خالد جلال: على الأهلي اللعب بتشكيله الأساسي أمام بلدية المحلة    عاجل.. موقف الأهلي من التعاقد مع نجم صن دارونز    الآن رسميا.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم السبت 11 مايو 2024 بعد آخر انخفاض    موازنة النواب عن جدل الحساب الختامي: المستحقات الحكومية عند الأفراد والجهات 570 مليار جنيه    عز ينخفض لأقل سعر.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 11 مايو بالمصانع والأسواق    الزراعة: زيادة الطاقة الاستيعابية للصوامع لأكثر من 5 ملايين طن    نشرة التوك شو| أزمة قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية وانخفاض أسعار الدواجن والبيض    الحصيلة 520 شهيدا .. مقبرة جماعية ثالثة في مجمع الشفاء الطبي والسابعة في مستشفيات غزة    حزب الله اللبناني يعلن استهدف مبنى لجنود إسرائيليين في مستعمرة المطلّة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    الإمارات تحرج نتنياهو وترفض دعوته بشأن غزة: لا صفة له    الهلال ضد الحزم.. أكثر 5 أندية تتويجا بلقب الدوري السعودي    خبير دستوري: اتحاد القبائل من حقه إنشاء فروع في كل ربوع الدولة    الشعبة تكشف تفاصيل تراجع أسعار الدواجن والبيض مؤخرًا    حكام مباراة بلدية المحلة والأهلي.. ناصف حكم ساحة.. وطارق مجدي للVAR    ملف يلا كورة.. استمرار غياب الشناوي.. الأهلي لنهائي دوري السلة.. وجائزة تنتظر صلاح    زى النهارده.. الأهلى يحقق رقم تاريخى خارج ملعبه أمام هازيلاند بطل سوازيلاند    أبرزها الأهلي أمام بلدية المحلة، حكام مباريات اليوم بالدوري الممتاز    مأمورية من قسم الطالبية لإلقاء القبض على عصام صاصا    وفاة شاب في حادث تصادم دراجة نارية وتروسيكل بالفيوم    بقلم ميري، معلمة تصفع طفلا من ذوي الهمم يهز ضمير الإنسانية في الأردن    ننشر درجات الحرارة المتوقعة اليوم السبت فى مصر    آبل تخطط لاستخدام شرائح M2 Ultra فى السحابة للذكاء الاصطناعى    السياحة عن قطع الكهرباء عن المعابد الأثرية ضمن خطة تخفيف الأحمال: منتهى السخافة    حظك اليوم وتوقعات الأبراج السبت 11 مايو على الصعيد المهنى والعاطفى والصحى    برج العذراء.. حظك اليوم السبت 11 مايو: انصت لشريك حياتك    عمرو دياب يحيى حفلا غنائيا فى بيروت 15 يونيو    أبناء السيدة خديجة.. من هم أولاد أم المؤمنين وكم عددهم؟    تناول أدوية دون إشراف طبي النسبة الأعلى، إحصائية صادمة عن حالات استقبلها قسم سموم بنها خلال أبريل    القوافل العلاجية تبدأ أعمالها فى مدينة حلايب اليوم ضمن "حياة كريمة"    المواطنون في مصر يبحثون عن عطلة عيد الأضحى 2024.. هي فعلًا 9 أيام؟    مصرع شاب غرقًا في بحيرة وادي الريان بالفيوم    نتائج اليوم الثاني من بطولة «CIB» العالمية للإسكواش المقامة بنادي بالم هيلز    محمد بركات يشيد بمستوى أكرم توفيق مع الأهلي    «أنصفه على حساب الأجهزة».. الأنبا بولا يكشف علاقة الرئيس الراحل مبارك ب البابا شنودة    القانون يحمى الحجاج.. بوابة مصرية لشئون الحج تختص بتنظيم شئونه.. كود تعريفى لكل حاج لحمايته.. وبعثه رسمية لتقييم أداء الجهات المنظمة ورفع توصياتها للرئيس.. وغرفه عمليات بالداخل والخارج للأحداث الطارئة    رسائل تهنئة عيد الأضحى مكتوبة 2024 للحبيب والصديق والمدير    حظك اليوم برج الأسد السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج الميزان السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج العقرب السبت 11-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    زيادات متدرجة في الإيجار.. تحرك جديد بشأن أزمة الإيجارات القديمة    هل يجوز للمرأة وضع المكياج عند خروجها من المنزل؟ أمين الفتوى بجيب    الإفتاء تكشف فضل عظيم لقراءة سورة الملك قبل النوم: أوصى بها النبي    النائب شمس الدين: تجربة واعظات مصر تاريخية وتدرس عالميًّا وإقليميًّا    الحكومة اليابانية تقدم منح دراسية للطلاب الذين يرغبون في استكمال دراستهم    5 علامات تدل على إصابتك بتكيسات المبيض    لأول مرة.. المغرب يعوض سيدة ماليا بعد تضررها من لقاح فيروس كورونا    الجرعة الأخيرة.. دفن جثة شاب عُثر عليه داخل شقته بمنشأة القناطر    هشام إبراهيم لبرنامج الشاهد: تعداد سكان مصر زاد 8 ملايين نسمة أخر 5 سنوات فقط    على طريقة القذافي.. مندوب إسرائيل يمزق ميثاق الأمم المتحدة (فيديو)    حكومة لم تشكل وبرلمان لم ينعقد.. القصة الكاملة لحل البرلمان الكويتي    رؤساء الكنائس الأرثوذكسية الشرقية: العدالة الكاملة القادرة على ضمان استعادة السلام الشامل    هل يشترط وقوع لفظ الطلاق في الزواج العرفي؟.. محام يوضح    جلطة المخ.. صعوبات النطق أهم الأعراض وهذه طرق العلاج    زيارة ميدانية لطلبة «كلية الآداب» بجامعة القاهرة لمحطة الضبعة النووية    5 نصائح مهمة للمقبلين على أداء الحج.. يتحدث عنها المفتي    نائب رئيس جامعة الزقازيق يشهد فعاليات المؤتمر الطلابي السنوي الثالثة    بالصور.. الشرقية تحتفي بذكرى الدكتور عبد الحليم محمود    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بروكلين هايتس
فلآت بوش
نشر في أخبار الأدب يوم 27 - 03 - 2010

تراه علي خرائط الإنترنت وهي تبحث عن غرفة واحدة تصلح للإيجار في منطقة "بروكلين".
