على الطرق السريعة، وفي الشوارع داخل المدن، وعلى أسطح البنايات، وفي التليفزيون، وفي كل مكان في مصر، تطاردك إعلانات العقارات الجديدة. «كومباوند (....) أمان السكن، أمان الاستثمار نفسك تسكن في كومباوند، يبقى كومباوند..»، « امتلك فيلتك الآن وطرق مختلفة للدفع وأسعار خيإلىة، المساحة تبدأ من 1062 متر، والسعر يبدأ من 3 ملايين جنيه»، ذلك واحد من عشرات الإعلانات التي تحمل بشرى الحصول على سكن العمر لمجتمع يعيش أكثر من مليون شخص من أبنائه في المقابر بعد أن عجزوا عن إيجاد سكن لهم، وفقا لتقرير نشره أحمد عبد العزيز، على موقع «هنا صوتك» التابع لإذاعة هولندا العالمية. ووفقا للتقرير فإن الإسكان الفاخر، هو تعبير انتشر في المجتمع المصري خلال السنوات العشر الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك، واقتصر رواده على أفراد الطبقة الغنية التي أحكمت قبضتها على ثروات ومقدرات البلاد في تلك الحقبة، وانتشرت تلك التجمعات على أطراف القاهرة ك«مستعمرات» تحصن فيها الأغنياء بعيدا عن سخط شعب لا يستطيع 26% منه الحصول على دخل يكفى توفير احتياجاته الأساسية. وعلى الرغم من معاناة مصر من أزمة سكنية خانقة، بعد أن توقف حجم المعروض من وحدات الإسكان المتوسط والمحدود عند المائة وخمسين ألف وحدة سنويا، ليبلغ العجز في توفير وحدات هذه الشريحة نحو 300 ألف وحدة سنويا، وفقا لإحصائيات وزارة الإسكان، وارتفاع معدل البطالة إلى 13.4%، نجد أن سوق الإسكان الفاخر قد استحوذ على 65 مليار جنيه من حجم سوق العقارات، وهو ما يستوجب حملات إعلانية ضخمة، يرى عموم المصريين أنها «بتكلم حد غيرهم»، حسب تعبير محمد صابر، 30 عاما، مهندس كمبيوتر، الذي يضيف: «لما بشوفها بحس اني لاجئ في بلدي، ناس مش لاقيين مأوى، والمرتب بيخلص من نص الشهر، وهما يكلمونا عن شقق بملايين». وتقول سوسن عبد الله، 42 عاما، وربة بيت: «مش بصدق أن الأماكن دى في مصر.. إزاى يكون في ناس فى العلوى قوى كده عايشين معانا.. طبعا بحس بالحقد على الناس دي اللي بتتكلم عن مقدمات خيالىة، ممكن تجوز عشر شباب دفعة واحدة». أما حسين إبراهيم، 33 عاما ومدرس، فيقول: «قولوا للناس دي مش لازم تفرسونا.. إعلانات الفلل والشقق دي بيشوفها ناس الجوع بالنسبة لها إجبار مش اختيار، ناس عايشة فى العشوائيات ومش لاقية تاكل، ناس ليها رب يتولاها». من جانبها، أكدت أستاذة علم الاجتماع، الدكتورة هدى زكريا، أن إعلان العقارات الفاخرة محدودة ولا ترتقي لحد الظاهرة، فالأغنياء ليسوا في حاجة إلى إعلانات تملأ الفضائيات، لأنهم طبقة محدودة جدا في مصر. وأضافت زكريا إن الفضائيات لا تهتم بشيء سوى ثمن المساحات الإعلانية، دون الاهتمام بشعور المواطن، مؤكدة أن الأغنياء في مصر أصبحوا يتعاملون بقانون خاص يبعدهم عن الفقراء، ويزيد من حدة احتقان الطبقة الكادحة ضدهم، مشيرة إلى أن الإعلانات التي تملأ التليفزيون تمارس النصب على الناس، من خلال اللعب على حلمهم في امتلاك مسكن فاخر، دون النظر إلى عواقب هذا على الفقراء. وعلى صعيد مغاير، يرى طارق شكري، نائب رئيس شعبة مستثمرى العقارات ورئيس شركة عربية للاستثمار العقاري، أن كثافة إعلانات مشروعات الإسكان الفاخر يرجع إلى ارتفاع ثمنه وقلة زبائنه، على عكس الإسكان المتوسط الذي لا يحتاج للإعلانات بسبب الإقبال الواسع عليه، إضافة إلى أن قيمة الحملات الإعلانية تضاف لقيمة الوحدة، وهو ما يصعب تطبيقه على مشروعات الإسكان المتوسط نظرا لحرص الشركات على طرحها بأقل سعر ممكن. ويضيف شكري، أن الحملات الإعلانية تُظهر على غير الحقيقة أن كل الاستثمارات متجهة للإسكان الفاخر، على الرغم من أن السوق العقاري يشهد اهتمام بكل مستويات الإسكان، منوها أن ربح شركات الاستثمار العقاري من الإسكان المتوسط أكبر من الفاخر. واختتم حديثه قائلا:« الإقبال على الإسكان الفاخر جيد، والواقع يؤكد أنه لا يقتصر على الأثرياء فقط، فهناك فئات اجتماعية أخري مثل المدرسين والصحفيين والعاملين بالبنوك تتجه لتملك شقق فاخرة».