نفتقد الأب دوماً فى حياتنا .. بحكمته و قدرته على مواجهة مشاكلنا الحياتية .. بل وأستصغار ما نعتقده مصائب .. ليجد لنا طريقاً نغفله فى معظم الأحيان .. و لكن أن تكون أباً لشعب بأكمله .. فهذه مصيبة نستصغرها نحن أفراد هذا الشعب .. وأكبر من قدرات الأب الذى إرتضيناه لأنفسنا .. فى ثقة لم تلبث أن شابها القلق و التوجس بمرور الأيام .. قرار المجلس العسكرى بموائمة كل الأطياف .. و فتح الميدان أمام كل الفوارس .. جعل الأصوات العالية للإخوان و السلفيين تعلو .. و تخرج من جحور سكنتها طويلاً .. فبدوا لنا و كأنهم يمتلكون زمام الأمور .. ويتحكمون فى مصيرنا .. ورسخ فى إعتقاد البعض .. أن الجيش يدعمهم ويؤيدهم .. بل هناك من تأكد من أسلمة الجيش أو سلفيته !! كان أباً حانياً فقط .. يرفض أن يقسو على أبنائه !! هكذا يشعر .. عندما كان الثوار يقومون بتنظيف الشوارع .. كانت كل الذئاب تفتش عن قطعة لحم لإفتراسها من جسد بلادنا .. بإبتسامة فى قلوبهم راقبوا كل الطامعين .. بثقة قلقة فى قيادة إرتضوها لأنفسهم .. و لبلادهم .. تركوهم يكملوا ما بدأوه .. و إنعزلوا عن مجتمع أصبح كل أعضاؤه ثواراً وسياسيين .. يرفض الإخوان التصريح بأعدادهم الحقيقية دائماً .. ذراعهم القوية من شباب مصرى فتى جميل ذهب إلى التحرير ضد توجيهات قيادتهم التى أكدت مراراَ عدم مشاركتها بالثورة .. زادوا عن الجميع يوم موقعة الجمل الشهيرة .. طلبوا الشهادة يومها فداءً لمصر كلها .. عاشوا أياماً فى تصالح ملائكى مع أندادهم المصريين من كل الإتجاهات .. صلوا فى دائرة تحميها سواعد إخوتهم المسيحيين .. فحاولت قياداتهم إستغلال هذا فى تسويق زعامتهم للثورة كلها .. و بآلة دعائية كبيرة يمتلكونها .. حاولوا تأكيد إشاعة النظام السابق عن قوتهم و تنظيمهم .. هم (( الفزاعة )) التى تمكنت من كل شىء .. صدقوا ذلك عن أنفسهم عند إنكشاف الساحة .. أما السلفيون فأطيافهم العديدة .. لن تسمح لهم بالإتحاد أبداً مهما زادت أعدادهم .. و لكنهم يتحكمون فى آلاف المنابر و الزوايا فى قرى و نجوع المحروسة .. يسقون معتقداتهم لأفواه فقيرة واعية .. و لكنها لم تتذوق غير حديثهم عن الجنة و النار .. و للحق .. فإعتقادهم الراسخ بتفسيراتهم الدينية .. هى أقوى ما يميزهم .. والخوف من الإقتراب منهم .. جعلهم أيضاً ينفرون من كل ما يتعارض مع عقيدتهم .. وعندما أدركوا عدم قدرتهم على مواجهة المجتمع وحدهم .. و إرساء قواعد الدولة الإسلامية كما يرونها .. حاولوا الإتحاد مع الأخوان .. و عند توزيع الأدوار .. صار بينهم قتالاً .. لمن تجب الزعامة ؟؟ أتذكر قرارا صدر من النظام السابق .. بتعيين شيخاً أزهريا فى كل الجوامع .. و لكن الأزهر أصابه الشلل و التسييس منذ سنوات طوال .. فأصبح موالياً للدولة .. و غفل عن دوره الدعوى و التنويرى .. ليستمد قراراته من قاعدة : فأطيعوا أولى الأمر منكم !! قال أحد ناشطى الأقاليم .. إن كلمات مثل الديمقراطية أو المدنية أو الليبرالية .. أو أى كلمة تنتهى بالحروف ( ية ) .. هى مرادفاً للكفر و الإلحاد فى قريته النائية الصغيرة . ساعدت