتزاج بين العلم والعمل هو مصدر القوة الحقيقية لأي أمة تتسلح بهما لأنها عندما تسعي للعلم فإنها تعمل وعندما تعمل فإنها تتعلم‏....‏ وتلك هي ركائز بلوغ النهضة وصنع التقدم في كل عصر وزمان‏.‏
وإزاء عصر جديد لانملك خيار التخلف عن مجاراته بكل معطياته واستحقاقاته أعتقد أنه يتحتم علينا أن نسارع بإجراء مراجعة شاملة للعملية التعليمية في كافة مراحلها من أجل صياغة جديدة يتم من خلالها استبعاد أساليب التلقين في تدريس المناهج وأيضا استبعاد أساليب الاستجواب في أسئلة الامتحانات‏!‏
وإذا جاز لي في حدود حق الاجتهاد أن أضع خطوطا عريضة لمرتكزات هذه الصياغة الجديدة فإنني أقول‏:‏ إن نقطة البداية يجب أن تبدأ من مراحل التعليم الأولي‏,‏ وإنه لا يكفي أن تعلن الدولة في سياستها عن اهتمامها بتطوير التعليم تطويرا جذريا‏,‏ وإنما ينبغي أن تكون هناك خطط محددة وواضحة تؤدي إلي إزالة جميع العقبات التي تعترض تحقيق هذا الهدف خصوصا اننا نعلم جميعا أن هذه العقبات متشابكة ومعقدة لدرجة كبيرة‏,‏ فمنها ما يتصل بنوعية المناهج التعليمية‏,‏ ومنها ما يتعلق بأسلوب تعامل المدرس مع تلاميذه‏,‏ ومنها أيضا ما يتعلق بنوعية الامتحانات التي يتم علي أساسها قياس التفوق والنبوغ‏,‏ أو ما يرتبط بالظروف الاجتماعية والنفسية للتلميذ‏.‏
والحقيقة أنه من الصعب أن نتحدث عن تحديث وتطوير التعليم الذي هو المقدمة لبناء قاعدة للتفكير العلمي في عقل التلميذ مالم تكن المناهج الدراسية مرتبطة ارتباطا وثيقا بمشكلات التلميذ‏,‏ ومجالات اهتمامه‏,‏ فالإنسان بطبعه لايفكر بعمق إلا إذا واجهته مشكلة تثير اهتمامه وتدفعه لتنشيط عقله بحثا عن حل سريع وجذري لها‏..‏ ومن هنا فإنه إذا بقيت الطريقة المتبعة في تنفيذ المناهج التعليمية ترتكز إلي تحفيظ التلميذ قدرا معينا من المادة في كل مقرر دراسي كي يؤدي به الامتحان آخر العام‏,‏ فإن ذلك يحول دون التفكير العلمي السليم ويشجع الآباء علي استسهال شراء التفوق والنبوغ الوهمي لأبنائهم عن طريق الدروس الخصوصية ونماذج حل الامتحانات‏.‏
ولاشك في أن الطريقة التي يتبعها المدرس في تدريسه لها أكبر الأثر في تنمية عادات التفكير العلمي السليم لديهم أو إعاقتها عن النمو‏.‏
لعلي أكون أكثر وضوحا وأقول إن الطريقة التي يتبعها المعلم في تدريس المناهج هي التي تلعب الدور الأكبر في تنمية عادات التفكير العلمي السليم لدي التلاميذ‏...‏ ومن الطبيعي أنه إذا كان المدرس نفسه لايمارس الأسلوب السليم للتفكير العلمي‏,‏ ويفتقر في تكوينه إلي الاتجاهات العلمية نتيجة عدم إعداده علميا ومهنيا بدرجة تؤهله لمهنة التدريس‏,‏ فإنه من المستحيل أن ننتظر أن تتخرج علي أيدي مثل هذا المدرس أجيال جديدة تؤمن بالتفكير العلمي‏.‏
وربما يكون المدرس معذورا في ذلك لأسباب عديدة بينها السياسات المركزية لبناء المناهج التي تقصر عمل المدرس علي التنفيذ فحسب لمناهج لم يشترك في وضعها‏..‏ ومن ثم فإنه من الظلم أن يطلب أحد من هذا المدرس أن يخرج عن الحدود التي رسمها له واضعو المنهج لأنه لم تتح له فرصة البحث والتفكير والابتكار والتجريب‏..‏ وأيضا فإن المدرس الذي لايتسامح في أخطاء التلاميذ ويصر علي معاقبتهم بدنيا أو نفسيا عند وقوع أي خطأ‏,‏ إنما يرتكب جريمة كبري لأنه يهدم ثقتهم بأنفسهم ويقتل في داخلهم روح الابتكار والابداع والتجريب التي هي أساس بناء التفكير العلمي‏.‏
