تحدث أولمرت عن أن حملة غزة تقترب من أهدافها، وقال بيريز إن إسرائيل حققت فى حملة غزة ما لم يحققه العالم كله فى الحملة على الإرهاب، ويرفع خالد مشعل فى دمشق إصبعيه «علامة النصر»، ويعتبر هنية أن ما يحدث على أرض غزة هو «معجزة إلهية».. أى أن إسرائيل ترى أنها تقترب من النصر وتعتبر حماس أنها انتصرت بالفعل.. فإذا كان كل من الطرفين المتحاربين حقق انتصاراً ويستعد لتقبل التهانى وإقامة الأفراح وربما إطلاق زخات من الرصاص فى الفضاء ابتهاجاً.. فمن هو المنهزم، ومن هو الخاسر وبتعبير آخر على من وفيم انتصر كل منهما..؟! إسرائيل كانت تريد عملية عسكرية تستعيد بها هيبة الجيش الإسرائيلى بعد موقعة يونيو 2006 فى جنوب لبنان، صحيح أن الجيش الإسرائيلى حقق كل أهدافه فى صيف 2006، لكنه حقق ذلك بقدر لم يعتده من الخسائر فى جنوده وفى معداته، وكان يريد عملية بلا خسائر (تقريباً) وكانت غزة حالة مثالية، وبدت إسرائيل أمام العالم كأنما تدافع عن نفسها وتحاول حماية المدنيين بها من الصواريخ عديمة الخسائر، لذا فإن أحدا فى العالم لم يلمها على أنها شنت الحرب. الملاحظة التى وجهت إليها هى «الإفراط فى استخدام القوة».. الإفراط فقط، وليس استخدام القوة بحد ذاته، وهذا ما لا ينتبه إليه الكثيرون منا، وعموماً لا يعد ذلك جديداً على إسرائيل، فقد ضربت المدنيين بصورة أعنف فى جنين سنة 2004، ونسى الأمر وهذا ما سوف يحدث هذه المرة.. وكانت تريد إسرائيل أن تحصل على قرار دولى بإيقاف إطلاق الصواريخ عليها من غزة، على غرار القرار الأممى الذى حصلت عليه فى 2006 مع حزب الله، وأعلن حزب الله نهاية الأسبوع الماضى أنه متمسك بذلك القرار، ويبدو أنها فى طريقها لأن تحصل على قرار مشابه فى غزة، وكأن قادة إسرائيل يريدون تنشيط وتسخين الساحة الانتخابية لديهم، وهاهم قد أشعلوها وبدا كل طرف فى اللعبة الانتخابية على وشك أن يحصد ما أراده وتمناه. قادة حماس كانوا يريدون تفجير الوضع فى غزة، وأن يصلوا إلى اتفاق مع إسرائيل يكونون هم الطرف فيه وأن يرفع الحصار عن غزة - فرض الحصار إثر انقلاب حماس على السلطة الوطنية - ورفع الحصار يعنى - ضمنياً - الاعتراف عربياً ودولياً بالانقلاب وبهم، والاعتراف بأن خالد مشعل وليس محمود عباس هو الواجهة والطرف لما يحدث فى غزة، وأن يخاطبه الرؤساء العرب نداً لند، وقد فعلها بعضهم مثل على عبدالله صالح.. باختصار أن تتكرر تجربة حسن نصر الله وحزب الله فى غزة، وأن يهتف الشارع العربى باسم مشعل وهنية.. وهاهم قادة حماس يقتربون من تحقيق بعض ما تمنوه.. فقد صاروا هم الطرف الأول وربما الأوحد للتعامل دولياً وعربيا مع غزة.. وسوف يوقعون مع إسرائيل على نفس القرار، قرار ووقف إطلاق النار، أو يوافقون عليه، ويكون القرار موجهاً للطرفين حماس ودولة إسرائيل. حماس لم تنتصر على إسرائيل، وإسرائيل لم تنتصر على حماس.. ولن يحقق أحدهما نصراً على الآخر.. بل إن كلاً منهما ينتصر بالآخر.. حماس تنتصر وتتألق بإسرائيل - حكومة وجيش الدفاع الإسرائيلى - جيش الدفاع يسترد هيبته بحماس