تراه في عدسة الجوجول حارة ضيقة مليئة بالالتواءات، تراه يتعامد علي"بروكلين بريدج" ذلك الجسر الممتد الطويل الذي يربط الجزيرتين، يعبر علي الجسر المشاة والعربات الأنيقة والسياح الذين يتأملون من فوق الجسر غروب الشمس وحدود "منهاتن" التي تبدو من فوقه كعكة مليئة بالشموع، تفاحة مستديرة ومشتهاة بأبراجها المضاءة، تترك"منهاتن" المشتهاة وراءها ومن بين كل الشوارع تختار"فلات بوش" لأنه يصلح لها وهي تركض حاملة وحدتها، وعدة حقائب، وطفلا يتساند عليها كلما تعب من المشي، وعدة مخطوطات لحكايات لم تكتمل تضعها في حقيبة صغيرة علي ظهرها مع باقي الأوراق المهمة مثل :شهادات الميلاد، أوراق الإقامة وشهادات التخرج شهادات تطعيمات من الأمراض، شهادات الخبرة وبعض أوراق بنكية، وعقد إيجار وقعته لشقة لم ترها. تعرف فقط أن موقعها يتعامد علي فلات بوش مع الافنيو السابع وأنها تجاور الحديقة الكبيرة من عدة جهات، وأنها تقع في قلب منطقة قديمة في بروكلين تسمي بارك سلوب- حديقة سلوب- تبحث عن معني سلوب في القاموس فتجدها :حافة الجرف.. تتأكد أنها في المكان المناسب لحالتها النفسية، تسير في فلات بوش الممتد من الجسر غربا حتي حدود بروكلين الشرقية، تسير معه بحثا عن موقعها فيه، يمتد الشارع أمامها طويلا عريضا يشهد عدة فتحات وخطوط طولية تقتحمه وتتعامد معه وتتقاطع حاملة أسماء وأرقاماً مختلفة، تسير فيه علي مهل وبحذر لأنه يفضي إلي مجاهل قد لا تعرف الرحمة، ولأنها خائفة معظم الوقت، وتصحب طفلا في يدها فقد اكتفت بارتياد المربع الآمن حيث تفوح من المقاهي رائحة الأطفال والحليب والقهوة، وتجر جليسات الأطفال- السمراوات في الغالب-عربات الرضع وهن يتحدثن في الغالب أيضا في الهواتف المحمولة ويغطي صوت قهقهة مرتفعة علي صراخ الأطفال المتضررين في عرباتهم.
تتكاثر المطاعم والمقاهي في الحارات المتقاطعة التي تتباري في إضفاء هذا القدم والأناقة الكلاسيكية التي تبدو في طرز وحقب الأثاث الخشبي، ألوان خشب المقاعد، الصور الزيتية القديمة التي تصبح جزءاً أساسياً من طبيعة المكان. تسير في الشوارع حيث يبدو الولع بكل ما هو قديم- أو يوحي بذلك- هوسا في كل مكان، هوسا يرافق رائحة القهوة والنظارات الطبية وأرق الكتابة والركض علي الأرصفة لفقد بعض الكيلوجرامات، وتمشية الكلاب الأليفة المدللة بأناقة، والتنزه أثناء التفكير بعمق في المراحل المختلفة لكتابة نص أو تأليف مقطوعة موسيقية أو حتي للاسترخاء استعدادا لجلسة ريكي أو يوجا.
تتأكد حين تراهم حولها أنها اختارت المكان المناسب تماما لمزاجها النفسي حيث يبدو كل ما حولها بالغ القدم، يثير الحنين ويبدو كل من حولها مشغولين في عملية الخلق الكوني.
كلهم كتاب مثلها، يحملون حقائب مكدسة بمخطوطات أحلامهم، ويبحثون عن الوكلاء الأدبيين ودور النشر ويحترمون المحررين الصغار في صفحات الأدب لأنهم سيكتشفون موهبتهم بالصدفة ويكتبون عنهم باقتضاب فتتحقق أحلامهم دفعة واحدة، أنها تنتمي الآن للمكان المناسب حيث تري من بعيد أناسا يشبهونها تقريبا ولو من بعيد.
كانت تجر حقائبها الكثيرة دفعة واحدة لتصل إلي مدخل المبني الجديد الذي استأجرت فيه شقتها حين توقف فجأة جاذبا يدها وقال: "ممكن اشتري حاجة آكلها؟".