وليس هناك ما يميز الدول المتقدمة سوي اهتمامها بالعنصر البشري في العملية التعليمية والتدقيق في اختيار المدرس خصوصا بالنسبة لمراحل التعليم الأولي‏,‏ حيث تجري علي المدرس اختبارات علمية ونفسية للتأكد من تفهمه الكامل إلي أن طبيعة عملية التفكير تحتمل دائما الوقوع في بعض الأخطاء‏,‏ وأن التلاميذ لابد أنهم سيقعون في كثير من الأخطاء في أثناء جمع الملاحظات أو فرض الفروض واختبار صحتها والوصول إلي نتيجة‏!‏
ولعل هذا ما يستوجب أن يكون المدرس واسع الصدر بحيث يشجع تلاميذه علي أن تكون ملاحظاتهم شاملة ودقيقة‏,‏ وأن يعطيهم الوقت الكافي لفرض الفروض‏,‏ وعدم الاكتفاء بالاجابه الصحيحة فقط التي تصدر عن تلميذ واحد في الفصل‏..‏ فمن الأفضل أن يدير المدرس مناقشة واسعة حول الاجابات والاستنتاجات الخاطئة لأنه لاشئ يفيد في بناء التفكير العلمي السليم للتلاميذ قدر مايتحقق له من استفادة نتيجة المراجعة المتأنية والمناقشة الحرة لهذه الأخطاء‏.‏
إننا عندما نتحدث عن تطوير التعليم باعتباره ركنا أساسيا من أركان توفير رأس المال البشري‏,‏ فإننا نقصد فهما جديدا لرسالة التعليم ينتقل بها من مهمة تخريج أفواج متتالية من الباحثين عن فرصة عمل إلي مهمة تخريج كوادر بحثية تقود مهمة التطور والتقدم العلمي المنشود‏.‏
وعندما نسلم بصحة ما يطرح من ضرورات أساسية تستلزمها عملية تطوير التعليم من نوع زيادة عدد المدارس وتجهيزها بالمعامل الحديثة وتحسين أوضاع المعلمين اقتصاديا واجتماعيا‏,‏ فإننا لاينبغي أن ننسي أن القضية ليست فقط في مثل هذه المطالب الضرورية والحياتية‏,‏ وإنما تطوير التعليم الحقيقي مرتبط في المقام الأول بمدي القدرة علي توفير المعلم الحديث الذي يملك القدرة علي ايجاد ملكات التخيل والإبداع عند التلاميذ بأكثر‏,‏ مما يملك من قدرات التحفيظ والتلقين التي تفتح الباب علي مصراعيه لاختلالات اجتماعية رهيبة من نوع ظاهرة الدروس الخصوصية‏!‏
أريد أن أقول بوضوح إن تطوير التعليم يجب أن يرتكز علي محورين أساسيين المحور الأول هو مضمون التعليم والمحور الثاني هو أسلوب التعليم الذي يشمل أساليب التدريس وأساليب قياس القدرة المسماة بالامتحانات‏!‏
أريد أن أقول بوضوح إننا نحتاج إلي آليات جديدة وفي مقدمتها آلية البشر المسئولين عن إدارة العملية التعليمية وعلي رأسهم المعلمون في مختلف مراحل التعليم‏...‏ وعلي سبيل المثال فإن المدرس الذي يضيق صدره بأسئلة التلاميذ لايمكن أن يكون له مكان في هذا العصر لأن مثل هذا السلوك يقتل في هذه الزهور البريئة المتفتحة للعلم والمعرفة نزعة طبيعية كان من الممكن تنميتها وتوجيهها نحو مزيد من القدرة علي الملاحظة والرصد والاستطلاع المثمر والطرق بقوة وفي سن مبكرة علي أبواب الكشف والبحث والتنقيب‏..‏ وكذلك الحال بالنسبة للمدرس الذي يفتقر إلي العقلية النافذة فيسلم بكل ما يسمعه أو يقرؤه دون أن يحاول التيقن من صحته‏,‏ ومن ثم يعجز بالطبع عن أن ينمي في تلاميذه منهج التفكير العلمي السليم‏.‏
