بالقرب من العمارات والفيلل الواسعة، بادية الثراء فى منطقة مساكن الشيراتون، وعلى بعد كيلومترات قليلة من عمارات تقطنها أسر ضباط القوات المسلحة وغيرهم من المنتمين للطبقة الوسطى فى المربعات السكنية المتميزة بمدينة السلام- تمتد عشش سقفها من الكرتون والخشب تحمل اسم « أبورجيلة» وتمتد على مساحات من التراب والقمامة فى تلك البقعة التى تحتل أقصى شمال القاهرة. التناقض الشديد فى مستوى المعيشة بين سكان عشش أبورجيلة وجيرانهم فى مدينة السلام ومصر الجديدة، يبرز قسوة شتائهم الذى تنهمر فيه مياه الأمطار متخللة أسقف العشش لتدهم ساكنيها. الطريق إلى عشش «أبورجيلة» التابعة لحى السلام، يمر إجبارياً على أكوام من القمامة يتجاوز ارتفاع بعضها أربعة أمتار، لا يتأفف سكان العشش من تلك القمامة المتراكمة، فهى تمثل مصدر رزقهم، حيث يجمعونها من منطقتى النزهة وعين شمس القريبتين لفرزها والاتجار فيما يمكن إعادة تصنيعه منها، ومن بين تلك الأكوام يستخرجون قطعاً من الورق المقوى والخشب يدعمون بها الأسقف والجدران المتهالكة لبيوتهم الواطئة. الفتحات التى ترصع جدران عشتها لم تدع لحنان رضا، بديلاً لحماية أطفالها الثلاثة من موجة الأمطار المحتملة، سوى تجهيز مشمع من البلاستيك تكسو به البطاطين بمجرد سماع قطرات المطر. فحال جميع العشش، كما تقول، واحد، وبالتالى لا بديل للملاذ بأطفالها فى أى عشة مجاورة. جلست حنان محتضنة أصغر أطفالها، تقلب عشرات العلب من أدوية علاج نزلات البرد والحساسية والإسهال والكحة، التى لا تنقطع عنهم طوال فصل الشتاء، بسبب برودة الجو الذى يتسرب من بين ثقوب الجدار والفتحات المكسورة للأبواب والشبابيك إلى أجساد الأطفال. تليفزيون 14 بوصة، غسالة عادية، سرير مرفوع على 3 قوالب من الطوب الأحمر، كانت تلك هى أبسط متطلبات الحياة التى أعانت الحاجة «سيدة محمود» على العيش داخل عشتها لمدة تجاوزت العشرين عاماً. بأناملها الضعيفة التى تشهد بأعوامها الستين، أشارت الحاجة سيدة إلى أرضية العشة الخرسانية، التى انهارت وتفتت بعد أن تشبعت من مياه المطر عبر السنين الماضية حتى كونت حفراً ومطبات. وقالت: «أيام المطر دى تبقى أصعب أيام علينا طول السنة، بنخرج منها كلنا أمراض من كثرة رفع وتحويل المياه اللى بتملا الحلل بره العشة، باجى على آخر يوم مطر أحس إنى مش قادرة أرفع إيدى ولا أحرك أكتافى من الرطوبة، ورجلينا دى بتكون اتجمدت من كثرة الغرز فى مياه المطر اللى بيغرق أرضية العشة». أما أشرف صلاح، أحد السكان، فقال: «أكتر من مرة رحنا الحى والمحافظة نستغيث بيهم، وجه موظفين عاينوا الوضع على الطبيعة، وأكدوا أن المحافظة هتبنى لينا شقق بديلة لكن لم يحدث شىء». اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة
