أعرف أن موسم الكتابة الآن منصب - عن حق - على غزة وما يجرى فيها من مأساة كبرى سواء فى شقها العدوانى الإجرامى الإسرائيلى الذى يقتل النساء والأطفال، أو فى شقها «الحمساوى» حيث تجرى أكبر عملية لتوجيه النيران إلى العنوان الخاطئ فى مصر، مع إدارة رثة لصراع صعب ومعقد. ولكن ليس معنى ذلك أن يتم نسيان مصر وسط هذا الهدير الهائل من الآلات الإعلامية المختلفة التى ما إن تجرى مصيبة عربية حتى يترك الإعلام المصرى كل واجباته الأخرى، ويرقص على أنغام الإعلام العربى خاصة قناة الجزيرة، أو يتحول إلى إعلام باهت يذيع بيانات رسمية، وفى الحالتين فإنه ينسى مصر كلها بمن فيها من ثمانين مليون نسمة، وما فيها من مشكلات ومعضلات عدة. وربما فيما عدا التنمية الاقتصادية المستدامة لا يوجد موضوع يشغل بال النخبة المصرية قدر موضوع الديمقراطية والانتخابات «النظيفة» وكلها موضوعات مهمة، ولها تراث طويل من الجدل حول ما حدث فيها خلال الانتخابات والأعوام الماضية. ولا توجد هنا نية لإعادة النظر فى هذه الموضوعات وذلك التاريخ، وإنما لفت النظر لقضية مهمة وهى ماذا نفعل بالديمقراطية والانتخابات النظيفة فور الفوز بهما؟ فما جرى فى بلدان أخرى من سعى نحو كليهما كان أولاً اليقين بفساد كل النظم السياسية الأخرى، والأهم ثانياً هو اليقين بأن الديمقراطية سوف تقدم سياسات أفضل وأكثر فاعلية فى تحقيق الأهداف القومية من النظم الأخرى. والحقيقة أنه ما لم يتم ربط الديمقراطية بالسياسات فإنه من الممكن أن تكون الديمقراطية أداة لسطوة المال أو الديماجوجية أو حتى الفساد القادم من الأكثر عنفاً ومالاً ويستند إلى عصبيات عائلية أو قبلية، والأخطر من ذلك كله أن تؤدى العملية كلها إلى الفوضى التى لا يصير تحتها لا ديمقراطية ولا استبداد. وهناك دول مثل نيجيريا والسودان ومؤخراً موريتانيا عانت من هذه الحالة الدورية بين الديمقراطية والديكتاتورية لأن أحداً لا يعلم ما الذى يجب عمله بعد الفوز بالديمقراطية والانتخابات النظيفة، حيث مشكلات التنمية والسياسات الخارجية تظل على حالها ولا تختفى بمجرد وصول القائد المنتخب إلى السلطة. ولا توجد حالة تشرح هذا الموضوع قدر حالة نادى الزمالك الذى هو أحد «أقطاب» الكرة المصرية على الأقل حتى الماضى القريب. فالصرعة السائدة الآن فى النادى هى أن الانتخابات سوف تحل كل مشكلات النادى وتبعث فيه الاستقرار الذى فشلت فى تحقيقه مجالس الإدارة المعينة عن طريق «السلطة الإدارية» أو الدولة. وينسى الجميع وسط هذا الاتجاه أن اللجوء إلى التعيين والسلطة الإدارية قد حدث بعد فشل ذريع للسلطة «المنتخبة» لأن الجماهير التى انتخبت لم تقدر ولم تعرف ما السياسات التى سوف يقوم المرشح بتطبيقها، بل على العكس كان المرشح المنتخب بعد ذلك قائدا لأكبر عملية تخريب جرت لنادى الزمالك فى تاريخه. ليس معنى ذلك بالطبع أن الديمقراطية والانتخابات النظيفة هى النظام السياسى الخاطئ، وأنه من الأفضل أن تدير «الجهة الإدارية» النوادى الرياضية أو النوادى السياسية المعروفة بالنظام السياسى، وإنما ما نريد التأكيد عليه أن الديمقراطية والانتخابات النظيفة لا تكتمل ما لم تكن معبرة عن سياسات بناءة جرى التوافق عليها والأهم على تكلفتها. فالحقيقة أن الجمهور هو جزء من الكارثة الحالية لنادى الزمالك لأنه لا يتحمل التكلفة الزمنية لعملية بناء فريق جديد، حيث تقع هزائم كثيرة دون الدفع الفورى لطرد المدرب قبل تنفيذ برنامجه فى البناء، كما أن دور الجمهور فى تدليل اللاعبين وقبول تجاوزاتهم – أو التواطؤ مع الفساد - من الأمور التى تؤدى إلى انهيار النظام الضرورى للحفاظ على معنويات الفريق. والخلاصة إذن هى أن الجمهور، والجماهير، هم جزء من العملية الديمقراطية وهم وحدهم القادرون على إنجاحها أو إفشالها، لأنها هى الطريقة الوحيدة فى النهاية التى تؤدى إلى تحويل النادى إلى مؤسسة ناجحة، ففى يوم من الأيام كان النادى الذى يهزم كثيراً يتم تسليمه إلى المؤسسة العسكرية بقيادة المشير عامر لكى تضعه على الطريق القويم والانتصارات الدائمة. وكانت هذه الطريقة تنجح لبضعة أسابيع ثم يعود الفريق إلى الهزيمة من جديد. الحل هو الديمقراطية، ولكن مع شعب وجمهور يحترمها، وسياسات يكون الكل مستعدا لدفع ثمنها مالاً وزمناً!!