وأي مراقب لما تشهده الساحة الدولية من تطورات لمواكبة ما وقع في العالم من متغيرات عميقة سوف يجد أن استراتيجيات التعليم في الدول الحديثة لم تعد تسمح للمدرس بأن يقدم لتلاميذه الأفكار والمعلومات التي كان من الممكن أن يصلوا إليها بأنفسهم حتي لايتعود التلاميذ علي الكسل والتواني أو التخاذل عن التفكير‏,‏ وينتظرون من المدرس دائما أن يفكر لهم وأن يقدم الحلول الجاهزة لأي مسألة مستعصية علي الحل‏!‏
ومن هنا‏,‏ فلست أظن ان هذه التطورات المتسارعة والمتغيرات العميقة تسمح لنا ببقاء ذلك النظام التعليمي الذي يحدد للمدرس منهجا بعينه يتحتم عليه تدريسه علي مدار العام وإجراء الاختبارات الشهرية والدورية عن طريق طرح أسئلة نمطية لا تدعو إلي التفكير‏..‏ فالمدرس الذي يلقي علي التلاميذ أسئلة لاتتطلب الاجابة عنها سوي سرد لما هو في الكتب والمذكرات يقتل في داخل التلاميذ منهج التفكير العلمي‏.‏
والأمر المؤكد أن الامتحانات تؤثر تأثيرا كبيرا علي اتجاه التلميذ نحو اكتساب عادة التفكير العلمي أو إكسابها‏,‏ فالامتحانات التقليدية التي لاتتطلب من التلميذ أكثر من سرد الحقائق والمعلومات التي درسها إنما تقيس قدرة التلميذ فقط علي حفظ المادة واختزانها في عقله حتي يحين موعد إفراغها في ورقة الإجابة يوم الامتحان وبالتالي لايتعود التلميذ علي منهج التفكير العلمي الذي نتحدث عنه والذي لايمكن الوصول إليه بعيدا عن تغييرات جذرية في نظم الامتحانات ترتكز علي قياس مدي قدرة التلميذ علي التفكير وحسن تصرفه في استخدام المعلومات التي درسها‏..‏ بل إن النظم التعليمية الحديثة تضع في برامج الامتحانات أنواعا متعددة من الاختبارات لكي تقيس مدي استقلالية الرأي وسلامة الحكم علي الأمور عند التلاميذ في سن مبكرة‏!‏
وليس هناك ما يضعف من قدرة التلميذ علي التفكير العلمي أكثر من العوامل الذاتية المتعلقة بالتلميذ نفسه‏,‏ فإذا كان التلميذ مشتت الذهن‏,‏ فإنه لايقوي علي التفكير السليم‏,‏ وقد يعود تشتت ذهن التلميذ إلي جفاف المنهج الدراسي وعدم ارتباطه بحاجات التلميذ ومشكلاته الحيوية ومصادر اهتمامه وهذا أمر لابد من مراجعته في اطار عملية مراجعة شاملة ومستمرة للمناهج التعليمية‏..‏ وأيضا فقد يرجع تشتت ذهن التلميذ إلي ظروف عائلية‏,‏ وهذا أمر تقول أسس التربية الحديثة إنه مسئولية مشتركة بين المدرسة والأسرة وإن واجب المدرسة أن تعني بدراسة مثل هذه الظروف من خلال تعاون وتنسيق مع الأسرة‏!‏
بل إن ثمة عوامل أخري تؤدي إلي إضعاف قدرة التلميذ علي التفكير العلمي وفي مقدمتها عدم التكيف السليم نتيجة الشعور بالخوف أو عدم الإحساس بالأمن‏,‏ وهذه كلها أسباب ترجع مسئوليتها إلي المجتمع ككل لأن الطفل يأتي إلي المدرسة بعد أن يكون قد اكتسب من المنزل والمجتمع كثيرا من العادات والسلوكيات التي تخاصم التفكير العلمي‏,‏ من نوع الاعتياد علي الاستسلام في التفكير إلي مصدر خارجي أو سلطة عليا يجد من السهل عليه الاستشهاد بها والوصول من خلال ترديدها دون بحث أو تحر عن مدي صدقها إلي نتائج وأحكام‏..‏ فكل ما يقوله الأب صحيح‏,‏ وكل ما يقرؤه في الصحف ليس محل شك‏..‏ إلخ‏.‏