ثم أفلت من يدها إلي الدكان الذي يجاور رصيف البيت واندفع حيث البائع الذي اكتشفا بعد ذلك انه من أصل يمني وقال له باختصار وسرعة أذهلتها: "روند روستد كريمي تشيز بيجل و سموزي ستربوري كمبري جوس". بدا لها الطلب طويلا عريضا كفلات بوش، أخذ منها وقتا طويلا لتأمل مفرداته، وفي النهاية تعثرت كالعادة في فهم ما طلبه، وتعثرت في عد النقود الفضية التي لا تعرف قيمتها حتي الآن، وتعثرت في إيجاد كلمات مناسبة تدعوه للتعقل في قراراته الشرائية، ووعظه بحكمة التشاور فيما بينهما قبل طلب الأشياء، لكن قبل أن تبدأ موعظتها بقولها ( يا حبيبي لماذا لا تسألني أولاً؟ افترض أن ماما ليس لديها مال كاف) رد بحنق: "ماما..أنا طلبت سندوتش جبن وكوب عصير...... يعني أنا طلبت إيه يعني؟". تعثرت في الرد علي تعليقه الذي بدا حادا ومباغتا، وظل ريقها المر يستحلب ذكري واقعة البيجل ومخاوف التهور الشرائي في فلات بوش المليء بالمغريات.
البيت الذي سكنته أيضا لم يكن علي مقاس أحلامه، مجرد علبة كبريت لها نافذة علي الشارع ظلت تقنعه بعد ذلك بأنها اختارت له أجمل مشاهد بروكلين علي الإطلاق فمن النافذة يستطيع أن يلوح لمستر فلافل البدين الذي يجلس أمام مطعمه علي كرسي خشبي ضخم ويضع علي يمينه تمثالاً خشبياً لتوت عنخ آمون، وعن يساره تمثالاً خشبياً مماثلاً في اللون والحجم لكليوباترا.
يضع التمثالين صباحا علامة علي ترحيبه برواد المطعم وتشاهده وهو يحملهما مساء إعلانا عن إغلاقه. لم تحاول هي وابنها المرور من بين التمثالين قط، لأن مستر فلافل يبيع الساندويتش بعشرة دولارات كاملة لذا فقد اكتفيا بمراقبة حركة الإغلاق والفتح من نافذتهما والتطلع من الطابق الثالث إلي حيث يجلس محاطا بتماثيله والابتسام له.
إلي جوار مستر فلافل مطعم صيني صغير يسمي" توفو " كان من أكثر التجارب السيئة التي عاشاها علي الإطلاق، جلسا طويلا أمام منضدة فقيرة وتبادلا كؤوس الماء من وعاء صاجي وضع بإهمال علي الطاولة وكالعادة تركته يتهور في وصف طلباته التي لم تعد تدهشها. اكتفت بتأمله وهو ينطقها بسرعة وسلاسة وخبرة لا تعرف من أين اكتسبها: "فيجي مشروم زوكيني نودلز" واكتفت هي بهز رأسها تأكيدا لطلبه. تكومت هذه الأشياء في سلطانية صغيرة تناولها بانزعاج بعد أن سكب بعض الصويا صوص الأسود عليها وتهورت هي بفتح حبات التوفو التي جاءت في أكياس بلاستيكية شفافة
وقضمت العجين الهش الذي لا طعم له ثم لفظته بسرعة وقالت: "آيه ده ؟". ضحك الولد الصغير وقهقه: "ماما ده مش للأكل ده تشوفي بختك جواه".
كانت تريد أن تري حظها في أي شيء. أبراج الحظ، وأوراق التارتو والكوتشينة، كف يدها أحيانا، جبينها لا يمنع إذا كان هناك من يستطيع قراءته، لكنها لم تتوقع أن تحمل قطعة العجين المقددة علي ورقة صغيرة ملفوفة بطريقة حلزونية دقيقة، تفتحها بعناية من يخاف علي قدره ومصيره الذي تحمله اللفافة ثم تقرأ: "الذي ينتظرك ليس أفضل مما تركته وراءك" قطعت الورقة إلي نتف صغيرة وقذفت بها في كوب الماء ومشت ومشي خلفها :
- ماما هل أنت غاضبة مني ؟
- ماما أنا أخذت فلوسا كثيرة ؟
ماما هل أنت غاضبة؟ ...
تمشي ويركض خلفها باتجاه علبة صغيرة صارت بيتا لهم.
في الليل تفكر أنها صارت تنسي كثيرا، تنسي العناوين والأوراق و الأحداث، وان ذاكرتها الحادة أصابها العطب ، وأنها التي تصورت أن النسيان نعمة كبري صار يطاردها كشبح مخيف.
