فى إطار نموذج السياسات الخارجية العربية يتقدم كل من هلال وقرنى للتعامل مع واحدة من اهم واعقد المسائل التحليلية فى السياسية الخارجية ألا وهى: ما هو كنه «مخرج السياسة الخارجية»؟ أو فى عبارة اخرى: كيف تظهر علينا السياسية الخارجية؟ او فى قول ثالث: كيف يمكن التعرف على وقياس أداء السياسة الخارجية؟.. يطرح هلال وقرنى القول بأن السياسة الخارجية فى نهاية الامر ادوار ومحددات، حيث يُعرَف «الدور» باعتباره منشقا الى فرعين: احدهما مرتبط بالتوجه او التصور العام المعبر عن المعتقدات والتصورات المجتمعية، والاغلب الاعم ان تكون مسبقة، مساهمة فيها بعمق عمليات سياسية واقتصادية واجتماعية ودولية ونفسية معقدة ومتعددة المستويات، وثانيهما متصل بالسلوك المحدد بشأن قضايا بعينها فى اطار زمنى مقيد. بعبارة اخرى، إن « الدور» وفق تصور الاستاذين الكبيرين منقسم الى: اولا، مفهوم الدور، ثانيا، أداء الدور، اى ان كل صانع قرار فى السياسية الخارجية العربية لديه مفهوم للدور واسلوب لاداء هذا الدور. دعنا نناقش الاستاذين فى تصورهما: اولا، ان نموذج السياسات الخارجية يعتبر أن السياسة الخارجية هى نظام مفتوح يعبر عن تطور مجتمعى فى لحظة تاريخية محددة، آخذا فى اعتباره دروس الماضى وتصورات المستقبل. بعبارة اخرى، يدمج المعلمان اربعة مناهج مع بعضها البعض بغرض الاحاطة الكاملة لظاهرة السياسات الخارجية العربية هى: المنهج النظامى، والمنهج الوظيفى، والمنهج التفاعلى، والمنهج التطورى، ويظهر ذلك فى قولهما بتبنى تصور تحليلى يربط الاقتصاد السياسى بعلم الاجتماع التاريخى كما اشرنا فى المقال السابق، ثانيا، لهذا قام الاستاذان ببناء اطارهما التحليلى وفق اسلوب يعرف باسم «المكونات الرئيسة للتصور التحليلى العام»، وهو يستخدم عند دمج عدة مناهج لرؤية وتحليل ظاهرة معقدة. ويصير السؤال: الى اى مدى كان المزج سهلا وميسورا من الناحية الفنية من جهة، وبالتالى طارحا من جهة اخرى طاقة تحليلية اكبر للتوقع للتحولات اليومية للسياسة الخارجية؟ هذا لأن ما يقوم به الاستاذان هو محاولة دمج لما يعبر عن حالة الاستقرار والثبات كما هو الامر فى المنهجين النظامى والوظيفى مع ما يعبر عن حالة الانقطاع والتغيير كما هو الشأن فى منهجى التفاعل والتطور. طموح نظرى جبار مؤهل له اساتذان من فئة الكبار فى العلم. ثالثا، ان مفهوم «الدور» هو مفهوم وظيفى بامتياز سواء فى تصوره عند صانع القرار او فى تطبيقه او تنفيذه. وأعتقد ان اعتبار « مفهوم الدور» بهذا الشكل كمكون تحليلى رئيسى يقوم وقادر على تشويه مفهوم مهم من المفاهيم الرئيسية فى السياسية الخارجية ألا وهو مفهوم «المصلحة القومية.. ربما لهذا لا نجد مفهوم المصلحة القومية كمكون تحليلى قائد فى الاطار التحليلى للنموذج. رابعا، من الناحية المعرفية فى تحليل السياسة الخارجية يعتبر مفهوم الدور من الخلفية المعرفية لتصورات الهيمنة والتبعية، بينما مفهوم المصلحة القومية من الخلفية المعرفية للواقعية الدولية والتعاون، الصراع فى اطارها. ربما لهذا تمت صياغة الإطار التحليلى للنموذج فى سياق فهم النظام الدولى باعتباره نظاما ترتيبيا بامتياز، اى أن القوة الكبرى تسيطر دائما على القوى الصغرى. خامسا، الاستاذان يريان أن النظام الدولى يتغير فى اطار الاستمرار فى معالم القوة الدولية المعروفة، بينما أعتقد ان النظام الدولى الحالى يحتوى على عوامل للتغيير والتغيير اكبر ثقلا من عوامل الاستمرار والثبات، ربما لهذا يعتقد الاستاذان الكبيران أن صانع القرار يحتاج الى نفاذ رؤية لادراك الفرص الدولية، بينما اعتقد ان صانع القرار يحتاج الى معرفة من طبيعة مختلفة لتخليق الفرص الدولية. لهذا يعتمد الاطار التحليلى مفهوم «الدور»، بينما أعتمد على مفهوم «المصلحة» فى رؤية فرص السياسة الخارجية. ونستمر فى العرض.