وقادتها، وزعماء إسرائيل يحققون مآربهم الانتخابية بحماس وقادتها وصواريخها «الفشنك»..!! المضار هنا ليس «حماس» ولا إسرائيل، بل المدنيون الفلسطينيون فى غزة .. الأطفال والنساء.. البيوت الآمنة والمدارس.. أحياء بأكملها دُكت دكاً، القتلى يقتربون من الألف والجرحى أربعة أضعاف، ليس بينهم من مقاتلى حماس سوى القليل والبقية من المدنيين - الأبرياء العزل، أم غزاوية حكت أن صغيرها 8 سنوات، قال لها لحظة الغارة على منزلهم «ما بدى أموت».. لكنه كان لابد أن يموت فداء لحماس وقرباناً لإسرائيل... فزعامة مشعل وتفرده وجماعته على الساحة لايتأتى إلا على جماجم الأطفال والمدنيين الفلسطينيين، وهيبة جيش الدفاع لا تُستعاد إلا بدك المدارس وحصد أرواح الأطفال والنساء والمدنيين والفلسطينيين!! لا جديد فيما تقوم به إسرائيل، مذابح المدنيين الفلسطينيين تمت حتى قبل إعلان قيام الدولة العبرية وقبل صدور قرار التقسيم، ونحن من جانبنا استعذبنا قتل المدنيين، لنؤكد للعالم أننا نظلم، وأن إسرائيل معتدية، نتألم قليلاً لكن لا نحزن كثيراً، فقتلانا شهداء، يذهبون إلى دار الخلود والبقاء، أما التدمير والتخريب فمقدور عليه، تعقد قمة عربية طارئة أو استثنائية تقرر دفع أموال وميزانيات لإعادة الإعمار، ويوقع القادة على القرار ثم لا ينفذون شيئاً، فقط تلتقط لهم الصور التذكارية، والأهالى لهم رب فيما بعد، يدبرون هم حالهم، يسكنون العشش أو خيام الإيواء.. لا جديد فى القتل والتدمير.. اعتدنا عليه وعلى الشجب والتنديد والإدانة ثم لا شىء بعد ذلك!! الخسارة الكبرى من نصيب «القضية الفلسطينية».. الآن لن نجد أحداً فى فلسطين ولا فى العالم العربى يتحدث عن دولة فلسطين، نسيها الجميع، وإذا كنا نحن نسيناها، فهل نتوقع أن تتذكرها الولاياتالمتحدة أو بريطانيا مثلاً..؟ الكل يتحدث عن «غزة».. غزة فقط، دون تسمية للشكل السياسى.. دولة.. إمارة.. لكن هناك حكومة وحكاماً لها، أى دولة دون إعلان.. ودون تسمية.. فشل المشروع الإسرائيلى فى إلحاق غزة إدارياً بمصر، لإصرار مصر على الرفض، ونجح قادة حماس والسلطة فى إيقاع الانفصال بين غزةورام الله.. نسيت رام الله واشتعلت غزة.. والتفاوض يجرى لحل أزمة غزة ومع قادة غزة.. محمود عباس من جانبه قال إنه وسلطته لن يدخلوا غزة فى هذه الظروف ولا بتلك الطريقة، أى أن غزة حلال لحماس وقادة حماس.. مبروك عليهم.. لكن هنا لا مكان ولا موقع لما يسمى الدولة الفلسطينية، وقد تواطأ الجميع بالصمت على فكرة أو مشروع أو حلم الدولة الفلسطينية.. دولة ذات سيادة لها عاصمة واحدة وحكومة واحدة ورئيس واحد.. فى زمان العدوان والقتل والتدمير ضاعت الدولة الفلسطينية، ضاعت كحلم وفكرة وكمطلب. انتصرت حماس.. وسيقيم قادتها مهرجانات النصر.. وانتصرت إسرائيل.. وسوف يحصد حكامها الثمن فى فبراير. كل منهما انتصر بالآخر، ولم يهزم أحدهما الآخر.. وكلاهما انتصر على الدولة الفلسطينية، وكل منهما صعد على الأشلاء والجثث، وكل منهما يسبح فى الدماء.. دماء المدنيين والأهالى الفلسطينيين فقط ولا عزاء لهم ولا لنا!!