وإذن ماذا؟
إننا بحاجة إلي تجديد صحة اليقين بأن التعليم هو المحور الأساسي لأمننا القومي بمعناه الشامل بعد أن اختلفت مفاهيمه عن ذي قبل‏,‏ وارتفعت أهميته حيث لم يعد التنافس العالمي حول تملك القنابل والصواريخ وإنما أصبح الصراع والمنافسة حول العلم والتكنولوجيا‏,‏ فضلا عن أن التحدي الذي يتحتم علينا قبوله ومواجهته هو هذا التطور التكنولوجي الهائل وتلك الثورة الرهيبة في المعلومات التي غيرت أساليب الانتاج وأنماطه والتي لا يمكن اقتحام افاقها بغير ركيزة أساسية من منظومة تعليمية متطورة‏.‏
ومن هنا فإن المسئولية الوطنية تفرض علي كل من بيدهم الأمر سرعة العمل علي ترجمة هذه الرؤية بجهد وإصرار يعبران عن فهم واقتناع بأنه ليس أمامنا من سبيل آخر لمجاراة العصر غير هذا السبيل الذي يبدأ بتطوير حقيقي للتعليم في مختلف مراحله‏.‏ وبما يتفق وحتمية إدراكنا لحقائق العصر الذي نعيشه‏.‏
لقد بات محتما علي الجميع أن يدركوا أننا نعيش عصرا تتواصل فيه ينابيع التفجر المعرفي وتتلاحق فيه بسرعة رهيبة ثورة معلوماتية تستند إلي الذكاء الانساني والطموح الوطني والرغبة في اقتحام أبواب المنافسة من أرضية القدرة والتكافؤ التي تحفظ الكيان والوجود والانطلاق‏!‏
وأظن ولست وحدي في هذا الظن أن هدف اللحاق بعصر التكنولوجيا في الزمن القياسي المنشود ليس مسئولية وزارة التعليم وحدها‏,‏ ولا هو رهن ببرنامج تطوير التعليم فحسب وإنما هو مسئولية مجتمع بأسره‏,‏ يتحتم علي كل من ينتمي إليه أن يوظف ما لديه من علم وجهد ومال في خدمة هذا الهدف النبيل‏.‏
بوضوح شديد أقول إن ركوب قطار العصر وضمان مقعد مريح به قد يبدو حلما بالغ الصعوبة‏,‏ ولكنه ليس بالمستحيل بشرط أن تستمر روح التكافل التي توفر اسهام القادرين مع الدولة‏,‏ لأن متطلبات بلوغ الهدف أكبر من إمكانات الدولة ومواردها الرسمية‏.‏
إننا بحاجة إلي ما يشبه الثورة الكاملة لكي يصبح التعليم إطلالة حقيقية تستشرف آفاق المستقبل وتنمي قدرات الخيال بدلا من البقاء أسري خلف جدران التراث العلمي الذي حققه أجدادنا الفراعنة الذين صنعوا أول حضارة في التاريخ‏.‏
ولست أريد أن استطرد في طرح أمثلة ونماذج لما ينبغي علينا عمله لأنني أعتقد وبمنتهي التواضع أن تلك مهمة الخبراء المتخصصين‏,‏ لكنني فقط اكتفي بالاشارة إلي أن الحاجة أصبحت ماسة إلي تغيير جوهري في مناهج التعليم من ناحية وأساليب التدريس وامتحانات قياس القدرة من ناحية أخري‏.‏
وإذا جاز لي أن أجتهد كمواطن تسمح له ظروفه ببعض الاطلاع فإنني أسارع إلي القول بأن هدف وجوهر العملية التعليمية والبحثية في مصر يجب أن يرتكز حول هدف واحد هو كيفية بناء القدرة المصرية علي مواجهة تحديات العصر‏.‏
إننا بحاجة إلي التعامل مع العملية التعليمية برؤية استراتيجية تستشرف المستقبل وليس علي أنها مجرد وعاء شكلي يستهدف منح الشهادات والدرجات التعليمية‏.‏
تلك هي القضية وهذا هو صلب التحدي الذي يتحتم علينا أن نواجهه وأن نناقشه في اطار استحقاقات تعامل جذري مع ظواهر كريهة لتسرب الأسئلة أو محاولات الغش الجماعي‏.‏
الي المزيد من الاقلام والاراء


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.