كامل الوزير: "مستعد للمحاسبة بعد حادث الإقليمي.. وهذه توجيهات الرئيس"    قيادات مستقبل وطن تجتمع لوضع الترتيبات النهائية لانتخابات مجلس الشيوخ    في الذكرى 55 لعيد قوات الدفاع الجوي.. صفحات من الفداء وحُرّاس للسماء.. الفريق ياسر الطودي: نمتلك أعلى درجات الاستعداد القتالي لحماية سماء الوطن في السلم والحرب    رئيس "الخدمات البيطرية" يبحث مع المستشار الزراعي الفرنسي سبل التعاون    "كشك": تعديلات الضرائب لتحقيق العدالة وتشجيع الاستثمار دون مساس بمحدودي الدخل    كامل الوزير: وزراء النقل السابقين كان نفسهم يعملوا اللي عملناه في ال10 سنين اللي فاتت    خامنئي: ترامب "يهول" لإخفاء فشل هجماته.. وصفعتنا لأمريكا كانت قاسية    مصر تعرب عن تعازيها للسودان الشقيق في ضحايا انهيار منجم للذهب    باريس سان جيرمان يتقدم برباعية على ميامي في الشوط الأول    الزمالك: انتقدونا بسبب التسريبات.. الآن نعمل في سرية!    بعد حادث المنوفية.. ضبط قائدي 9 سيارات تسير عكس الاتجاه بالطريق الإقليمى    احتفالات بذكرى 30 يونيو في جميع المحافظات بأجندة قصور الثقافة هذا الأسبوع    تامر حسني يعلن طرح ألبومه الجديد لينا معاد 10 يوليو المقبل    يحيى الفخراني يفتتح مجسما فنيا لأوبرا الخديوية في بداية المؤتمر الصحفي لعرض الملك لير    نائب وزير الصحة يتفقد مستشفى العلمين ويشيد بانتظام الفرق الطبية    وزير التعليم العالي: إعداد أول خريطة بحثية شاملة لكل إقليم بمصر    اجتماع طارئ في الأهلي.. الخطيب يناقش مع ريبيرو مصير الفريق وصفقات الصيف    المصري ينهى اتفاقه مع عمر الساعي فى انتظار استكمال مفاوضات الأهلي    محافظ الشرقية يفاجئ قرية بردين ويتابع تنفيذ أعمال توسعة طريق العصلوجى    «رغم صعوبة القطعة».. طالبات القليوبية: امتحان الإنجليزي في متناول الجميع    وزير الري: الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في إدارة منظومة المياه    الداخلية تضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة.. تهريب وهجرة غير شرعية وسرقة تيار    السجن 5 سنوات لمتهم اعتدى على شاب ب"كتر" في الجيزة    5% علاوة ترقية.. ضوابط ترقية الموظفين والتطبيق من يوليو 2025    سوريا تنفي مزاعم إحباط محاولة لاغتيال الرئيس الشرع    "ارتبط اسمه بالأهلي والزمالك".. نادي شلاسك فروتسواف البولندي يعلن مغادرة نجمه لمعسكره دون إذن    وزير البترول ومحافظ الوادى الجديد يشهدان توقيع العقود النهائية لتنفيذ مجمع إنتاج حامض الفسفوريك    نجاح زراعة منظم دائم لضربات القلب لإنهاء معاناة مريض من اضطراب كهربي خطير    عاصفة رعدية تؤخر سفر بايرن ميونخ إلى ميامي لمواجهة فلامنجو    السيسي يشهد أداء اليمين القانونية لرؤساء الهيئات القضائية الجدد    بحضور وزير الثقافة.. افتتاح أكبر معرض للكتاب بنادي الفيوم غدا|صور    انطلاق تصوير فيلم "ابن مين فيهم" لبيومي فؤاد وليلى علوي    بحضور أولياء الأمور.. مدير تعليم سفاجا يكرم أوائل الشهادة الإعدادية    وائل كفوري.. يطرح "بدي غير فيكي العالم" أولى أغنيات ألبوم "WK25"    ريبيرو يجهز مصطفى شوبير لحراسة مرمى الأهلي في الموسم الجديد    لتبادل الخبرات.. رئيس سلامة الغذاء يستقبل سفير اليابان بالقاهرة    محافظ أسيوط يفتتح قاعة اجتماعات مجلس المحافظين بالديوان العام للمحافظة    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    إسرائيل تعلن اغتيال المسؤول عن الصواريخ المضادة للدروع بحزب الله    انتخابات مجلس الشيوخ| الهيئة الوطنية تعلن التفاصيل "الثلاثاء المقبل"    عمرو أديب يهاجم رئيس الوزراء بعد حادث المنوفية: عرفت تنام ازاي؟    