◄◄ عز قرأ الدوائر بطريقة غير مسبوقة فجاء تكتيكه: «مين هيرمى على مين فى الانتخابات» يشرح أحمد عز، أمين تنظيم الحزب الوطنى، كيف تم التخطيط لانتصار الحزب فى انتخابات 2010 على الإخوان فى الصياغة التالية: «كيف حدث هذا؟ وكيف وصلنا؟ أنا أعتقد أن العنوان الرئيسى لانتخابات الأحد 28 نوفمبر 2010: كيف أسقط الحزب الوطنى التنظيم المحظور. نحن نعلم أن أقوالهم لا تتفق مع أفعالهم، ومن لا يقرأ المقدمات لا يفاجأ بالنتائج».. حلل أحمد عز عوامل إسقاط الحزب الوطنى لمرشحى الإخوان المسلمين فى عاملين: حسن قراءة الوطنى للدوائر الانتخابية بطريقة غير مسبوقة استندت إلى استطلاعات رأى أجريت بدقة على مستوى كل مقعد، وأضاف قائلاً: «إن نظام الانتخابات فى مصر لابد من إنشاء تحالفات فيه، ومن الصعب فوز مرشح دون حليف على المقعد الثانى الموجود بنفس الدائرة، وبتحليل انتخابات 2005 تظهر خريطة التحالفات التى دخل بها مرشحو الإخوان، وعليه كان التكتيك، مين هيرمى على مين فى هذه الانتخابات، وأغلقنا هذا الكنز الذى ملأت الإخوان منه بطونها فى انتخابات 2005، ورددنا الكتلة التصويتية للجماعة إلى أصلها». هذا التكنيك الفريد فى الحقيقة نجد أصولا تخطيطية له فى كتاب صدر للكاتب تحت عنوان «الإصلاحيون الجدد» فى 2007، دار الحرية، فى هذا الكتاب حكى قصة بداية التدريب السياسى فى الحزب الوطنى والدور التأسيسى للكاتب فيه بدأ منذ 1996. على أية حال تضمن الكتاب فصلاً عن نشأة التدريب السياسى فى أمانة القاهرة للحزب الوطنى، وكيف تم تحويل التفكير السياسى من القضايا النظرية والأيديولوجية إلى القضايا العملية - الحركية. فى هذا السياق من الفهم العملى تم خلق نظام من الخرائط لتعبر عن ثلاث مجموعات من الخرائط، أولها الخرائط الاجتماعية للقسم السياسى: خريطة المهن، وخريطة الثروة، وخريطة النفوذ، وخريطة الموارد، ثانياً: خريطة الخدمات بأشكالها وأنواعها المختلفة، ثالثا: خريطة العداء السياسى، حيث يتضمن محاور الأصدقاء والأصدقاء من ناحية ومحاور العدائيات من ناحية أخرى، وتم تطوير هذا البرنامج فى 1997 ليتضمن التعامل مع الأشكال الاجتماعية المختلفة التى تشكل جماعة اجتماعية على مستوى الدائرة والقسم. قولى هذا يقف شاهداً على أن الحزب الوطنى تطور تدريجياً تنظيمياً حتى وصل إلى التحول الشامل للحزب فى 2002 وإبداع منطق الفكر الجديد. بعبارة أخرى، إن تكتيكات أحمد عز كانت تطوراً متصلاً من جوف الحزب الكبير. نعم لأحمد عز إبداعه الخاص ولمساته السحرية التى تمثلت فى القدرة على تطبيق الفكر الهندسى من أجل خلق منظمة حزبية متماسكة تستند على عمليات التخطيط والرقابة وتحديد المعلومات الخاصة بالقرار التنظيمى وتجميعها وتحليلها. استطاع أحمد عز مع تصاعد تعقيد التعاملات وزيادة عدد المتغيّرات فى الحياة السياسية والاجتماعية منذ 2005 عندما تولى أمانة التنظيم، أن يعتمد على نماذج معقدة تتيح تجميع المعطيات والمتغيرات الكثيرة فى صورةٍ إجمالية متكاملة واضحة تتيح جدولة الأعمال التنظيمية والمهمّات والموارد وفق الاحتياج فى ضوء مراعات السرعات الاجتماعية والسياسية المختلفة