فور اندلاع الهجمات الإسرائيلية على غزة يوم السبت - قبل الماضى - وجه «أولمرت» رسالة تليفزيونية إلى أهالى غزة بأنه لا يقصدهم هم، بل يقصد منظمة حماس.. وأثبتت الأيام أن الذى أصيب وقتل من الأطفال والسيدات وعموم المدنيين فى غزة، أما قادة حماس فهم معززون مكرمون فى دمشق، ومن لم يذهب إلى دمشق فهو مختبئ فى مكان لا نعرفه.. أين محمود الزهار - مثلاً - وهنية وغيرهما؟! نداء أولمرت إلى أهالى غزة ذكرنى بالمنشور، الذى وزعه نابليون بونابرت على أهالى القاهرة حين دخلها غازيًا ومحتلاً، فقد قال لهم إنه محب لهم ولمصر ويقدر دورها ومحب للسلطان العثمانى، ولكنه جاء - فقط - لتأديب المماليك.. ولكن المماليك فروا.. بعضهم هرب إلى يافا وبعضهم ذهب إلى الصعيد، وبقى المصريون فى المواجهة!! نابليون.. ولسلى.. كرومر.. بيجين.. نتنياهو.. أولمرت.. ليفنى، نعرفهم جميعًا، نعرف عقلياتهم وطريقة تفكيرهم وأطماعهم.. لكن ماذا عن المماليك، مماليك غزة الآن، أقصد قادة حماس؟! حين أعلنت حماس الانسحاب من الحوار الفلسطينى، الذى دعت إليه مصر وحين أعلنت انتهاء التهدئة توقعنا أن هناك خططًا للمقاومة واستعدادًا لها - كنا نعرف أن إسرائيل سوف تهاجم وهى لا تترك فرصة للهجوم، لكن قادة حماس صاروا نسخة من «شمس بدران».. كان بدران وزير الحربية فى مصر سنة 1967، وصور الأمر هو والمشير عامر للرئيس عبدالناصر وللجماهير فى مصر بأنه قادر بقواته على الوصول إلى تل أبيب، وحين وقعت الواقعة اكتشفنا حجم الكارثة، وكان كل ما قاله ذلك البدران «إننا اتخمينا حتة خمة»، هكذا فعل قادة حماس، قالوا إن الإخوة المصريين أبلغوهم أن إسرائيل لن تهاجم، وصحيح أن مصر كذبت ذلك تمامًا، لكن هل كان قادة حماس يتوقعون بعد انتهاء التهدئة وإطلاق الصواريخ أن إسرائيل لن ترد ولن تهاجم؟! إسرائيل تقول إن حماس منظمة إرهابية، ولكنها قالت ذلك من قبل عن ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية، كانت المقاومة الفلسطينية فى الستينيات والسبعينيات «علمانية»، ولم تكن تابعة للإخوان.. القضية الآن هل «حماس» حركة مقاومة فعلاً؟! تأمل الجماعات والحركات الجهادية، التى ظهرت فى المنطقة ضد الاستعمار.. لدينا الأمير عبدالقادر فى الجزائر وعمر المختار فى ليبيا، ولدينا حركات مقاومة وتحرر وطنى مثل الثورة الجزائرية وقبلها لدينا ثورات وعمليات مقاومة مدنية مثل ثورة 19 فى مصر وسعد زغلول، هناك خارج العالم العربى نموذج غاندى فى المقاومة السلمية وحالة تشى جيفارا للمقاومة المسلحة ونموذج نيلسون مانديلا والنضال فى جنوب أفريقيا لإسقاط الفصل العنصرى، أما فى فلسطين ذاتها فهناك ثورة 1936 وحالة أبوجهاد والانتفاضة الفلسطينية الأولى.. ترى أين تقع حماس وقادتها من هذه النماذج والحركات؟! من أسف أنها خارجها كلها، هى جماعة تطلب السلطة والسلطة فقط.. فى اليوم