بدأت الضريبة العقارية تغير خريطة قطاع العقارات فى مصر، فقد قررت الشركات العاملة فى القطاع التوجه إلى الإسكان المتوسط لتتحايل على أضرارها. فى الوقت نفسه، ستشهد السوق ارتفاعا فى الأسعار التمليك والإيجار. نيفين كامل وأحمد إسماعيل يرسمان ملامح القطاع واتجاهات العاملين به فى ظل هذا القانون الجديد. شهدت سوق العقارات المصرية فى السنتين الأخيرتين نموا كبيرا وكانت المحرك الرئيسى للنمو الاقتصادى فى مصر، وحتى فى وقت الأزمة، نجح هذا القطاع أن يكون من القطاعات الرئيسية التى حمت نمو الاقتصاد المصرى. فوفقا لبيانات الحكومة، حقق قطاع البناء والتشييد خلال الربع الأول من العام المالى 2009/2010 نموا بنحو 13.8%، بينما تراجعت الغالبية العظمى من القطاعات الأخرى. وقد شهد قطاع العقارات تنافسا كبيرا من قبل الشركات الأجنبية، العربية بصفة خاصة، كونه مجالا خصبا للاستثمارات نتيجة رواج هذا البيزنس فى مصر. ولم يخف على أحد أنه برغم هذا الإقبال على النشاط العقارى فى مصر، فإن ارتفاع أسعار التمليك، خص فئة محدودة من المجتمع بامتلاك هذه الوحدات، ومن ثم بات الإيجار الجديد ملاذا لكثير من فئات المجتمع خاصة الوسطى منها. فعلى الرغم مما حققه القطاع العقارى «البناء والتشييد والأنشطة العقارية» من نمو فى السنوات الأخيرة ليصل إلى 31.6% فى خلال الفترة من مارس 2006 إلى مارس 2008، فإن هذا النمو لم يستفد منه إلا شريحة ضئيلة جدا من المجتمع لا تتجاوز ال5 %، وفقا لتقرير أصدرته وزارة التنمية الاقتصادية فى عام 2008 عن قطاع العقارات فى مصر. وهنا يأتى السؤال، هل ستزداد الخريطة العقارية فى مصر تشوها مع تطبيق قانون الضرائب العقارية الجديد؟ هل ستحول الطبقة الغنية والشركات الاستثمارية والقطاع الخاص أعباء هذه الضريبة تجاه الطبقة المتوسطة والفقيرة من خلال رفع الأسعار؟ «الأعباء مقسمة بين جميع طبقات المجتمع، الغنى والفقير والمتوسط»، تقول نادية مختار، مدير سابق بمصر الطيران، وصاحبة وحدات سكنية، ورثتها هى وأختها عن والدتها. «من البديهى أن يتقاسم المستأجر والمالك الأعباء، ومن البديهى أننى سأقوم برفع أسعار الإيجار فور تطبيق القانون، خاصة أننى متأكدة أن التقييم سيكون مش مضمون ومبالغ فيه»، كما جاء على لسان مختار مشيرة إلى أنها تنوى رفع الأسعار على الأقل بما يعادل قيمة الضريبة العقارية أو أكثر منها. وترى مختار أن هذه الضريبة التى ستدفعها عن الشقق التى تؤجرها غير دستورية خاصة أن الدولة تحصل منهم ضريبة عن الإيراد «من يقول إن صاحب الملك عليه أن يدفع ضريبتين، واحدة عن الإيراد والأخرى العقارية، هذا ليس عدلا». وإذا كان الصورة فى بادئ الأمر تبدو فى صالح أصحاب العقارات، لأنهم سيقومون برفع الأسعار، فإن ذلك ليس صحيحا، كما تقول مختار، لأنه «مما لا شك فيه أن هذا الارتفاع فى الأسعار سيقلل من إقبال الناس على الإيجار، والمضطر فقط هو الذى سيقوم بالإيجار»، تقول مختار مشيرة إلى أن كثيرا من الأفراد سيفضلون حينئذ امتلاك شقق التى تقل قيمتها عن حد الإعفاء. الإسكان الفاخر يتأثر بالضريبة العقارية وعلى عكس ما كان متوقعا، وفقا لدراسة وزارة التنمية الاقتصادية، من أن الطبقة الغنية بمفردها، وهى لا تتجاوز ال4 ملايين نسمة، تستحوذ على أكثر من 80% من عدد الوحدات السكنية خلال العشر سنوات المقبلة، فى حين أن الطبقة المتوسطة لا تستطيع أن تحصل على احتياجاتها، والتى قدرتها الوزارة ب3.4 مليون وحدة خلال نفس الفترة، فيبدو كما تقول طه، إن الضريبة العقارية قد تساهم فى الحد من هذه الظاهرة. «سيتراجع الطلب على الوحدات الفاخرة خلال الفترة المقبلة، ليس بسبب الضريبة فقط وإنما أيضا بسبب حدوث حالة من التشبع لدى أصحاب الدخول المرتفع، بعكس الطلب على الإسكان المتوسط»، وفقا لرحاب طه محللة قطاع العقارات برايم لتداول الأوراق المالية، مشيرة إلى أن شركات القطاع العقارى توجهت إلى زيادة الاستثمار فى بناء الوحدات التى تمثل الإسكان المتوسط خاصة لأنها