تحاول رسم صورة للبيوت التي عاشت فيها بعد ذلك ولكنها لم تعد تتذكر، تعرف أنها الآن تعيش في بيت يحتضن الشوارع كلها فإنه مثل علبة الكبريت الزجاجية يراها الناس وتراهم طوال الوقت يركضون يشربون يقبلون رفيقاتهم ، بيت تتأكد فيه وحدتها، وقدرتها علي الهرب ، تسير في فلات بوش كثيرا وتتفقد الأماكن التي عاش فيها غيرها والتي قد تجد فيها ذاكرتها التي صارت تهرب منها وتترك فراغاً تاماً ؟
متحف بوش علي ناصية الشارع الذي يسكنان به. تعرف أن السيد بوش صاحب الفلات والشارع في زمن ما، تصحبه في يدها ويدخلان. البيت قديم سكنه إقطاعي ايرلندي اسمه السيد بوش ، البيت الذي ما يزال علي حاله يضم حديقة واسعة متصلة بالحديقة العامة مضخة المياه الجوفية، غرفة الشاي وغرف النوم العلوية، المدفأة والجدار المرصع بلوحات السيد وأولاده ومن خلفه خدمه وعبيده في الظلال يفركون الأرض الخشبية أو يصبون الشاي من الأباريق الأنيقة ويسكنون هناك قرب مرابط الخيل علي القش الذي ما يزال متكوما. تفقدت في المتحف عدة لوحات لبروكلين القديمة، حين كانت جزيرة مليئة بالمزارعين ومحطة من محطات السفن التي تبحث عن خليج تقف عليه، تراها أجران قش ومزارع ممتدة وأرضاً مليئة ببقايا سفن خالية من البشر. إذا خرجت من المتحف وعبرت الحديقة ومشت في الحارات الضيقة التي يسمونها الجرين فورت اكبر تجمع للسود في بروكلين. السيدات السمراوات يجلسن علي أبواب البيوت ويتحدثن بصوت عال لكنها لن تفهم منه شيئا لأنه سريع و لأنه مليء بالقهقهات التي تشبه ضحكتها، ويدخن بعض السجائر مع خلفية موسيقية عالية تأتي من إحدي النوافذ. من هذا المربع الذي ما يزال يبيع الملابس الأفريقية وألوان الشطة والبهارات والعطور وروائح وعقود القارة السمراء الحارة التي جاءت هي منها أيضا. في الليل تسمع من تلك المنطقة ضجيج الانفجارات النارية والبالونات وصياحاً مليئاً بالحماس المباغت وصوت هتاف عميق يهز فلات بوش ويوقظه. تفتح النافذة وتضحك مصفقة بكلتا يديها كالمجنونة، فتح الكثيرون نوافذهم وراقبوا الألعاب النارية وبالونات طائرة تحمل صورة أوباما التي يطلقها الجرين فورت الذي لم يعرف النوم، علي اثر الألعاب النارية خرج الناس في الشوارع حاملين خارطة بروكلين القديمة قبل أن يقام الجسر العظيم، كانت مجرد بيوت صغيرة وفقيرة يقطن بها السود وعدة مصانع للحديد والزجاج والبلور والمهاجرين الذين يعملون في الحقول، منذ جاءت وهي تري اللافتة الزرقاء تملأ الشوارع الكبيرة والصغيرة، التغير،" تشانج" تضعها هي أيضا علي صدرها كشارة لكل المراحل المقبلة، ويضعها طفلها علي حقيبته المدرسية، يضعونها لأنهم كالآخرين يريدون التغيير ويحلمون بالكلمة الملاصقة لها في الشارة،(هوب)، الأمل، ويطاردون مزيدا من الكلمات الأخري التي يرددها الجالسون في مقاهي بروكلين بحماس لأن ذلك يشعرهم بأنهم صاروا جزءاً من هذه الخارطة، جزءاً من آمالها العميقة .
خرج طفلها من تحت الأغطية وفتح عينيه متسائلا:
- ماما إيه اللي حصل ؟
- اوباما فاز.
ابتسم ثم اغمض عينيه ونام، وظلت في النافذة تراقب الألعاب النارية، تراقب البهجة ثم التعب ثم أشعة الفجر علي الافنيو الذي امتلأ بزجاجات البيرة وبصوت آلات التنظيف العملاقة ثم بالصمت الذي يوافق لحظات الشروق المتعبة من السهر، بعدها يعبر الباص المليء بالعمال النازحين إلي منهاتن، يركض الموظفون إلي المترو، تخرج روائح القهوة من النوافذ، والمقاهي، وعربات الدونتز.في الصباح هزها من كتفها وسأل السؤال مرة ثانية :
- اوباما فاز صحيح يا ماما؟
-أيوه.
يركض وراءها من الغرفة الضيقة للمطبخ الأضيق وهو يعدد قائمة آماله التي علقها في رقبة اوباما ،تقف ساهمة أمامه لأنها تخشي أن يتهمها بإهماله وينهمك في البكاء كعادته، تهز رأسها وتكتفي بكلمة" أيوه " التي صار يكرهها والتي لم تعد تملك غيرها لأنها كلمة لا معني لها، ولا تؤكد النفي أو الإيجاب، تعني فقط وماذا بعد؟
- أنا لازم أقول لاوباما أن هناك أشياء كثيرة لازم تتغير ؟
-- طيب..
