الرئيس الذى يقول «لا»

بعد موجات من التفاؤل جاء خطاب التنصيب الذى ألقاه أوباما ليضع حدودا لتوقعات العالم. وفى فيلمه الجديد «نعم سيدى» كانت الشخصية التى يؤديها جيم كارى مقتنعة بحتمية أن يقول نعم لكل شىء، وفى البداية كان لهذا مفعول السحر لكنه انتهى به فى المستشفى، وهنا يأتى التساؤل هل سيكون باراك أوباما بعد عدة أشهر هو ذلك الشخص الذى يحيط به حشد من الناس، يؤكدون دائما «نعم يمكننا فعل ذلك»؟!.
لقد أثار انتخاب أوباما موجة من التفاؤل والأمل، لكن عندما تتذكره الأجيال المقبلة سيكون الأهم فى ذكراه أنه هو الرجل الذى قال «لا نحن غير قادرين على فعل هذا»، ولذلك قد يكون هو الرجل الذى تبحث عنه أمريكا والقادر على نشر فكرة أنه حتى أمريكا قد تكون غير قادرة على فعل شىء ما.
وفى خطابه أكد أوباما المقولات التى تشير إلى تراجع الثقة فى أمريكا فى مختلف أرجاء العالم، وتطالب الأجيال الجديدة بتخفيض تطلعاتها معلنا أن هذا هو التحدى المقبل الذى سيعمل على مواجهته.
وأكد أن بإمكان واشنطن فعل أى شىء بالدمج بين الخيال والحماس والشجاعة، لكنه عاد للواقع واصفا الأوضاع الراهنة فى بلد فى حالة حرب وتضرر اقتصادها بشدة وهو ما يجعل الخيارات صعبة، ولذلك حرص على الوعد بمواجهة التحديات لكنه لم يعد بالتغلب على المصاعب.
وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية جاءت رسالته لتطالب بضبط النفس، وقال إن الأجيال السابقة كانت على علم بأن قوتنا تتعاظم من خلال الاستغلال الحكيم لها، ويتأكد الأمن من خلال التواضع. ولذا يمكن اعتبار خطاب أوباما بمثابة تقليص للتوقعات وتحذير لأنصاره لفهم الحدود المعقولة للتغيير الممكن فى ظل العراقيل الموجودة. وهى اللهجة التى اختلفت كثيرا عن لهجته خلال الحملة الانتخابية، فكالعادة التفاؤل يجذب الناخبين نحو صناديق الاقتراع.
ولذا من المرجح أن يكون أوباما، بعد تاريخ طويل من ترديد الأمريكيين لجملة «نعم نستطيع»، هو الرجل الذى سيجرؤ على كبح جماح ذلك التفاؤل، خاصة أن أحلامه التى تحدث عنها لم تكن «مدوية» كأحلام مارتن لوثر كينج، بل كانت هادئة ومتشائمة بعض الشىء.
وقد يكون أوباما الرئيس المقبل الذى يحجم مغامرات أمريكا فى الخارج، وكذلك قد يكون الرئيس الذى يقود تحرك أمريكا من القوة العظمى الوحيدة إلى دولة تقبل بالمشاركة فى قيادة العالم، متفهما خلال ذلك الانتقال القيود المالية التى تعانيها البلاد.