حادث جديد على الطريق الإقليمي بالمنوفية: إصابة مجندين في انقلاب سيارة أمن مركزي    ضبط سائق ميكروباص تحرش بطالبة في مدينة 6 أكتوبر    أسعار التوابل اليوم الأحد 29-6-2025 في محافظة الدقهلية    «الصحة» : دعم الرعاية الحرجة والعاجلة ب 713 حضانة وسرير رعاية مركزة    هل النمل في البيت من علامات الحسد؟.. أمين الفتوى يجيب    الأزهر للفتوى يوضح معني قول النبي" الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ"    أفضل الأدعية لطلب الرزق مع شروق الشمس    هل يجوز الخروج من المنزل دون الاغتسال من الجنابة؟.. دار الإفتاء توضح    ما أفضل صدقة جارية على روح المتوفي.. الإفتاء تجيب    في قافلة طبية ضخمة بدمياط.. علاج 1256 مريضًا    «لسة اللقب ماتحسمش».. مدرب بيراميدز يتشبث بأمل حصد الدوري المصري    5 أبراج «ناجحون في الإدارة»: مجتهدون يحبون المبادرة ويمتلكون رؤية ثاقبة    تنسيق الثانوية العامة 2025 محافظة كفر الشيخ.. الحد الأدنى للقبول    مبادرة برلمانية لحظر «البيك أب» في نقل الركاب وتعميم تجربة المنيا الرائدة    وفد من الأزهر والأوقاف لتعزية أهالى فتيات كفر السنابسة بالمنوفية.. صور    الحكومة الإيرانية: مقتل 72 امرأة وطفل إثر العدوان الإسرائيلي على البلاد    الأردن يرحب باتفاق السلام بين رواندا والكونغو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحم الله عبدالناصر
نشر في المصري اليوم يوم 09 - 10 - 2009

وقتها لم أكن قد تجاوزت السابعة من عمرى، ولكونى من فاقدى نعمة البصر، فقد كنت أتعلم بإحدى المدارس الخاصة بنا، والبعيدة عن منزلى بعشرات الكيلو مترات، ونظرا لبعد المسافة اضطرت أسرتى لإلحاقى بالقسم الداخلى بالمدرسة، كان أكثر ما يسعدنى دوران الأيام وحلول يوم الخميس الذى يأتينى فيه والدى ويقبلنى، ويحملنى على كتفيه، لنبدأ معاً المسيرة إلى المنزل والاستمتاع بالعطلة الأسبوعية بين أهلى وأحبتى وجيرانى،
وكان أكثر ما يشقينى لحظة اليقظة اليومية والتى كانت أشبه بالأشغال الشاقة، كانت تمارسها وتؤديها أبلة عزيزة ببراعة وامتياز، وأبلة عزيزة هذه كانت هى المشرف المسؤول عن التلاميذ من الصف الأول إلى الصف الثالث الابتدائى، والمطالبة برعايتهم بعد انتهاء اليوم الدراسى وتسليتهم والغناء لهم، والاستمتاع معهم باللعب والجرى والحكايات والحواديت وتناول الحلوى.. إلخ،
بصراحة شديدة، كانت السيدة تؤدى دورها ببراعة، وكنا نستمتع معها أيما استمتاع، ولا ننام الليل إلا بعد أن نفوز منها بقبلة أو بحضن أو بضحكة تعين على احتمال ظلمة الصمت الرهيب، والغريب أن هذه السيدة، على طيبتها المفرطة فى المساء، كانت شريرة للغاية فى الصباح، ولا أعرف لماذا؟ وبعد الحواديت والأغنيات والفوازير وقبلات ما قبل النوم، تستفتح اليوم الجديد بصراخ وضجيج وسب وشتم، «اصح يا واد أنت وهو، لحسن ها نزل فيكم ضرب، أو هاأرش عليكم ميه، وها ارفع من عليكم الغطا، فى يدها مذياع صوته عال، تنطلق منه أجمل أغنيات الصباح، وفى يدها الأخرى عصا، يختلط صوتها بالموسيقا المنبعثة فيحولها إلى ضوضاء تجبرنا على اليقظة، والانتفاض بسرعة إلى الحمام خوفاً من غضبها،
كنا نستيقظ كل يوم على سيمفونية العذاب هذه، التى لا ينجينا منها سوى الذهاب إلى الفصول الدراسية فى تمام الثامنة والنصف، وفى يوم بدا شروقه غير كل يوم، أيقظتنا أبلة عزيزة، دون أن تنطق بكلمة، رفعت الغطاء عنا بهدوء، وبلا زعيق وبلا عصا وبلا مذياع، أخذتنا واحداً واحداً إلى الحمام، كانت بيد تمسح وجوهنا بالمياه، وبيدها الأخرى تجفف دموعها المنهمرة بغزارة،
كان بكاؤها يذكرنى ببكاء أمى عندما تفقد عزيزاً، ووجدتنى رغماً عنى أبكيها أو أبكى لبكائها، وإذا بكل من فى الغرفة يبكون مثلى، وينهمرون فى البكاء، لم تعن أبلة عزيزة بأن توقفنا فى طابور منتظم كما اعتادت كل يوم، وأخرجتنا فى جماعات متفرقة إلى المطعم لتناول وجبة الإفطار، وهناك كان البكاء أشد، والحزن أكبر، نحيب وعويل فى أرجاء المكان،