- لازم يغير الانفيرومنت و الرين فورست وجو جرين افري وير
- ويغير مصر..ممكن؟
- إن شاء الله كل حاجة ستصبح خضراء
- أنا ممكن اعمل انتخابات و أفوز زي اوباما
- كل شئ جائز
- أكون رئس اليونايتد استيت؟
- كل شئ جائز
الآن؟ NOW -
-كل شئ بميعاد يا حبيبي
تشعر أنها أصبحت اكبر سنا و أنها كانت تسمع تلك الكلمات المستسلمة والحذرة والتي لا تعني شيئا في الحقيقة، كانت تسمعها من أمها التي تأتي تعقيباتها متواترة ( إن شاء الله...كله بأمره... من يعرف ؟ كله بأوان...) تتأكد من أنها صارت تشبهها كثيرا خاصة بعد أن قصت شعرها ليصبح قصيرا اسود داكنا وان لشعرها رائحة الصبغة اليابانية بايجن التي كانت تفضلها أمها لتخفي الشيب، وان مشيتها أيضا صار لها تلك الحركة البطيئة المسالمة المتعبة، تماما مثلما كانت تراها في نهاية اليوم متعبة ومجهدة تستعمل قاموس المسلمات الوجودية لتكبل أحلامها بأن تصبح مضيفة طيران أو عالمة فضاء بان تقول لها ضاحكة ( العلم عند الله يا بنتي وكله بأمره).
تتركه يكتب خطابا طويلا لاوباما. تتذكر أنها كانت تكتب خطابات كثيرة لربها، وانه لم يرد أبدا، ومع ذلك ظلت تعتقد انه سيحقق أحلامها، ولم تكتشف انه مشغول جدا وربما لن يراها ولم يرها من قبل.
تأخذه من يده وتمشي. تمشي كثيرا لان اليوم يوم عطلتهما الأسبوعية، تمشي لأن الغرفة التي تسكنها مقبضة ولأنها لا تستطيع النوم ليلا، ولأن روحها القلقة تجعل الاستكانة التي في عينيها مخيفة. حين يعودان في نهاية النهار سيجلس إلي جوارها يتابع شاشة التلفزيون وهي تدفن رأسها في الأغطية اكثر وتحلم بهم تحلم بحياتها التي تنساها وتضيع من يدها.
اسمها هند لكن لها أيضا ألقاب تدليل كثيرة كل ما تتذكره من ألقابها كان.."يا ثرمة" حين سقطت أسنانها في مراحل التبديل المختلفة للأسنان، ..ويا (أم ضب ) ذلك لأن فكها العلوي اكثر بروزا من السفلي، و (يا عوجة) لأن يديها لم تكن تستطيع الإمساك بالأشياء كما ينبغي،تنزلق تنزلق من يدها وتنكسر لأن عقلها يشرد بعيدا وتتحول مع تلك القسوة التي تنطق بها الألقاب إلي دابة حرون ، تتحول علاقتها بأمها إلي جحيم تنفجر عادة بعد كنس دموعها مع بعض التنهدات، تصرخ في وجه الأم سائلة لماذا لا تحبها أو أنها ليست أمها بالتأكيد،وربما تمادت اكثر بالتعبير عن سخطها بكلمة متكررة وعنيدة (بكرهك..بكرهك) وغالبا ما يتطوع أحد بالتدخل ليعلمها الأدب،بعدها تندلع معركة تخرج منها بمزيد من الخدوش،لم تكن قادرة علي الاستسلام المبكر في مثل هذه المعارك، تناوش بكلمات وخربشات تنتهي عادة بأن تتلقي علي وجهها عدة صفعات ينزف علي إثرها انفها المحدب الطويل اثر اللطمة القاسية،تركض وتدس رأسها اسفل الفراش الخشبي الواطئ، تسمح لنفسها أن تبكي بمرارة،تشهق بالعة الحسرة حين يأتي صوت حذاء مفضض بريش نعام اشتهت هند مرارا أن يكون لها مثله تري من اسفل الفراش كعب الأم الأحمر المصقول وقميص نومها المكفت بالدانتيل يكون الليل قد حط ورائحة سيجارة أبيها تأتي من الغرفة القريبة، بعد حران طويل تمد الأم ذراعها لتمسد شعرها وتضمها قائلة تعالي( ياست البنات)، تكز هند علي شفتيها مبتلعة دموعها وترد أنت مش بتحبيني تضمها الأم اكثر لأحضانها (أنت هبله في حد لا يحب بنته..؟ أنا ليس لدي أغلي منك)هنا يتأكد لهند بؤسهما التام كلتاهما، لكن رغم كل محاولات الترويض تلك لم تكن هند قادرة أن تكون كما اشتهت الأم راضية وحمولة ومطيعة كي تستطيع أن تعيش في غابة من الذكور،ورغم كل التعليمات
الحذرة ك (أنت بنت .تسلكي في الدنيا ازاي برأسك الناشف ده )لكن هند لم تستطع أن تكون ذلك وكل ما اكتشفته هو أن تلك المرأة التي تروح وتجيء في ردهة البيت بروب بلون العسل هي أمها لأنها تشبهها تماما، تشبهها الآن بعد أن عرفت معني الغيرة والهجران والوساوس، لهما نفس الأنف الطويل المتعب من أثر الدموع، و أنها تمسك بأسفل ظهرها دائما من أثر الولادات الكثيرة،و أنها تبدل في قرب الماء الساخن كي يسكن الألم، و أنها دائما بانتظار أبيها الذي يجيء متأخرا و أحيانا لا يجيء وتأتي لها الخادمات بحكايات لا تود تصديقها،وأن الصباح يكشف أرق عينيها المتعبتين ويجعل براكينها تنفجر بلا موعد، تعرف هند أن أمها إذا استيقظت بهذا الأرق فأن انفجارا وشيكا سيحدث وستكون هي الوحيدة ضحيته،سيقودها إلي اسفل الفراش ثانية،لتزف مزيدا من التنهدات