«خديجة»، أرملة عمرها 32 سنة، لديها بنتان وولد وهى «متعايشة» مع الفيروس منذ خمس سنوات. وبنظرة إلى حياتها، نجدها تركت المدرسة بعد انتهاء المرحلة الابتدائية، وتزوجت عند بلوغها 17 سنة، وعمر زوجها فى ذلك الوقت 25 سنة، وهو حاصل على الشهادة الإعدادية، وآخر عمل له قبل وفاته سائق ميكروباص. المحنة بدأت بظهور أعراض المرض عليه، قبل فقد الوزن والشعور بالآلام فى كل أعضاء جسمه، وبمجرد تشخيص إصابته بالإيدز، طلب منه الأطباء عدة مرات أن يحضر زوجته لإجراء اختبار لها. وبعد تردد طلب منها الذهاب إلى وزارة الصحة لإجراء اختبار فيروس «سى»، لكنه فى الحقيقة كان اختبارًا للإيدز. ومع ظهور النتيجة، وإصابتها بالإيدز، دهش الأطباء من رد فعلها الهادئ والمتزن، خاصة عندما سألوها عن مدى فهمها لنتيجة الاختبار، وعما إذا كانت ترغب فى الطلاق من زوجها، ولكنها رفضت وقالت إنها ستبقى مع زوجها«يا أنا أدفنه يا هوّ يدفنى». وتقول خديجة: «كل ما يكلمنى يقول سامحينى»، ورد فعله كان سيئاً جدا عندما عرف بإصابته بفيروس الإيدز، فقد أصبح يائسا ومكتئبا، وتوقف عن العمل حتى قبل أن تتدهور حالته الصحية، وأفرط فى التدخين وتعاطى المخدرات للهروب من متاعبه وواقعه ولم يعد يفكر إلا فى الموت، كنت منهارة ومعاملة الناس فى وزارة الصحة هى التى انتشلتنى. وخلال جلسات المشورة تعرفت خديجة على الطرق المختلفة لانتقال العدوى، وأدركت أنها لا تشكل تهديدا بالنسبة لأبنائها، وهى كانت تعلم أن زوجها كان يمارس الجنس بمقابل مادى يحصل عليه لاستكمال بناء الشقة، التى سينتقلون إليها، اعترف لها زوجها بذلك. وبعد انتقالهم إلى الشقة الجديدة بدأ زوجها يعانى من أعراض الإيدز وأمراض أخرى كثيرة، وهى الأعراض التى استمرت سنة، كان قد كره خلالها الحياة، إلى أن تم إلقاء القبض عليه لسرقته هاتفاً محمولاً ووضع فى الحجز وتوفى بسبب مشاجرة مع بعض المحتجزين معه لأنه أخبرهم بأنه مريض بالإيدز بغرض تهديدهم فاعتدوا عليه بالضرب. وتواصل: السنة دى كنت بجيب الأكل من السوق.. من زبالة السوق.. مفيش أى مساندة من أهله ولا أهلى. لما توفى زوجها مرت خديجة بمرحلة أسوأ حيث أصبحت أرملة، وحاولت أسرة الزوج مضايقتها وطردها من الشقة خاصة بعد تشخيص حالتها بالرغم من علمهم بأن العدوى انتقلت إليها من زوجها، وأخبروا الجيران والأصدقاء والأقارب بحقيقة إصابتها بالفيروس ولم تظهر أعراض المرض على خديجة إلا بعد وفاة زوجها بفترة لذلك استطاعت أن تعمل 8 شهور فى مصنع ملابس بالجيزة لكنها تركته، بسبب طول فترة ساعات العمل وعدم وجود من يعتنى بأبنائها أثناء غيابها. ولم تتمكن من الاستمرار فى أى عمل منتظم وبدأت تفقد الكثير من وزنها ولم تعد قادرة على الاستمرار فى العمل، وظنت أنه «الموت» فانتظمت فى التردد على مقر البرنامج الوطنى لمكافحة الإيدز للمتابعة الشهرية وصرف العلاج وتلقى المشورة. تعتقد خديجة أن المرأة فى مصر لا تستطيع حماية نفسها من انتقال العدوى بالفيروس إليها، وتتمنى خديجة أن تتم توعية كل السيدات والفتيات والشباب بخطورة المرض وكيفية العدوى، وتساءلت عن سبب غياب أى معلومات عن الإيدز فى وسائل الإعلام، وتنصح بضرورة الكشف على المقبلين على الزواج. وتشعر خديجة يأنها وحيدة تماما فى محنتها، فهى أصغر إخوتها الثمانية، حيث تباعد عنها كل إخوتها وطلبت والدتها منهم أن يتوقفوا عن زيارتها، تقول خديجة: «حتى إخواتى البنات لو رحت لواحدة منهم تكرشنى وتقول: إنتى هتجيبلنا الوبا.. ثم تقوم بغلى الفراش الذى جلست عليه بالبوتاس، حتى لو شربت فى كوباية بيكسروها». لذلك فهى نادمة على إطلاعهم على حقيقة مرضها وقررت الامتناع عن زيارة إخوتها نهائيا. حاولت خديجة أن تشرح للمجتمع المحيط بها أنها لن تنقل لهم العدوى إذا ذهبت لتنظيف السلالم مثلا، ولكن لم يصدقها أحد حتى الأطباء العاملون فى عيادات أحد المساجد الذى كانت تتردد عليه للحصول على المساعدة، طلبوا منها عدم الحضور نهائيا. تقول خديجة: «الشخص الوحيد الذى وقف معى هو والد زوجى وكان يطلب من بناته دائما أن يحسنّ معاملتى» ويخبرهن أن شقيقهن أساء إليها، وأنه السبب فى إصابتها بالعدوى، ومع ذلك فهى ترعى أبناءه بدون شكر. وبعد وفاته ازدادت مشكلات خديجة سوءًا، حيث طلبت منها شقيقة زوجها مغادرة الشقة، وعندما رفضت اعتدت عليها بالضرب وألقتها خارج المنزل. وبعد فترة طويلة من المعاناة، تعرفت على سيدة «متعايشة» مع الإصابة بالفيروس، سيدة شربت من نفس الكأس التى شربت منها، فقررت أن تساعد خديجة فى محنتها، بعد أن كان أولادها يخافون ملامستها بعد وفاة أبيهم وانقطاع أقاربهم عن زيارتها. نجحت هذه السيدة فى تحويل الأمور لصالح خديجة، فتقوم والدتها الآن بزيارتها وتساعدها فى أعمال المنزل وتغيرت معاملة أبنائها لها فأصبحوا يسمحون لها باحتضانهم وتقبيلهم. وفى المقابلة الثانية لفريق البحث معها، كانت خديجة أكثر مرحا وبدت «مصممة» على الكفاح من أجل حصول أولادها على ميراثهم بمساعدة زوج أختها الكبرى وصديقتها الجديدة.