بنظرة مليئة بالحزن.. ووجه طمست ملامحه جروح مضت تاركةً آثارها فى وجهها الصغير. إلى جانب ذكريات مؤلمة لمواقف لن تنساها أبداً.. تحكى عن حوداث إختطافها واغتصابها وكأنها تتحدث عن مواقف عادية أو بالأحرى اعتادت عليها.. وكغيرها من بنات الشوارع تعيش ياسمين، التى لا يتعدى عمرها ال24 عاما، فترة الصباح فى أى مأوى أو دار لاستقبال الأمهات وأطفال الشوارع تبحث فيها عن مكان للنوم إلى أن يطل المساء حتى تعود إلى الشارع تتقابل مع مثيلاتها أو تذهب مع آخرين لتقضى معهم ساعات الليل «الطويلة» على حد وصفها. مبيتها الدائم ما بين أرصفة الشوارع وأسفل كوبرى إمبابة... جعلها تفكر كثيرا فى مصير ينتظر جنينا حملته سفاحا وهى حاليا فى شهرها الثامن، فمن وجهة نظرها إذا أنجبت ولدا فسيصبح مصيره السجن..والأسوأ إذا وضعت بنتاً فعلى حد قولها: «لن أستطيع الحفاظ على عذريتها قبل ان تبلغ سن النضوج فحتما ستلاقى نفس المصير الذى واجهته أمها» وهو ما دفعها للتفكير فى بيع طفلها. تتذكر ياسمين اللحظة التى قررت فيها الهروب من منزل زوجها لتترك وراءها طفلتين لم تتجاوزا الأربع سنوات.. قررت الهروب من قسوة ما عانته مع «حماتها» لأنها لم تنجب الولد لزوجها، الأمر الذى حول حياتها الى جحيم وجعلها تفضل الهروب إلى الشارع على أن تبقى فى منزل زوجها. تحاول ياسمين ان تخفى حملها بإحدى الوسادات لتتكلم عن حياته «النظيفة» -على حد قولها-والتى كانت قبل اللجوء للشارع الذى قادها للحمل: «جحيم الشارع ولا جنة حماتى، منذ ان فقدت ابنى اتهمتنى بالإهمال وبدأت فى تعذيبى بشتى الطرق إما بالقول او الضرب فى بعض الأحيان لأقل الأسباب، وقتها لم أر حلا سوى الهروب الى الشارع بعيدا عن منزلى (حتى لا يعرف احد لى طريق جرة)، صحيح مش من السهل على إن أحرم نفسى من رؤية بناتى، ولكن المخدرات وأصحابى الجدد من الشارع يجعلوننى انسى مأساة حياتى، ولكن الثمن غال خاصة بعد تكرار تعرضى للاغتصاب من بعض الشباب بحجة انه ثمن حمايتهم لى من مخاطر الشارع، وبالطبع كانت النتيجة اننى أصبحت حاملا دون ان أعرف ابا لابنى». مشكلتها التى عرفها كل زملائها من الشارع جعلتها تكون مصدر شفقة لبعضهم وطمعا لآخرين، فبجوار احدى الحدائق العامة التى طالما باتت فيها ليلا من شدة آلام الحمل دفعت احدى بائعات الفاكهة بجوار تلك الحديقة ان تعرض عليها حلا لمشكلتها وهو ان تبيع طفلها بمجرد ولادتها له. بدأت قصة البيع كما ترويها ياسمين «قالت لى ام محمود بائعة الفاكهة : بيعيه وريحى نفسك ..واكسبى قرشين يعيشوكى بدال ما تمدى إيدك للرايح والجاى ».. من كثرة إلحاح أم محمود عليها قررت أن تعرف تفاصيل البيع، وبالفعل قامت بائعة الفاكهة بتحديد موعد للأسرة التى ترغب فى شراء الطفل،إذ وصفتهم ياسمين :«ناس أغنياء قوى وباين من عربيتهم الفخمة ..بس مش على ديننا .. عرضوا عليا 2000 جنيه للى فى بطنى لو كانت بنت ولو ولد هيبقى ليه سعر تانى خالص». بالطبع ما تعيشه ياسمين دفعها للموافقة على العرض فحسب كلامها: «إحنا غلابة ..ومالناش مكان نروح فيه ولو ولدت إبنى هعمل بيه ايه فى التشرد اللى احنا فيه دا حياة الشارع صعبة قوى ..انا حتى فكرت فى انى اسيبه قدام ملجأ ..أحسن من اللى هيشوفه معايا» ياسمين تنتظر ميعاد ولادتها خلال ذلك الشهر حتى تقوم ببيع طفلها إلى الأسرة التى عقدت معها الإتفاق، وما هى إلا أيام قليلة حتى تطرق أم محمود بائعة الفاكهة ابوابها لتكتمل صفقة بيع الطفل الى تلك الاسرة.