وبدا واضحاً لى أن هناك أمراً جللاً قد حدث، ما هو؟ لست أدرى، قدمت إلينا وجبات الإفطار، لكن الحزن أكسبها طعماً مختلفاً ورائحة مختلفة، أجبرتنا على العزوف عنها، وللمرة الثانية على غير نظام، وعلى غير العادة، خرجنا إلى فناء المدرسة، برفقة مدرسينا ومشرفينا، لا طابور ولا تحية علم ولا صعود للفصول ولا حصص ولا أى شىء، وحضور مكثف لأولياء الأمور لاصطحاب فلذات أكبادهم إلى منازلهم، من كل مكان تنبعث الأدعية والتوسلات والأذكار وعبارات الحسرة والجزع، نواح وعديد: «الوداع يا جمال يا حبيب الملايين، إلى جنة الخلد يا جمال، يا ابن البلد يا أبوالبلد يا اللى بنتها بإخلاص» وفجأة يعانقنى والدى بحرارة، ودموعه تتساقط على يدى وهو يسألنى: جهزت حاجتك يا طارق؟ فأجبته: لا وهل هذا يوم الخميس؟ فقاطعنى بل هذا يوم الفراق،
ثم ضمنى أكثر فأكثر وقال بصوت متحشرج لن أنساه أبداً: جمال عبدالناصر مات يا ابنى، بكيت الرجل الذى بدأت معرفتى به، منذ لحظة وفاته، بكيت الرجل الذى وجدت كل الناس تبكيه، الفلاحون، العمال، الأطباء، المهندسون، المشايخ، حتى الشجر والحجر والنيل والشمس والسحاب، أظنها لو استنطقت لبكت الرجل الذى شهدت جنازته على حب الناس له، وخرجوا لوداعه إلى مثواه الأخير، بكيت الرجل الذى عرفت بعد ذلك أنه لم يشجب أو يدن أو يستنكر أو يطالب المجتمع الدولى بالتدخل، وحافظ على احترام الناس لكبريائه وعزة نفسه ولمصر من خلال مواقفه الصارمة الأبية.
 عبدالناصر الذى رحل عن عالمنا فى 28 سبتمبر 1970 زعيم بكل ما تحمله الكلمة من معنى ومن أشهر دعاة التحرر الوطنى، مثله مثل: تيتو ونهرو وشارل ديجول وجيفارا ولومومبا ومانديلا وكل حر فى هذا العالم، ويكفى أننا لم نسمع يوماً عبر وزاراته المتعاقبة عن وزير سرق أو نهب أو اختلس، وبقى فى السلطة، يكفى أننا لم نسمع يوماً فى عهده عن محتكرين أو مزورين أو سيطرة لرأس المال على مقدرات الناس، أو موظفين كبار يتقاضون الرشاوى فى مكاتبهم، أو ييسرون القروض بلا ضمانات، أو يسرقون الأحراز أو يبيعون القضايا أو يتملكون أراضى الدولة بالباطل، نعم عبدالناصر لم ينقذ الناس من الفقر،
 لكنه لم يقتل فيهم النخوة والشرف والإيجابية، لم يقتل فيهم الإحساس بالذات وبالآخرين، لم يقتل فيهم الكرامة والواجب، كان إلى جانبهم فى مواجهة أى عدو يمتهن الوطن، عندما دخلت طائرة أحد أقرب المقربين من الرئيس الأمريكى جونسون إلى المجال الجوى المصرى عام 1964 بدون إذن مسبق، أمر بإسقاطها فوراً، عندما أحس أن الغرب يرفض تزويده بالسلاح بعد الغارة الإسرائيلية على غزة، قرر كسر الاحتكار الغربى والتوجه إلى الكتلة الشرقية والحصول منها على الأسلحة المتطورة فيما عرف وقتها بصفقة الأسلحة التشيكية،
وعندما انسحبت الولايات المتحدة وبريطانيا والبنك الدولى من تمويل مشروع السد العالى، اتخذ قراره بتأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية، فى خطوة اعتبرها إيدن رئيس الوزراء البريطانى وقتها بمثابة وضع لأصابع المصريين على القصبة الهوائية للغرب، عندما أحس أن إسرائيل تسعى لزيادة قدراتها النووية والتقليدية، سارع الخطى فى بناء مفاعل أنشاص النووى، واستعان بأكفأ العلماء الألمان فى تطوير الأسلحة التقليدية والكيماوية، وشارك الهنود فى تصنيع طائرة مشتركة، ونجحت التجربة بالفعل،
لكن من الذى كان بوسعه أن يكمل المسيرة؟ قد يتحمل ناصر بعض الأخطاء، ومن منا لا يخطئ؟ لكن مجمل إنجازاته والتى دُمر معظمها تجعلنا كلما حلت ذكرى رحيل هذا الرجل الشهم الحر، قلنا دون تردد: رحم الله عبدالناصر.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.