الأول للغزو الإسرائيلى لغزة خرج قادة حماس، وفى مقدمتهم السيد خالد مشعل، مشغولين بقضية وحيدة هى أن تعقد القمة العربية وأن تتم دعوتهم هم إلى تلك القمة إلى جوار محمود عباس، أما المواجهة والمقاومة أو الجهاد فشأن آخر، ليسوا مشغولين به، حتى إن أسامة صفوان هدد «عاصمة عربية كبرى» تعارض عقد القمة، وقال إن تلك العاصمة إذا استمرت فى معارضتها فسوف يضطر إلى أن يذكر اسمها وسوف «نتجاوزها» ونعقد القمة، أما السيد خالد مشعل فقد قال يومها إن بعض القادة العرب «اتصلوا على» والبعض لم يتصل، والتمس لهم الأعذار ماذا يمكن أن نسمى ذلك إن لم يكن الصغار والتفاهة.. تطلق حماس منذ مدة صواريخها على إسرائيل، وأعطت هذه الصواريخ الفرصة لإسرائيل كى تبدو مهددة، وصدق قادة حماس ذلك الوهم، وانساقوا خلفه وراحوا يملون شروطهم، متصورين أنهم قوة عظمى.. تأمل نتائج تلك الصواريخ، ولاحظ عدد ضحاياها، وسوف تجد أن ضحايا «بمب» العيد فى مصر أكبر من ضحاياها.. هذا هو إنجاز قادة حماس الذين قبلوا أن يكونوا ورقة فى الحرب الباردة العربية. إن فجاعة ما يحدث فى غزة وقدسية القضية الفلسطينية وضعف وركاكة وزير الخارجية المصرى أحمد أبو الغيط تمنع الكثيرين من انتقاد ولوم قادة حماس على ما ارتكبوه.. يجب انتقادهم بل مساءلتهم.. لقد زج السيد حسن نصر الله بلبنان فى أتون حرب 2006 وتخطى الدولة اللبنانية وانقلب عليها ومع ذلك سامحناه وتغاضينا عن كل ذلك، بل وضعناه فى قلوبنا، لأنه أوقع خسائر بالعدو، وكان قادرًا على الصمود، أما قادة حماس فيقدمون المدنيين قربانًا لأطماعهم الصغيرة، دون أن يقاوموا بحق، وحتى الآن لم «يبينوا كرامة» بالمعنى المصرى، وبعد كل التدمير الذى تعرضت له غزة يخرج مشعل فى اليوم السابع ليقول إن خسائر حماس بسيطة.. قد تكون خسائره بسيطة، لكن خسائر غزة وخسائرنا كبيرة.. كبيرة! نعرف أن قوة حماس لن تكافئ وتوازى قوة إسرائيل، ولم نطلب منهم الانتصار، فقط المقاومة بحق، لم يكن عمر المختار فى قوة إيطاليا ولم يكن الأمير عبدالقادر ندًا للفرنسيين فى الجزائر، لكنهما جاهدا وقاوما بحق ولم يهرب عمر المختار إلى عاصمة عربية، ولم يجلس فى أحضان أنظمة فاسدة ومستبدة، يناور ويتحالف معها، بانتهازية وسلطوية صريحة. ذات يوم قال «ألكساى كوسيجين» رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى إن دخول الحرب دون استعداد حقيقى ودراسة إمكانيات العدو خطأ يقترب من الخيانة العظمى، وهذا ما فعله مشعل وجماعته، بعد حرب 1967 انتحر المشير عامر أو نحر، وحوكم رجاله، وأتصور أن هذا هو المصير الذى يستحقه قادة حماس دون استثناء، ولا داعى لمزيد من النفاق السياسى العام والتضليل الأيديولوجى، حماس ليست حركة جهادية ولا حركة مقاومة، هى حركة اختطفت شعب غزة وجعلته درعًا بشرية أمام العالم العربى وأمام الإنسانية لتحقيق أطماع قادتها!!