للمصريين عشم دائم بالرئيس.. وكلما حدث اعتصام أو إضراب طالب أصحابه بتدخل الرئيس.. ولكن مع تضخم مشاكل التعليم والصحة والإسكان والمرور وغيرها، تثار الآن تساؤلات حول كيفية عرض الأمور على الرئيس؟ ومن الذين يعرضونها؟ وهل يثق الرئيس فيما يعرضونه؟ وكيف ينظر للصحف والفضائيات التى تقدم صورة مغايرة لما يعرض عليه؟ منذ أيام كان الرئيس مبارك يفتتح مشروعات خدمية جديدة فى الفيوم، وكان التليفزيون يعرض الزيارة وأعاد بثها فى المساء كالعادة فى كل نشاط يحضره الرئيس.. وكان الدكتور حاتم الجبلى وزير الصحة يتحدث أمام الرئيس، وقال فى معرض حديثه: إن ارتفاع مستوى المعيشة دفع الناس إلى المزيد من الإنجاب، فعلق الرئيس ضاحكاً، وضحك الحاضرون على تلك المصيبة التى نطق بها الدكتور الجبلى، ومرت، وانتهى الأمر، وواصل الدكتور الجبلى الشرح.. وحسبما كنا نعلم طوال السنوات الماضية، أن الزيادة السكانية هى سبب المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها مصر، ولم نسمع أبداً أن تحسن الأحوال الاقتصادية للأسرة المصرية هو سبب المشكلة السكانية!! وحسب الدراسات المنشورة وغير المنشورة فى الإعلام أن الأسر الفقيرة والتى لا تنال قدراً مناسباً من التعليم والمتمركزة فى المناطق الأكثر فقراً تلجأ لكثرة الإنجاب، لأنها تلجأ لتشغيل أطفالها صغاراً فى الورش والمنازل، وكلما زاد عدد الأبناء زاد دخل الأسرة، وهذا يتفق مع الدراسات التى تجريها وزارة الأسرة والسكان. ولكن الدكتور الجبلى غير لنا كل هذه الحسابات فجأة، وحدث الرئيس بما يحب أن يسمعه، فالرئيس يحب أن يشعر أن مستوى معيشة المواطن قد ارتفع.. ولو انتبه الرئيس لاستوقف الجبلى ومنعه من الاسترسال فى الحديث ليستفسر منه عن الأسانيد العلمية التى توصل بها لهذه المعلومة الخطيرة والغريبة، ولطلب من رئيس الوزراء توضيح الأمر، وربما يستدعى الوزيرة مشيرة خطاب لتوضيح وجهة نظرها ولو على «الفيديو كونفرانس» الذى كان مستخدماً بكثرة فى هذه الزيارة.. فهذا التضارب فى بيانات الحكومة الواحدة والذى ظهر على الهواء مباشرة أمام الرئيس كان يحتاج موقفاً أكثر حسماً لنعرف أى الفريقين على صواب. وقد خرج كل من شاهد الزيارة بأن هناك تضارباً واضحاً، يعنى أن التشخيص خاطئ، وبالتأكيد فى هذه الحالة فإن العلاج سيكون خطأ. وفى الزيارة نفسها، وقف أحمد المغربى وزير الإسكان متحدثاً ًأمام الرئيس، فقاطعه الرئيس مستفسراً عن المشكلة التى ترتبت على افتتاح وصلة المريوطية التى تربط بين طرفى الطريق الدائرى، وكانت لفتة ذكية تؤكد أن للرئيس مصادر معلومات أخرى.. فأجاب المغربى بثقة يحسد عليها: أن الوصلة الجديدة تصب على منطقة ضيقة من الطريق الدائرى، وهو ما أدى للتكدس الذى حدث!! وأضاف المغربى قائلاً: إن هناك مشروعاً لتوسيع هذه المنطقة الضيقة، وسينتهى خلال عام، أما لو أمرت سيادتك فمن الممكن أن نضغط الوقت!! فوجه الرئيس لضرورة التنفيذ فى أسرع وقت ممكن!! ولا أدرى كيف تجاوز الرئيس هذه السقطة، وواصل الاستماع إلى الوزير المغربى وكأن شيئاً لم يكن.. فالطبيعى بل الضرورى هنا أن يوجه الرئيس اللوم للمغربى الذى جعله يفتتح مشروعاً غير متكامل.. كما كان من الضرورى جداً أن يسأل الرئيس السيد المهندس وزير الإسكان عن فائدة علم الهندسة إذا كانت الآثار السلبية للمشروعات الهندسية تكتشف بالصدفة بعد انتهاء تنفيذها.. وكان الطبيعى أيضاً أن ينهر الرئيس الوزير على أسلوب اللف والدوران فى العرض، فطالما أن الوزير يستطيع الانتهاء من التعديلات المطلوبة لعلاج المشكلة بسرعة، فلماذا يقول للرئيس إنها تحتاج سنة كاملة، ثم يقول إنها يمكن أن تستغرق زمناً أقل لو أمر الرئيس بذلك؟ لماذا لا يتحدث الوزير المغربى مباشرة، ويخبر الرئيس بالإجابة الواقعية؟ هل يؤدى الوزير مهمته كمسؤول أمام الوطن كله، أم يؤديها أمام الرئيس فقط؟ لقد فجرت ردود الوزراء على الرئيس فى زيارته للفيوم العديد من التساؤلات عن الطريقة التى تعرض بها الأمور على الرئيس.. فقد خلا الحوار من الأسس العلمية والمنطقية فى الإدارة بين الرئيس والمرؤوسين.. وكأن الناس لا تسمع، وكأنهم إذا سمعوا لن يفهموا.. فإذا كان العرض بهذه الطريقة على شاشات التليفزيون وعلى الهواء مباشرة، فكيف يتم العرض فى الاجتماعات المغلقة؟.. وللأسف أن من بين الوزراء من يقيسون نجاحهم بمقدار رضا الرئيس عنهم فى كل مناسبة على حدة.. ليس مهماً أن تكون هناك فائدة للشعب، وليس مهماً أن يكون هناك إنجاز حقيقى.. ولكن النجاح كل النجاح أن يخرج الرئيس فى النهاية مبتسماً وسعيداً.. وهذه الحالة الغريبة واضحة كل الوضوح لرجل الشارع.. فالبعض يظن أن الرئيس يكتفى بآراء المحيطين به ممن وضع ثقته فيهم، فلا يقرأ ما نقرؤه من صحف، ولا يشاهد ما نراه فى الفضائيات.. ولكن الرئيس يجب أن يعلم أن التاريخ لا يذكر أسماء الوزراء، ونادراً ما يذكر رؤساء الحكومات، ولكن التاريخ يتحدث عن مرحلة حكم منسوبة لحاكم، ويحمل كل أخطاء هذه المرحلة عليه. أعتقد أن الرئيس – أى رئيس - فى حاجة ماسة كى يتعرف على المواطنين وآلامهم ومشاكلهم وهمومهم بصورة أكثر قرباً، وبعيداً ًعن ترتيبات المحيطين به كما كان يفعل فى الماضى.. فالرئيس لو سمع من مواطنين لا يجلسون على كراسى سلطة، ولا يسعون وراء مناصب، سيكتشف الكثير مما يدور حوله، وسيغير وجهة نظره فى كثيرين ممن حوله. [email protected]