فى الأيام الأخيرة، نشرت الصحف تصريحاً للسيد أنس الفقى، وزير الإعلام، يؤكد فيه إصراره على المواجهة الحاسمة لعمليات انتهاك القانون والاعتداء على حقوق اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى احتكار البث الإذاعى والتليفزيونى فى مصر، مشيرا إلى أن الدولة لن تسمح بخلق كيانات إعلامية مشوهة أو مشبوهة خارجة عن الشرعية والقانون، وستواجه بقوة شركات الوصلات والقنوات المحلية المخالفة والدوائر المغلقة وانتشار ظاهرة الوصلات بالشارع المصرى. صرح بذلك السيد وزير الإعلام، بعدما تبين كما جاء فى الخبر المنشور أن هذه الشبكات المخالفة تستخدم فى بث حفلات الأفراح وأعياد الميلاد والأفلام والأغانى وفى الدعاية الانتخابية، خاصة لمرشحى تنظيم الإخوان المحظور، وأضاف مصدر مسؤول بالداخلية أن هذه الشبكات تقوم ببث أفلام مخلة بالآداب ومسلسلات وأفلام لأصحابها حقوق خاصة بالملكية الفكرية تجب حمايتها. وتعليقا عما تم نشره ويخص هذا الموضوع، فإنه بداية لا أحد يمكن أن يؤيد مبدأ السرقة وانتهاك القانون والاعتداء على الحقوق دون وجه حق ثم التربح وجنى أموال بطرق غير مشروعة، ولا أحد يمكن أن يوافق على انتشار العشوائيات الإعلامية التى وجدت مجالا فى السنوات الأخيرة فى القنوات المشفرة، التى يقوم بعض الأفراد بفتحها للمشتركين مقابل اشتراك شهرى يقومون بتحصيله لحسابهم، إضافة إلى هذه القنوات الخاصة أو هذا الإرسال الخاص الذى ابتدعوه فى كثير من المناطق السكنية وفى بعض قرى ومراكز الجمهورية، بالتأكيد لا أحد يوافق على عدم الانضباط وعدم الشرعية. لكن هذا الإرسال الخاص يمكن أن يشير فى جانب منه إلى ما ينقص القنوات التليفزيونية المحلية التى تتبع الإعلام الرسمى وتدخل فى نطاق اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وأقصد بها القنوات من الثالثة إلى الثامنة أو التى يطلق عليها الآن اسم قنوات المحروسة التى تم إنشاؤها فى البداية بغرض خدمة المجتمع المحلى الذى تقع فى نطاقه والتعبير عن مواطنيه والكشف عن إمكانيات الإقليم وميزاته التنافسية وقدراته الاقتصادية ومواهب أبنائه الأدبية والفنية والتعليمية وأماكنه السياحية والترويحية، والغوص فى أخباره المحلية، وتتبع مشاكله فى مجال الوظائف والخدمات والإسكان والصحة والبحث عن حلول لها مع المسؤولين المحليين.. إلخ، ومجالات أخرى كثيرة تنبع من المجتمع المحلى الذى يختلف فى الصعيد عنه فى أحياء العاصمة وعلى ساحل الإسكندرية أو فى وسط الدلتا، لكن ما حدث هو أن تحولت هذه القنوات المحلية شديدة الأهمية والتأثير - إذا ما أحسن استخدامها وتوجيهها - إلى فروع للقناتين الأولى والثانية، أو إلى نسخ ضعيفة منهما، ومن موادهما التقليدية من أخبار ومسلسلات وأغان وبرامج مما دفع الناس إلى تفضيل متابعة الأصل، كما لم تمكن العاملين بها من إمكانيات مادية وتكنولوجية محدودة، من حُسن تغطية أنشطتها المحلية وترسيخ وجود مواطنيها المحليين كأبطال حقيقيين على الشاشة.. ولم توجه عملها فلسفة خاصة بتحقيق الهدف من القنوات المحلية مغايرة للقنوات العامة مما دفع الناس للانصراف عنها، وأصبح وجودها كعدمه، فى الوقت نفسه الذى نشطت فيه هذه الوصلات الخاصة الخارجة عن الشرعية والقانون فى البحث عما ينقص المجتمع المحلى وقدمته ولو بشكل بدائى إلى الناس هناك، فكسبت متابعتهم ومشاهدتهم واشتراكاتهم بها.. قدمت مواهب الشعر والأدب والخطابة، وألّف أصحابها تمثيليات بسيطة، مارس فيها هواة التمثيل هوايتهم التى لا تتيحها لهم الأعمال الدرامية بالعاصمة، أعلنوا بها عن افتتاح محال جديدة بالمراكز والقرى، وعرضوا محتوياتها وأسعار منتجاتها، أعلنوا عن أخبار الوفيات ومواعيد الجنازة وأماكن سرادقات العزاء، وأعلنوا عن الأطفال التائهين ومواصفاتهم وأرقام تليفونات أهاليهم، عن المصاهرات الجديدة وأنباء الزواج والأفراح وأعياد الميلاد التى تقام بالنوادى وكثيراً فى الحوارى والأزقة، عن أماكن بيع السلع بأثمان رخيصة، عن وصول أنابيب البوتاجاز وعن مرضى يحتاجون لعلاج وأسر وأيتام يحتاجون إلى معونات مادية. استغل أصحاب الوصلات غير المشروعة انشغال القنوات المحلية عن المجتمع المحلى، وكونوا إعلاماً شعبياً موازياً غارقاً فى المحلية شديد الصلة بالناس، خاصة البسطاء منهم، فتتبعهم الناس خاصة فى ظل مناطق محرومة من الخدمات الرياضية أو التثقيفية أو الترفيهية ويشعر مواطنوها بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية ووجدوا أنفسهم أخيراً على الشاشة، أى شاشة. ومن تجربة هذه الوصلات التليفزيونية البدائية - غير المشروعة وغير القانونية - يمكن أن نستخلص الكثير مما يفيد فى إعادة توجيه رسالة وأسلوب ومجال عمل القنوات المحلية الرسمية فى مصر، إذا ما أرادت مواجهة هذا الإعلام الشعبى الموازى والاستحواذ على مشاهديها الحقيقيين، الذين يجب أن يظلوا محليين وتظل هى قنوات بعيدة عن الفضاء. [email protected]