في ذات يوم حار عاصف كنت أسير على الرصيف على غير عادة البشر من حولي وإذ بي أرى رجلاً ضخم الجثة يصل طوله المترين عريض المنكبين أصلع الرأس وزنه يتعدى المائتان كيلوجراماً يمسك بطفل لا يتعدى عمره العشرة أعوام ضئيل الحجم رث الثياب وينهال عليه ضرباً، وعلى ما يبدو أن يده كانت "كالمرزبة" حيث أن كل ضربة من يده كانت تطيح بهذا الطفل ولولا أنه كان يضرب بإحدى يديه ويمسك الطفل بيده الأخرى لكانت أي ضربة من هذه الضربات المتكررة والسريعة والخبيرة كفيلة بأن ترجع هذا الطفل إلى بطن أمه ..... وفي قطار سريع. العجيب أن هذا الطفل ومع كل هذه الضربات كان يحاول جاهداً أن يرد على هذا الرجل بالمثل، حيث كان يكيل له ضربات سفلية مستمرة بقدميه، كمان كان يحاول عض الرجل عدة مرات وكان ينجح أحياناً مما كان يثير غضب الرجل هرقلي الحجم عنتري القوي أكثر وأكثر، وحقيقة لا أعلم من أين أتى صاحب هذا الوجه الملائكي بكل هذه الطاقة ليتحمل كل هذه الضربات التي أوجعتني أنا شخصياً مع أني مجرد مشاهد عابر سبيل. بدأ الناس يتجمعون ويتزاحمون كل مهتم بألا تفوته ضربة من الضربات أو ركلة من الركلات أو عضة من "العضات" وكأنهم يشاهدون مباراة في المصارعة الحرة غير متكافئة الأطراف حيث أن أحدهم قد نسي تناول المنشطات، اكتفى الجميع بالمشاهدة والسؤال عن سبب ضرب هذا الطفل وهنا بدأت تخرج بعض التعليقات والتلميحات "ده راجل مفتري"، "هتلاقيه مخبر وشايف نفسه"، "أكيد الواد حرامي ... شكله كده"، "حد يحوش الولد ده يا جماعة"، أيضاً اكتفى الجميع بالمشاهدة وإن كان البعض قد أبدى بعض ردود الأفعال الإيجابية، فلقد وجدت البعض "يمصمص شفايفه". في ذات يوم حار عاصف حاول طفل في العاشرة من عمره ضئيل الحجم رث الثياب الهروب من حرارة الشمس المحرقة وذلك بأن احتمى بظل إحدى السيارات، سبب اختيار الطفل لهذه السيارة بالذات أنها كانت واقفة في هذا المكان منذ فترة طويلة وهذا قد يعني أن صاحبها سوف يتأخر، كما أن السيارة والتي يبدو من كبر حجمها وفخامتها أنها غالية الثمن كان نصفها تقريباً فوق الرصيف، هذه الميزة التي جعلت من السيارة مكاناً مناسباً للهروب من أشعة الشمس في ظل عدم وجود أي مظلات تقي المارة من هذا الجو الغريب، سند الطفل بيده المتسخة على السيارة وكان يبدو عليه الإرهاق، تلفته يميناً ويساراً يؤكد أنه يبحث عن شيئاً ما أو شخصاً ما، ومظهر ثيابه الرثة يوحي بأنه يبحث عن طعام، أو من يساعده في شراء الطعام. فوجئ الطفل برجل ضخم الجثة طوله يصل المترين عريض المنكبين أصلع الرأس وزنه يتعدى المائتان كيلوجراماً يمسك به من ملابسه، كانت هناك نظرات مختلفة في عين كل منهما، نظرات الرجل كانت تحمل كل معاني الغضب والكراهية، ونظرات الطفل كانت تحمل كل معاني الدهشة والخوف، قبل أن يبدأ الرجل بالكلام أمسك بالطفل لمنعه من الهرب ثم انهال عليه ضرباً، لم يكن هناك مبرر واضح لكي يضرب هذا الطفل سوى أن هذا الرجل هو شخص مفتري ليس لديه رحمة بالضعفاء، أثناء ضرب الرجل للطفل كانت تخرج منه بعض العبارات الغاضبة "أنا هابقى هاطلع عينك يا إبن ال....." ، "محدش هيرحمك مني النهاردة" ، "ده منظر ... كده بوظت العربية" قالها وهو يشير إلى أثار يد الطفل الواضحة على السيارة. في ذات يوم حار عاصف قام رجل ضخم الجثة عريض المنكبين أصلع الرأس بركن سيارته الواضح أنها غالية الثمن على الرصيف، كان واضحاً أنه لا يبالي بأنه بهذه الطريقة سيمنع المارة من المرور من هذه المنطقة، أو أنه لاحظ أن الجميع لا يستخدم الرصيف بعد أن أصبح مكاناً "لفاترينات" المحلات أو كراسي لأصحاب المحلات أو امتداد طبيعي للقهاوي والكافيتريات، أحكم الرجل غلق السيارة واتجه مسرعاً إلى مكان لا يعلمه إلا الله .... وهو. بعد فترة طويلة اقترب طفل يبدو أنه في العاشرة من عمره ضئيل الحجم رث الثياب من السيارة، تلفت حوله يميناً ويساراً ليتأكد من أن أحداً لا يراه، تظاهر بأنه يستند على السيارة للهروب من أشعة الشمس وتخفيف الإعياء الذي يشعر به إلا أنه في الحقيقة كانت يده تخفي مشرط حاد يقوم بخلع علامات السيارة من مكانها ليبيعها في الأغلب لأحد سائقي التوك توك بخمسة جنيهات أو عشرة. رآه صاحب السيارة من بعيد فآتى إليه مسرعاً حتى لا يهرب، أمسكه من ملابسه وانهال عليه ضرباً، نظرات الطفل كانت تحمل كل معاني الدهشة لأنه لا يعلم كيف رآه وكل معاني الخوف لأنه يعلم المصير الذي ينتظره، نظرات الرجل كانت تحمل كل معاني الغضب لأن الطفل أتلف السيارة وكل معاني الكراهية لأنها المرة الخامسة التي يشتري فيها علامات جديدة "بالشيء الفلاني" للسيارة. أشار الرجل إلى مكان العلامة التالف وقال للطفل "ده منظر ... كده بوظت العربية". بقلم م / مصطفى الطبجي