فاجأنى الدكتور أحمد نظيف، حين سألنى مساء الجمعة الماضى عما كنت أقصده عندما كتبت فى صباح اليوم نفسه فى هذا المكان عن معدل النمو الذى تحقق فى البلد خلال عام 2007، مقارنة بمعدلات أخرى تحققت بنسب مختلفة فى كل من الهند والصين! كنا فى حفل افتتاح المبنى الثالث للركاب بمطار القاهرة، وكانت أجواء الاحتفال صاخبة إلى درجة لا تستطيع معها أن تتكلم مع جارك على المائدة نفسها، فما بالك بأن تناقش رئيس الوزراء فى شأن التبس عليه! ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يناقشنى فيها الرجل فى أفكار كتبتها.. فقد حدث هذا من قبل أكثر من مرة، وكان ذلك فى مكتبه تارة وخارج المكتب تارة أخرى.. وفى كل مرة كنت أشعر أنه مهتم بأن يستوعب جيداً ما يقال حوله من أفكار هنا أو هناك، ومهتم بالدرجة ذاتها بأن تصل أفكاره إلى الناس.. ولكن هذه المرة فى مطار القاهرة أحسست بأن ما قلته لم يصل على الصورة التى كنت أريدها، وبأن الفكرة إذا كانت قد بدت غامضة بعض الشىء على رئيس الوزراء، فكيف يمكن أن تصل واضحة إلى آحاد الناس؟! وقد جاهدت وقتها أن أعيد على مسامع رئيس الوزراء ما كنت أود أن أقوله حين كتبت.. وقد فعلت ذلك بإيجاز شديد فلا الوقت كان يسمح، ولا امتلاء المكان بأصداء الحفل الزاعقة كان يعطينى فرصة! وحين انصرف الدكتور نظيف رحت أقلّب الفكرة من جديد فى ذهنى.. وتراءت أمام عينى صورة رئيس الصين وهو يخطب فى العالم قبل أيام ويقول إن الإصلاح الذى بدأته بلاده منذ 30 سنة سوف يستمر لأنه عملية متواصلة الحلقات، ولا انقطاع بين حلقة وأخرى، ثم يقول أيضاً فى السياق نفسه إن الإصلاح إذا لم يكن مقترناً بانفتاح حقيقى، ومصاحباً له، فإنه لا أمل فى إصلاح ولا فى انفتاح.. مع وضع مليون خط تحت عبارة «انفتاح حقيقى» وسوف نعود إليها. وقد عدت إلى كلام رئيس الصين أتأمله من جديد وأتدبر معانيه، ثم أقارن كل ذلك بما عندنا.. فالمصرى - أى مصرى - لا يملك حين تقع عيناه على شىء جيد فى أرجاء الدنيا إلا أن يقارن على الفور بين هذا الشىء ومقابله فى بلده.. أنت وأنا وهو نفعل ذلك تلقائياً دون ترتيب أو قصد مسبق، ونحزن بطبيعة الحال حين تأتى المقارنات فى كل مرة أو فى أغلبها فى غير صالحنا، خاصة عندما تكتشف أننا لا ينقصنا إمكانيات من ذلك النوع المتاح لهم فى أى مكان فى الخارج.. فقط تنقصنا الرؤية التى تستند على دعائم من خيال! وإذا كانت الصين تحتفل بثلاثين عاماً من الانفتاح، فتجربة مصر مع الانفتاح عمرها 34 عاماً، لأنها بدأت عام 74 بعد حرب أكتوبر مباشرة.. ولكن شتان ما بين حصيلة الانفتاح هنا وحصيلته هناك.. فقد كان الصينيون مدركين منذ اللحظة الأولى أن تحقيق معدل نمو وصل إلى آفاق 12٪ ليس هو منتهى الأمل، رغم أنه كان الأعلى تقريباً فى العالم، ومع ذلك فإنه، والحال كذلك، لم يقض على الفقر، وإنما كان ولايزال هناك فقراء كثيرون، وبالتالى أدركوا أن هناك سراً آخر فى الموضوع كله... هذا السر يتمثل فى كلمة واحدة هى «التعليم»، الذى يستطيع وحده أن يوزع عوائد النمو على البشر فى الدولة بالتساوى.. والذى يستطيع بمفرده أن يجعل لكل مواطن نصيباً فى الدخل القومى لبلده، بدلاً من أن يفكر هذا المواطن تحت ضغط تعاسته فى حياته فى الخروج إلى الناس فى الشوارع وهو شاهر سيفه!.. التعليم وحده، والتعليم الجاد وجه الخصوص بالطبع، هو الذى يستطيع أن يصل بثروات الوطن إلى كل بيت، وهو الذى يجعل كل شاب شريكاً حقيقياً فى حاضر بلده وفى مستقبله أيضاً، وهو الذى يتيح الفرص أمام كل فرد حسب مؤهله، وهو الذى يجسد مبدأ العدالة الاجتماعية فى أسمى معانيه!... فأين نحن من هذا المفهوم؟!... سؤال يغرى بالعودة مرة أخرى بإذن الله إلى أصل الموضوع، فلم أكن أدرى أن نقاشاً عابراً مع رئيس الوزراء سوف يفجر كل هذه المعانى فى داخلى، ولم أكن أدرى أن خطاب رئيس الصين يأتى وكأنه يمس عصباً ملتهباً فى داخل كل منا!