للسياسات المطبقة. ومن ضمن ما استخدمة المهندس أحمد عز من مفاهيم ونماذج كان مخطّط جانت Gantte chart يُبيِّنُ العلاقة بين العمل المخطّط والعمل المنجز على محور تنظيمى ما بالمقارنة مع الوقتِ المنقضى على المحور تنظيمى الآخر، واستخدم أيضا فنيات الجدولة scheduling التى تنصرف إلى تحديد الفعاليات المطلوبة وترتيبِ أدائها والأشخاصِ المطلوبين لأداء كل مهمة وموعدِ إنجازها، فتم تحديد مخرجات المخطّط والمحقق فعلاً على امتداد الفترات الزمنية، وبين مخطط جانت رسومات للمواعيد التى يفترض إنجاز المهام عندها ومقارنة ذلك بالتقدم الفعلى المستجسد فى كل مخرج، كما استخدم أحمد عز فنيات هندسية وعلمية أخرى لحسابات التوقع. استطاع أحمد عز أن يولف المنطق الهندسى ليتواءم مع النمطق التنظيمى ومن ثم مع المنطق الحزبى. كانت ومازالت عمليات التوالف والمزج والاستخراج عملية ضخمة تنفيذيا وتتطلب إبداعا يوميا. وكانت خبرة الأستاذ صفوت الشريف بخلفيته العسكرية الانضباطية والإدارية الممتازة والمتميزة فى حل وإدارة المشاكل البيروقراطية والإنسانية، والأستاذ جمال مبارك كخبير بارز فى إدارة الأعمال والتى حصل فيها على تأهيل وتدريب أكاديمى داخل مصر وخارجها، بالإضافة إلى خبراته الطويلة فى إدارة منظمات إدارة الأعمال الناجحة، والدكتور على الدين هلال المعلم وأستاذ العلوم السياسية والمتخصص أصلا فى التنظيمات السياسية المصرية وتطورها التنظيمى، كانت خبرة هؤلاء كلهم ومن ساعدهم من اقتصاديين وعلميين وباحثين فى العلوم السياسية وخبراء إعلام نابهين مدخلاً لإجادة العملية وتطوير أداء الحزب فى معاركه الشرسة حتى تماسك الهيكل الجديد وصلب عودة ونهض ليغير مصر. لم يكتف أحمد عز بهذا الإطار التنظيمى فقط بل قام بخلق إطار تنظيمى آخر تحت مسمى «الجمعية الوطنية للسياسات الاقتصادية» التى أنشئت بهدف إمداد أعضاء الحزب الوطنى ونوابه فى البرلمان بالمعلومات الهامة والأبحاث والتقارير الخاصة بالقضايا الملحة والتى تحتاج إلى دراسة دقيقة. هذه الدراسات والأبحاث يقوم بها عدد من الشباب من خريجى مختلف الكليات وعلى رأسها كلية الاقتصاد والعلوم السياسية التى يشكل خريجوها حوالى 90% من أعضاء الجمعية، فيها يتقدم الخريج الجديد للجمعية بالسيرة الذاتية الخاصة به ويجرى اختباراً شخصياً يسأل فيه عن وجهة نظره فى الحزب الوطنى، وكيفية تناول الحزب لمختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما رأيه فى جماعة الإخوان المسلمين «المحظورة»، ولماذا تسيطر على الشارع المصرى؟ علما بأن إدارة كلية الاقتصاد- ممثلة فى قسم الخريجين - من جهتها تنفى أن يكون لها أى مصلحة فى ذلك، موضحة أنها تقوم بذلك من باب «مساعدة الطلاب وتوفير فرص عمل مناسبة لهم خلال ملتقى التوظيف السنوى الذى تقيمه الكلية بالتعاون مع عدد من المؤسسات ومنها الجمعية الوطنية»، وكان د. على الدين هلال، أمين الإعلام فى الحزب الوطنى، هو أول من دشن هذا الاتجاه. ولم تكتف الجمعية بالتنسيق مع كلية الاقتصاد فقط «لتوريد خريجين إليها» بل قامت بالإعلان عن ذلك فى العديد من المنتديات على الإنترنت، وحددت الشروط