وتتلقي مزيدا من التهديدات بتكسير رأسها الناشف،لم تكن هي بريئة تماما في تلك المناوشات،فهي قادرة علي تحدي الأم بعيون جامحة ومخيفة أحيانا، كما أنها قادرة علي إثارة غضبها بدأبها علي العبث بكل أشيائها خصوصا المغلقة كعلب المكياج والأوراق المدسوسة بعناية في الأدراج،كتلك القصاصات التي تجمعها الأم من طبيبك الخاص وحواء وغيرها من المجلات عن مشكلات الحياة الزوجية وكيف تستأثرين بحب زوجك ،بوضع الكولونيا في ماء الاستحمام للتخلص من العرق، ووضع أوراق المستكة في طيات الملابس الداخلية كي تكون زكية الرائحة، وكيفية عمل الحلوي للتخلص من الشعر الزائد،..,تلتهم ذلك كله بفضول غير عابئة بتعليمات أمها، لم يكن يغفر لها هذا التلصص غير تفوقها الدراسي الملحوظ،حيث استراحت الأم للاعتقاد بأن شيئا قد يكون مناسبا لها كأن تكمل تعليمها مثلا،ولم تكن تداري قلقها علي مصير ابنتها الوحيدة والتصريح بالقول لها أنها ليست جميلة فلا تعتمد علي ذلك وليست نطلة أي تجيد أعمال البيت ببراعة (وابصر مين يرضي بيها)، سكبت الكثير من العطور علي الوسائد، وتركت جلدها المرن اللدن ناعما ومحببا ، وطبقت كل الوصفات التي تعلمتها مثل كيف تحتفظين بزوجك، وبددي السأم بتغيير ألوان ملابسك الداخلية، والغيرة الحلال، لكن كل الوصفات أدت إلي النتيجة التي تكهنت بها أمها منذ زمن طويل وتمحورت حول كونها ليست نطلة بعد أن وجدت معني جديدا لهذه اللفظة وهو أنها لا تعرف عن الحياة ولا الرجال شيئا، بعد سلسلة من النزاعات الأسرية الصغيرة مثل خبط الأبواب والعبارات الجارحة مثل أنا لم أحبك قط، ومش عاجبك مع السلامة، وأنت حقيرة وأنت تافهة، وتطور المناورات الكلامية. لحمل الحقائب، والدموع، وتلصص الجيران، وتدخل الأصدقاء.. كان ما يهمها هو تلك الحقيقة التي صارت أوضح أن علي واحد منهما أن يختار النهاية التي تناسبه ، ذات صباح وبعد أن أنهي زوجها حمامه الصباحي وأراق كثيرا من العطور واختار ملابس تحتية من القطن الأبيض التي مازالت ناعمة ومخملية كليلة غرام أولي ووضع بيجامة من الحرير الأسود وعدداً من الواقيات الذكرية في حقيبته وخرج ولم يعد ثانية، بعد عدة أشهر وضعت في عدة حقائب كل ما تبقي لها في البيت وغلفت الأثاث بالواقيات البلاستيكية وجرت حقائبها ومضت. كان طفلها يجر بدوره حقيبتين وضع فيهما ما سمحت له به من العاب خفيفة وصغيرة وقابلة للحمل وسكنا شقة صغيرة علي ناصية فلات بوش مع الافنيو السابع بروكلين منهاتن واستراحت لذلك الخيار وقالت كما كان أبوها يقول( اللي تجيبه ريح الشمال تأخذه رياح الشرق ) هكذا وجدت نفسها بين ريح الشمال وريح الشرق وحيدة وبائسة، وعلي الرغم من وحدتها التي تجسدت بكل المعاني المؤلمة فقد كانت تري النساء حولها _أصغر قليلا أكبر كثيرا من بلاد الله التي لا يعلمها غيره_ مثلها تماما ويشبهنها إلي حد موجع ومؤنس ومخيف.
صارت تعبر كل يوم ميدان فلات بوش إذا أرادت أن تذهب للمترو أو للمكتبة العامة تذهب إليها كل يوم لتتأمل صور الكتاب الذين سمعت بهم.
علي الجدار يؤنسونها أيضا لأنهم كانوا مثلها يعرفون أن الحياة ليست جميلة. تجلس علي طاولة كتب عليها (تعلم الإنجليزية) والي جوارها لوحة رمادية لوجه اينشتين، وكتب تحتها" اينشتين أيضا كان لاجئا ". تترك وجه هيمنجواي الذي كان أيضا لاجئا خلفها وتجلس.
تجلس مرتبكة إلي جانب آخرين أقل ارتباكا منها.
"اسمي... جئت من القاهرة -لا اعرف بالضبط لماذا ؟_ أحاول تعلم الإنجليزية. احب اللغة العربية. اكتب بها، ادرسها اشعر فقط أنها لم تعد كافية، اشعر بخجل كلما كان عليّ أن أتكلم بالإنجليزية، حتي الكلمات الصحيحة التي تعلمتها عادة ما انطقها بطريقة تجعل الآخرين لا يفهمون ما أقول. اذهب دائما لاماكن المثقفين وادعي أنني واحدة منهم، افهم تماماً ما يتحدثون عنه.. اجلس علي المقعد البعيد كي لا يسألني أحد ولا أجد نفسي مضطرة لقول شيء، اشعر أن كلمة" لا تؤاخذيني ماذا تقولين؟" التي اسمعها طوال الوقت صارت تجلدني وان لدي مشكلة مزمنة مع التواصل.أدرك أن "بلوتو" في برج الجدي، أي في المنزل السابع في مواجهة برجي منزل التواصل والتفاهم.. ربما يجعلني هذا غير مفهومة لان طاقة " بلوتو " المعاكسة في مواجهة برجي الفلكي، ربما اشعر أنني غبية وجاهلة اكثر من أي وقت مضي في حياتي، وان عليّ أن أعيد حساباتي مع أشياء كثيرة".
