فى احتفال الفريق أحمد شفيق، بافتتاح المبنى الثالث للركاب بمطار القاهرة، مساء أمس الأول، سألنى الدكتور أحمد نظيف، عما كنت أقصده، حين كتبت فى هذا المكان، فى اليوم نفسه، أقارن بين معدل النمو فى كل من الصين، والهند، ومصر وأطالب بألا يكون وصولنا إلى تحقيق معدل نمو مرتفع، هذا العام، مدعاةً لإغفال أو إهمال عناصر أخرى، تشكل معاً، قوة الاقتصاد الوطنى، بوجه عام! وحين وقف رئيس مجلس الوزراء يسألنى، ويستفسر عن حقيقة القصد، من وراء ما كتبته، فقد كانت هذه فرصة متجددة، حتى أعود وأقول، إن الكاتب فى العادة لا يقصد شيئاً سوى ما يكتبه فعلاً على الورق، وأن الراحل الكبير إحسان عبدالقدوس، عندما استدعوه للتحقيق فى شىء كان قد كتبه، ذات مرة، وعما إذا كان يقصد شيئاً ليس موجوداً على الورق فى حروف وكلمات، فإنه قال، إنه لا يقصد شيئاً على الإطلاق، سوى ما هو مكتوب بالفعل أمام المحقق، وأن أى محاولة لاستنتاج معنى لم يكتبه، لا جدوى منها! وقد كانت المقارنة بين الدول الثلاث، من جانبى، فى معدل النمو الذى حققته كل واحدة على حدة، تهدف فى غاية المطاف إلى أن تقول، إن الصين - على سبيل المثال - كانت قد حققت طوال ثلاثين عاماً مضت، معدلاً من النمو، أدهش العالم، ولايزال، ثم لحقت بها الهند بنسبة متقاربة، وظلت الدولتان مثار إعجاب الدنيا، فى القدرة على تحقيق هذا المعدل، الذى كاد أن يصل فى بعض الأوقات إلى 12٪ بما يجعله غير مسبوق فى أى دولة، بما فى ذلك دول عظمى! وقلت لرئيس الوزراء، وأنا أحاول أن أشرح قصدى، إن مصر كانت قد وصلت هذا العام، إلى 7٪، وهو معدل كانت ولاتزال تحسدها عليه دول كثيرة، فى المنطقة، وخارج المنطقة، ثم جاءت عدة أزمات عالمية كبرى، ابتداءً من أزمة الغذاء، فى صيف هذا العام، وانتهاء بالأزمة المالية العالمية المشتعلة حالياً، لتضرب هذا المعدل عندنا، وعند غيرنا بالطبع، فى مقتل، وترشحه لأن يهبط إلىحدود 4.5٪، هذا العام، إن لم يكن أقل بنصف فى المائة مثلاً! وإذا توقفنا عند هذا الحد، فى الكلام، عن معدل النمو لدينا، فنحن فى حقيقة الأمر، أقرب ما نكون إلى مَنْ يقرأ الآية الشهيرة «ولا تقربوا الصلاة» ثم لا يتمها إلى نهايتها، ليكتمل المعنى، وأقرب أيضاً إلى مَنْ ينطق نصف جملة، ثم يسكت عن بقيتها، فيبدو المعنى مبتوراً ومعلقاً فى الهواء.. وبقية هذا المعنى، بالنسبة لمعدل النمو، أنه، أى هذا المعدل، ليس هو فى حد ذاته، كل المراد، من رب العباد، وأن نجاحنا، كحكومة، فى تحقيق 7٪، ليس معناه أن نطمئن، إلى أننا أنجزنا مهمتنا، فيما يتصل بما هو مطلوب لاقتصادنا الوطنى، وليس معناه أيضاً، أننا قادرون استناداً على هذا المعدل المتحقق وحده، على مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية علينا، بنجاح وجدارة.. وإلا كانت الهند أشطر، وكانت الصين أشطر وأشطر.. وهما، كما نرى ونسمع كل يوم، تعانيان من الأزمة، معاناةً شديدةً، على عدة مستويات، أهمها تراجع فرص التوظيف، وانخفاض الصادرات، وزيادة الواردات، وغيرها! فما معنى هذا كله؟!.. معناه أن المعدل الذى حققناه، يحتاج لكى يؤتى ثماره على المدى البعيد، إلى تواصل وتراكم فى مستواه أولاً، ثم إلى نوع من التكثيف فى مواصلة السعى إلى الحفاظ عليه، قدر الإمكان، عند مستواه الأول، أو عند مستوى قريب من ذلك، على الأقل! مرةً أخرى.. وعاشرة.. معدل النمو الذى حققته حكومة الدكتور نظيف، شىء مهم يحسب لها، دون شك، باعتراف المختلفين معها أنفسهم.. ولكنه - وحده - لا يكفى أبداً، ولا يفى بما نريده لكل مواطن، ونأمله كوطن.. وبالتالى فالتحدى الذى تواجهه هذه الحكومة، يظل تحدياً مضاعفاً ومضروباً فى اثنين: مرة من خلال التعامل مع معدل النمو، كما كان الحال قبل اندلاع الأزمة العالمية، ومرة من خلال التطلع إليه، من منظور الأزمة واستحقاقاتها التى تفرضها علينا، يوماً بعد يوم!