الكنيسة أيضاً فى صناعة وهم الخوف الكبير الذى إعترى المجتمع المسيحى .. بل و قدمت خدمات جليلة للتيارات المتأسلمة .. بتدخلها العلنى فى السياسة .. و محاولة التوجه نحو رفض التعديلات الدستورية .. فجاءت النتيجة عكسية تماماً .. فلا رفضت التعديلات .. و لا ذهب المسيحيون للإستفتاء !! .. ثم تفتقت الأقمار الصناعية عن رجل الأعمال المسيحى الشهير .. الذى أصر على الظهور و الإفتاء بأراء علنية .. فساهم فى عزلة المسيحيين عن الوطن .. و إعتبارهم كتلة دينية .. !! يعتقد الإمام الغزالى الأكبر –رحمة الله عليه – أن نور الله يأتى إلى أرضنا هذه عبر أجساد الصوفيين .. لولاهم .. لإختفى نور الله .. و ما أعظمه من نور .. هم درع يقينا من شرور التطرف .. إن قرروا النزول إلى ساحة المعترك الكبير .. و لكنهم فى عموم الحياة لا يأبهون حقيقة .. هم فقط يبحثون عن الله .. أما الليبراليون فقد تقوقعوا أمام شاشات مضيئة يحسبونها العالم الوحيد .. يتحادثون فى أشياء يؤمنون بها جميعاً .. ؟!! .. و الفاعلون منهم .. يحاولون إنشاء ألف حزب .. يختلفون فى الأسماء ويتشاركون فى أمل التكتل لمواجهة التيارات الدينية .. تبتعد عن عقولهم فكرة الحزب الأوحد .. فحب الوطن أضعف كثيراً من أن يجابه بريق السلطة فى قلوبهم .. رهانهم على إعجاب الجماهير .. أو تأثرهم بالحديث المرتب العلمى .. أزعم أن معظم الطوائف لاتفقه شيئاً منه .. غير أن رباطات العنق ( السينييه ) لها جاذبية شديدة .. تنطفىء سريعاً .. إلا فى أعينهم .. الكل يؤمن بسلامة نظريته فقط .. الكل يريد الإستيلاء على الكعكة وحده .. لم يظهر فى الأفق أياً من بوادر المشاركة بين القوى المختلفة .. أو حتى إحترام يتكفل بالمصالحة و التوافق على حب الوطن و إتساعه لنا جميعاً .. ألسنا كلنا مصريون ؟ مازال الأب يشاهد أبناؤه من فوق الشجرة .. تنصيبه أباً أزعجه بشده .. آثر تجنب المواجهة دائماً .. حتى مع فلول الطغاة .. لا يترك فرصة للتخلص من مسئولية ما .. إلا و إنتهزها .. لم يقترب من منطقة خطرة أبداً .. تركها لصراع أبنائه .. فصارت أفعاله غامضة بطيئة .. تجعل الهمسات عنه تعلو لتصبح كلاماً ثم صراخاً .. لن يعلن الأب عن ضعفه أبداً .. و لن يفعل شيئاً بدون ضغط .. هو بالكاد يتحمل ما يمتلكه من ضغوط .. أما الغرب الرومانسى فى إعجابه الشديد بنا .. و إبداء إنبهاره الكامل بالحضارة و الرقى لدى شعبنا .. فلن يألو جهداً فى محاولة وأد تقدمنا أبداً .. تذكروا التاريخ .. أتذكر تخبط الرئيس الأمريكى .. و الفزع على وجه نتنياهو .. فى بداية ثورتنا .. كان لابد أن يعود الثوار إلى الميدان .. فكل شىء حولهم هراء .. هم وحدهم من يدركون عظمة إنجازهم .. هم وحدهم من يملأ حب الوطن وجدانهم .. هم من لا يطلبون مقابل .. هم من آمنوا بأنفسهم .. و بإستحقاق بلادهم للريادة و التقدم .. هم من قدموا إخوتهم شهداء .. و أقسموا لأمهاتهم بألا تضيع دماؤهم هدراً .. هم من هتفوا .. إحنا المصريين أحرار .. إحنا المصريين ثوار . و لسوف تكتمل ثورتهم .. بيقينهم الراسخ .. و إيمانهم بمصريتهم المتفردة .