تأجل الحوار الوطنى الفلسطينى الذى كان مزمعاً عقده فى القاهرة قبل أيام قليلة، أو فشل لا فرق، المهم أن الحوار أفضى إلى لا شىء، وسقط حلم الشعب الفلسطينى فى هوة اليأس، كون الفرقاء لم يقدروا حلمهم البسيط والمشروع فى عودة تلاحم الوطن وإنهاء حالة التمزق والانقسام بين شقيه والصراعات الدائرة بين أبنائه تحت مسمى الإصلاح السياسى وبتر جذور الفساد... إلخ من المصطلحات السوفسطائية التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.. هكذا أنهى الفرقاء بجرة قلم حلماً تضخم فى أعماق كل فلسطينى تضرع إلى الله كثيراً أن يكون فى حوارات القاهرة الخلاص المرتقب وعودة الحياة إلى طبيعتها. لكن حماس والجهاد وفصائل أخرى ضنت على الشعب بهذا الأمل حتى ولو كان مجرد حلم، وفى جعبتها حجج قد تكون وجيهة، لكنها فى العمق واهية، لأن الحوار كان بداية الخيط لحل العقد، وفك الرموز، وحلحلة الكبرياء والغرور الذى أصاب الجميع. رفضت حماس الذهاب إلى الحوار فى القاهرة متذرعة بحجة استمرار ما وصفته بالمجزرة السياسية ضد عناصرها الذين تعتقلهم أجهزة الأمن الفلسطينية فى الضفة، وأكدت رغم ذلك أن الحوار خيارها وتسعى إليه، لكن ليس بأى ثمن ولا على حساب الحقوق والثوابت والمقاومة أو على حساب نتائج الانتخابات. لقد راوحت حماس فى مكان وموعد الحوار وكان التردد سيد الموقف فى تصريحات قادتها وفى النهاية حسمت أمرها بعدم الذهاب، فقد كان ثمة توجه قوى إلى عدم المشاركة فى الحوار على أساس المفاضلة بين خيارين: عدم الذهاب والتعرض إلى انتقادات، أو الذهاب والتعرض إلى ضغوط مصرية وعربية وفلسطينية، وتحميل الحركة مسؤولية فشل الحوار بعد عقده، لذا أعلنت فى الوقت الحساس والحرج أنها لن تذهب إلى القاهرة ما لم تتم الاستجابة إلى شروطها، لكنها تركت الباب موارباً أمام خيارات فتحه مرة أخرى أو إغلاقه نهائياً. فحماس لن تقبل المشاركة فى الحوار من دون تحقيق مطلبها إطلاق سراح معتقلى الحركة فى سجون السلطة الفلسطينية فى رام الله، وحملت بالتالى مسؤولية فشل الحوار إلى الرئيس محمود عباس «أبومازن» ومصر. ربما تحاول حماس بذلك رفع سقف تفاوضها مع حركة فتح التى يتزعمها الرئيس أبومازن، وقد تكون مجرد مناورة للضغط على المحاورين وبالذات حركة فتح وأبومازن الذى ينتمى لها. وإذا كانت حركة الجهاد قد انضمت إلى حماس فى رفضها الاعتقال السياسى الذى يشكل العائق الأكبر أمام انطلاق حوار القاهرة، مشيرة إلى وجود معتقلين فى سجون الضفة الغربية لها أيضاً، فإن الرئيس عباس أنكر تماماً وجود هؤلاء المعتقلين السياسيين فى سجون السلطة واعتبر ذلك محاولة لإفشال جهود الحوار، مشيراً إلى أن المعتقلين القابعين فى السجون هم على خلفيات جنائية مالية أو استحواذهم على أسلحة غير شرعية. فهل تكون ذريعة حماس فى اللحظات الأخيرة لمقاطعة الحوار نابعة من توقعها الضغط عليها من قبل وزراء الخارجية العرب الذين ستجلس بينهم لتوقيع صيغة فى صالح الرئيس عباس، الذى ترفض أساساً تمديد ولايته، وهذه أزمة أخرى فى انتظار الفلسطينيين لا يستهان بها، فقد أكد عليها أمين سر كتلة حماس فى البرلمان مشير المصرى حينما قال إن الحركة لن تقبل بالتمديد للرئيس عباس فى التاسع من يناير المقبل، وعند الساعة الثانية عشرة ودقيقة «واحدة» لن يكون هناك رئيس للشعب الفلسطينى اسمه محمود عباس. وإذا كان الأمر بالنسبة لحركة حماس قد وصل إلى هذا الحد، فإن هناك من يعزو قرار عدم المشاركة فى الحوار من قبل حماس إلى وجود أزمة داخلية فيها، وأنها بذلك تريد تصدير أزمتها الداخلية الحادة بين القادة الميدانيين فى غزة من جهة، والمكتب السياسى لحماس وقيادتها فى الضفة الغربية من جهة أخرى، خاصة أن المكتب السياسى لحماس كبح جماح قيادة غزة للتخفيف من الشروط، وقال لهم ما قيمة أن نربح غزة بالكامل مقابل أن نخسر الضفة بالكامل. وأياً كانت الأسباب والمبررات، فهى فى النهاية لا تخدم سوى أصحابها، تجنى على شعب بأكمله وضع كل آماله وأحلامه فى توافق واتفاق يخلص إليه هذا الحوار، فكم عدد الذين قتلوا على مقصلة الصراع على السلطة سواء على شكل اغتيالات أو مواجهات؟ وكم عدد الذين أصيبوا بإعاقات دائمة؟ وكم عدد الجرحى؟ وكم عدد الذين دفع بهم الانقسام والصراع على السلطة نحو حافة الجوع والفقر والبطالة والبؤس الاقتصادى؟ وكم عدد المؤسسات والمنشآت الاقتصادية التى انهارت؟... إلخ من المآسى والكوارث التى حلت بالشعب الفلسطينى كافة وفى غزة بشكل خاص. إن الفلسطينيين فى هذه المرحلة أحوج ما يكونون إلى وفاق وإلى إنهاء حالة الانقسام الذى أضر بالشعب الفلسطينى سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وحتى نفسياً!!