التى ينبغى توافرها فى المتقدمين للجمعية ب«أن يكونوا حديثى التخرج، حاصلين على تقدير عام جيد على الأقل، لديهم استعداد للسفر إلى جميع المحافظات، ملمين إلماما كاملاً بمهارات الكمبيوتر Microsoft Office، أدوا الخدمة العسكرية أو أعفوا منها»، أما المستندات المطلوبة لدخول الجمعية فهى: السيرة الذاتية، وشهادة التخرج، والموقف من التجنيد، وشهادات تفيد الحصول على دورات الكمبيوتر (إن وجدت)، وصورة شخصية حديثة، ويقوم عضو الجمعية الوطنية بعد مرور فترة معينة من التدريب بتقديم الدراسات والتقارير التى تكلفه بها الجمعية، بالإضافة إلى متابعة أداء الحزب الوطنى فى الشارع، وتقديم تصورات حول كيفية تحسينها ومقارنتها بالأحزاب الأخرى ورصد الأداء البرلمانى لأعضاء الحزب وهذا فى الأمور العادية، أما فى القضايا الطارئة فيقومون باستطلاع رأى المواطنين بشأن هذه القضايا. أيضاً هناك إطار تنظيمى ثالث، وهو الجمعية الوطنية لمسؤولى الاتصال السياسى «Officials of political communication»، وهى الوظيفة الجديدة التى استحدثها أمين التنظيم لمزيد من التواصل بين أمانات الحزب فى المحافظات وبقية الأعضاء من جهة، وبين الأمانة المركزية العامة والقيادات من جهة أخرى. مسؤولو الاتصال السياسى المنتشرون فى كل محافظات الجمهورية لديهم «سيرة ذاتية» كاملة لكل أعضاء مجلسى الشعب والشورى وقيادات الحزب فى المحافظة المسؤول عنها.. وتزداد أهمية هؤلاء المسؤولين عند اختيار قيادات الحزب بالمحافظة، واختيار مرشحى الحزب فى مجلسى الشعب والشورى وإجراء الانتخابات الداخلية للحزب (على مستوى الوحدات الحزبية والمركز والمحافظة) وذلك بناء على التقارير التى يقدمونها. ورغم أهمية دور مسؤولى الاتصال السياسى، فإن الدور يتعاظم أكثر ويصل إلى ذروته عند حشدهم لنواب الحزب الوطنى، فهم يتلقون رسائل مباشرة من أحمد عز أمين التنظيم بضرورة تواجد نواب محافظتهم فى البرلمان فى حالات التصويت على مشروعات القوانين الهامة، لأن هذه هى مسؤوليتهم المباشرة والأساسية. والإطار التنظيمى الرابع يتمثل فى «الاجتماعات المغلقة للتشاور والتنسيق» آخر وسائل عز للسيطرة على مقاليد الحزب الوطنى، وهذه المرة لن يكون الشباب هم الأداة وطرف اللعبة، بل نواب الحزب فى مجلسى الشعب وأمناء المحافظات، وتتم هذه الاجتماعات عندما يكون هناك أمر طارئ مثل التعديلات الدستورية ومناقشة التدابير المالية الجديدة، أو عند الحاجة لتمرير مشروع قانون سريعاً قد يثير الرأى العام، كما حدث فى قانون الطفل وقانون الهيئات القضائية الأربع، أو عند مناقشة قضية داخلية خاصة بالحزب. هذه الأطر التنظيمية الأربعة الكبرى التى استخدمها أحمد عز ورفاقه والمتعاونون معه. بعبارة أخرى إن ظاهرة أحمد عز هى ظاهرة مؤسسية بامتياز ليست معبرة عن فرد، ولكن معبرة عن توجه مؤسسى سياسى. دائما كانت القوى المدنية تعانى مع معضلة بناء تنظيم فعال فى الشارع، وكانت والتنظيمات الأيديولوجية فقط هى القادرة على الهروب من هذه المعضلة، الآن من خلال نموذج أحمد عز تستطيع القوى المدنية غير الأيديولوجية أن تنظم نفسها وتعيش وتؤثر فى الواقع السياسى.