يقدم الآخرون أنفسهم بطريقة ابسط وأوضح..
- فاطيما..مالي 24 سنة تربيت في فرنسا جئت في زيارة بعض الأقارب اعمل بائعة في محل.
- اميليا جئت من روسيا منذ عشرين عاما مع زوجي، أنا كبيرة جدا لم اعد اعرف كم سنة مرت علي..احب أن أجد أحدا كي أتكلم معه
-فريدناز، باكستان 22 عاما متزوجة حديثا وجئت لأعيش مع زوجي
- اليهاندرو من البيرو سوبر في عمارة
نازهات أنا من بوسنيا كنت اعمل طبيبة سني 55
أنا اسمي دويج جئت من هاييتي 18 عاملة نظافة - سعيد اسمي سعيد قبطي مصري اعمل سائق ليموزين
دائما ما يتغيرون يأتي بعضهم ويترك بعضهم المكان لشخص جديد يبيعون بعد حصص الدرس مواد التنظيف ومساحيق المكياج دائما ما يتعرفون اسهل مع بعضهم البعض ويتبادلون معها كلاما مقتضبا كأنها ليست منهم أو معهم في الحقيقة، بعضهم يسألها : أنت مسلم ؟
،تهز رأسها مبتهجة لان ثمة روابط محتملة قد تدخل إلي حياتها بعض الصداقات أو المعارف تضطر أن تتحدث عن بلدها لتحدد مكانها بين إسرائيل ومكة حيث تتركز معظم الاهتمامات الجغرافية تضطر أن تظهر بعض جهلها وهي تسأل عن موقع "هاييتي "أو البيرو يتبادلون خبرات الاغتراب في النهاية مثل اقرب مكان للتسوق الرخيص وفرص العمل ومواقع الطعام المجاني ومكاتب الضمان الاجتماعي أسعار الغرف وإيجارات الشقق وأماكن بعض النزهات القصيرة وغير المكلفة كساحل"شيبست بيه" العريض الذي يجاور آخر محطات المترو المتجه لبروكلين، هناك يجلس المغتربون علي الأرصفة المائية التي تذكرهم ببلادهم يقضون الوقت المتسع أمامهم في صيد الأسماك من المحيط الذي يفصلهم عن بلادهم يتأملون السفن العابرة وتمثال الحرية البعيد وجسر جزيرة " لونج أيلند " وأطراف نيوجرسي، يدخنون السجائر ويتحدثون عن الوطن و الفيزا والتأمين الصحي والضمان الاجتماعي.
تتعرف في الدرس علي الكثير من العرب الذين جاءوا حديثا من المغرب أو الجزائر وحتي السودان واليمن ولا يتبادلون معها كلمة واحدة عربية يقولون لها إذا حاولت( أنا أتكلم اللهجة)
وينخرطون في تبادل جمل إنجليزية ركيكة ويدعون عادة انهم لا يعرفون بعضهم البعض علي الإطلاق لان العالم العربي واسع ومتعدد ومختلف ولا يشبه بعضه بعضا. تحاول تصديق ذلك وتقول إنها مدرسة لغة عربية،مدرسة لغة منقرضة وبائدة لكنها تحب أن تتكلمها لبعض الوقت. تحمل أوراقها وتعبر فلات بوش وهي تحدث نفسها، تتحدث كثيرا بلغة غامضة خفية تجعل المارة يحدقون فيها. تجلس علي المقعد الخشبي أمام مدرسته تحتسي بعض القهوة وتدخن سيجارة وتنتظره. ثمة برد يخترقها لا تنجح السيجارة في اختراقه. تراقب البرد الذي يتكاثف حول وجهها ويحولها إلي امرأة خريفية مجهدة، امرأة وحيدة وعارية ولا تشبه أحداً.يأتي علي مهل و يقترب منها بحذر ولا يقبلها يضع يده في يدها برفق ليسيرا إلي جانب بعضهما البعض متماثلين في الطول والحركة يباغتها بأسئلة لا تجد إجابة لها
-ماما أنت لم تصففي شعرك ؟
-يعني؟
أنت شكلك اصبح غريبا يا ماما. لماذا توقفت عن وضع مكياج علي وجهك منذ جئنا ؟
ربما لأنه ليس لدي وقت.. ربما
ماما أنت فقط لا تهتمين بنفسك
ربما. المهم إنني مازلت اهتم بك، عملت إيه النهار ده؟
عملنا مظاهرة وكتبنا تشانج change وامتنعنا عن الأكل
لماذا ؟!
أكل المدرسة ليس جيدا، كل يوم الأشياء نفسها وكده.. عملنا احتجاج وكتبنا أننا نريد بيتزا و هامبورج و أيس كريم ورفعنا صورة اوباما وكتبنا تشانج
و أنت كمان لازم تغيري يا ماما
ازاي؟؟؟
يعني شعرك وشكلك وكده
يعني ماما خلاص مش عاجباك.؟
لا يا ماما لكن أنت لازم تغيري.. أنت طول الوقت حزينة وساد طيب.