معفاة من الضريبة مما يشجع الشباب راغبى الزواج والمتزايد عددهم كل عام، إلى الإقبال عليهم. وتضيف طه أن هذه الضريبة ستسهم أيضا بدورها فى ارتفاع أسعار الوحدات العقارية خلال العام الحالى بنسبة تتراوح 5 و7%، مقارنة بأسعار 2009، بينما ترتفع بنسبة 15% خلال السنوات المقبلة»، كما قالت طه مشيرة إلى أن الأسعار قد ارتفعت بنسبة 200% خلال العامين الماضيين، مقارنة بعام 2006. ووفقا لآخر دراسة أعدها بنك الاستثمار فاروس عن قطاع العقارات فى الشهر الماضى، تستحوذ الطبقة مرتفعة الدخل فى مصر على 13 ألف وحدة سكنية، بينما تستحوذ كل من الطبقة المتوسطة ومحدودى الدخل على 112 ألف وحدة و340 ألف وحدة على التوالى. وتقول لبنى رضا، العضو المنتدب لشركة اى جى اى العقارية، إن الأزمة دفعت أصحاب الشركات إلى النظر إلى فئة من المواطنين لم تكن فى دائرة اهتمامنا من قبل وهى الطبقة فوق المتوسطة، والمتوسطة، «هذه هى الفئات التى ستظل فى حاجة إلى شراء العقارات فى الفترة المقبلة»، تقول رضا ضاربة مثالا بمشروع شركتها الجديد وهو مشروع مدينة كنانة الذى أطلقته مؤخرا المقام على 500 فدان والمخصص لمثل هذه الطبقات. الاستثمارات الأجنبية قد تتراجع كثير من الشركات العربية قد تبارت خلال الفترة الأخيرة لكى تستثمر فى مصر، فنجد داماك، وديار، وربوة، وغيرها من الأسماء المعروفة فى مجال العقارات، «قد تسابقت هذه الشركات فى الاستثمار العقارى فى مصر نتيجة إقبال الفئات الغنية من المجتمع لشرائها، ولكن مع القانون الجديد سيفكر الشخص أكثر من مرة قبل اتخاذ قراره بشراء عقار للاستثمار فيه، وهذا ما سيؤدى إلى نوع من الركود، وبدورها ستقلل هذه الشركات من الاستثمار فى مجال العقارات»، كما تقول رضا، مشيرة إلى أن تداعيات الأزمة العالمية ستقوى من هذا الاتجاه. ويقول مسئول فى شركة داماك إن شركته، شأنها مثل كثير من الشركات العربية، قامت بتعليق بعض المشروعات العقارية لها فى السوق المصرية فى الفترة المقبلة، خاصة أن غالبية المشروعات سياحية، وهو ما لم يتم تحديد كيفية التعامل معها من خلال القانون. «الهدف من المشروعات الربح وإذا كانت الأعباء المالية التى سنتكبلها ستقلل من ذلك فلماذا إذن»، يتساءل المسئول مضيفا أن مشروعات الإسكان الفاخر، التى تمثل الجزء الأكبر من مشروعات الشركة أيضا ستضر. وستبقى الشقق المغلقة «سوف أستمر فى شراء الوحدات العقارية وذلك لاستثمارها خلال السنوات المقبلة، خاصة أن أسعار العقارات ترتفع دائما»، تبعا لعادل احمد، وهو يعمل فى دولة الإمارات العربية المتحدة، مشيرا إلى أن جميع العقارات التى يستثمر أمواله بها تتراوح قيمته ما بين 250 إلى 400 ألف جنيه مشيرا إلى أن القانون يعيد تقيم قيمة الوحدات كل خمس سنوات، عندها تكون الشقق التى امتلاكها تكون قد بيعت. ويذكر أن قانون الضريبة العقارية ينص على إعفاء الوحدات العقارية التى تقل قيمتها عن نصف مليون جنيه، من الضريبة بينما الوحدات التى تبلغ نصف مليون جنيه تحدد ضريبة عقارية عليها بقيمة 30 جنيها سنويا، فى الوقت نفسه، فهو يهدف فى المقام الأول إلى فتح الشقق المغلقة المكدسة لدى أصحابها للتربح منها، والذى يبلغ عددها وفقا لوزير الإسكان ما يقرب من 8 ملايين وحدة. ولكن يبدو أن ذلك لن يحدث. «لن أفرط فى شقتى لأننى سأعوض الضريبة من الإيجار، ولأننى إذا بعتها سأضطر إلى شراء أخرى أغلى منها لابنى»، يقول طه الجمال، مهندس فى القطاع الخاص. الجمال يمثل شريحة كبيرة تتمسك بالحفاظ على شققها حتى فى ظل تحملهم ضريبة عقارية عنها «لأن العائد الذى سيأتى من استغلالها أكبر»، كما تقول حسنة الجندى، صاحبة عقار فى مصر الجديدة. ملف تفتحه الشروق: الضريبة العقارية.. ما لها وما عليها (الجزء الأول) ملف تفتحه الشروق: الضريبة العقارية.. ما لها وما عليها (الجزء الثاني) ملف تفتحه الشروق: الضريبة العقارية.. ما لها وما عليها (الجزء الثالث) ملف تفتحه الشروق : الضريبة العقارية.. ما لها وما عليها (الجزء الرابع)