لكن يا ماما عندما تغيري لبسك وكده... توعديني انك لن تحبي شخص ثاني ممكن تخرجي مع أصحابك وتتبسطي يعني تعملي "هانج اوت" مع أصحابك
ماشي
لكن لو حد سألك من أصحابك ممكن نعمل" ديت " قولي لا، Dateمعناه تتجوزي وكده، وأنا مش عايزك تحبي حد ثاني
حاضر
أنا ح افضل احبك علي طول..
لكن في" الهاي اسكول " ممكن أبدأ اعمل " ديت" واخرج مع جيرل فريند!
طيب... لما نوصل" للمدرسة الثانوية " يحلها ربنا
لكن أنا عمري ما ح أسيبك و ح أزورك علي طول، وممكن تسكني معي لو كنت عجزت وكده..
طبعا.. سأكبر، واعجز،..و أموت...
لكن أنا مش عايزك تعجزي
...!!
ولا تموتي.!!.
حاضر.
البيرج
يتقاطع فلات بوش مع شوارع كثيرة يتقاطع مع الافنيو الخامس ويتعانقان عند مفرق البناية التي سكنتها، تسير فيه وحيدة لأنها ولفترات طويلة تخجل من أن تدخل إلي المقاهي المنتشرة والمطاعم العربية وحدها. تأخذه من يدها وتسير لمسافات علي رصيف البحر تشاهد العبارات الصغيرة بين لوج ايلاند وبروكلين. تسير حتي تفقد ساقاها الإحساس بالمشي لأنها تريد أن تتخلص من بعض سمنتها ومن ضجيج الأفكار في رأسها
يقول بضجر وتعب :
أنا حفظت الشارع ده... لا أريد أن اذهب إلي البيرج ثاني
Please
لا تستطيع أن تتركه بمفرده في البيت ولا يستطيع أن يجاريها في الركض لمسافات طويلة أحيانا يصر علي البقاء في البيت مرددا أنا مش عايز أروح البيرج.
وإذا رافقها فإن تضحياته دائما مشروطة بالمطالب إذا ذهبت معك ممكن..ممكن اشتري ممكن اعمل..). كلما كبر صار يذكرها بأبيه اكثر، كلما عاشا معا صارت تتأكد انه من كلا منهما يسير باتجاه معاكس للآخر وان عليها أن تتركه في مكان ما في لحظة لأنهما ليسا معا طوال الوقت.
في طريقها من بيتها للبيرج تعبر علي الكثير من الجيوب العرقية تعبر ارض المكسيك و حيث أبواب البيوت مواربة، والسلالم رحبة و النساء القمحيات مثلها بشعور كثيفة سوداء يعبرن منتصف العمر بألوان مبهجة وبثياب مفتوحة علي الصدور الممتلئة المشبعة وحولهن يركض عادة أطفال كثيرون ولبيوتهن رائحة المشروبات المنزلية المثلجة التي يبعنها علي الأرصفة القريبة تشاهد العمال يتحلقون في مجموعات علي الرصيف المتسع لتجمعاتهم بانتظار عمل ما تراهم متبطلين حاملين عدة محتملة لعمل ما قد يناديهم حبل، أجنة من الحديد، فأس عدة قص الحشائش أيدي خشنة وعضلات جاهزة لحمل ونقل و إصلاح ما يتطلبه الزبون منهم.
تراهم كما تعودت أن تري الكثير من العمال اليوميين في بلدها في الميادين المتناثرة علي أرصفة أضيق قليلا بانتظار أعمال يومية صغيرة قد تأتي أو لا تجيء يجلسون هنا وهناك في حلقات ويفركون أيديهم الخشنة في جلسات استرخائية بطيئة يقتسمون فيها السجائر والقهوة والأطعمة الشعبية الرخيصة ويواجهون الانتظار بهذه النظرات الشرسة المتحدية.
تخاف من تجمعاتهم التي تحتمل عراكا محتملا بلا مبرر أو مناوشات مع المارة لأسباب تافهة أو حركات غير مفهومة بينهما للتواطؤ علي معاكسة امرأة عابرة مثلها وفي يدها طفل ولها شعر قصير اسود مثل كل المكسيكيات كأنها انحدرت ذات يوم من حيث جاءوا.
تعبر في طريقها المقابر التي تسكن علي ربوة عالية وتشرف علي كنيسة ضخمة تحب تماثيل العذراء الجصية علي أبواب البيوت تشعر أنها مصلوبة مثلها في فضاء ما بتلك النظرة المستكينة لامرأة وحيدة، تحب فضاء المقابر وباقات الورد البلاستيكية الملونة تحب جلسة العجائز علي الكراسي الهزازة بجوار البيوت وهن يبادرهن بتحية لم تتوقعها
تدخل بعد ذلك المنطقة الأسبان الأكثر حيوية وبهجة حيث النساء الخلاسيات الممشوقات يتحركن بصخب حول البيوت التي تحول نصفها الأمامي إلي مطاعم منزلية صغيرة والكثير منها يتحول مساء إلي مدارس وساحات لرقص الصلصا والتانجو وتفوح من حولها رائحة التجارة العظمي للبهجة المؤقتة.. الموسيقي البارات الدافئة الراقصون يتبارون في مهارات السرعة و رائحة مواد دخانية تلعب في أروقة البيع والشراء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.