صباح الثلاثاء نفدت صحيفة «ديلى تلجراف» العريقة من السوق، رغم أنها تطبع 110 آلاف نسخة زيادة على المليون نسخة اليومية منذ الخبطة الصحفية، التى انفردت بها يوم الجمعة الماضى (8 مايو). وقد ذكرت للقارئ العزيز مناقشة فى مجلس العموم البريطانى يوم 27 أبريل بشأن حساب المصاريف الإضافية لنواب البرلمان، وكيف دفع اهتمام الصحافة مفوضية مراقبة سلوكيات النواب إلى الوعد بنشر ملايين الفواتير والإيصالات، التى تقاضى النواب قيمتها من خزينة البرلمان فى يوليو القادم. «تلجراف» نجحت فى الحصول على نسخة الملفات الكمبيوترية، التى تضم صور ملايين إيصالات وفواتير تقاضى النواب قيمتها (ورفضت «تلجراف» الإفصاح عن مصادرها، فتقاليد الصحافة تعنى أن يقول الصحفى «السجن للجدعان وليس للفتّان»). وجاءت تفاصيل فضيحة القرن. كان يوما الجمعة والسبت من نصيب كبار الساسة الذين ينصحون الشعب بالأمانة والتمسك بمكارم الأخلاق (وأحدهم وزير متزوج يحاضر الناس عن تماسك الأسرة وقيم الحياة العائلية، وكشفت الإيصالات شراءه لوازم التواليت والزينة والماكياج الحريمى التى لا يمكن أن تناسب امرأة فى سن الهانم المصون زوجته، مما يشير إلى تحركات لعب بالذيل الوزارى). الأحد والاثنين كانا لفضح نواب الحكومة ومجلس الوزراء. ولم يفلت رئيس الحكومة نفسه من المصيدة، إذ عثرت الصحيفة على إيصال يثبت أن سعادة رئيس الوزراء دفع مصاريف الخادمة التى تنظف منزل شقيقه واستعاد قيمة الإيصال من خزينة البرلمان على أنها منزله، فى الوقت الذى يسكن فيه فى 10 داوننج ستريت، حيث الخدم فيه موظفون ميرى قد الدنيا لا يتقاضون راتبهم من الدولة فحسب، بل إنهم باقون عندما يقول الناخب لرئيس الحكومة: «متشكرين، ورّينا عرض كتافك».خصصت الصحيفة يوم الثلاثاء لفضح فواتير زعماء حزب المحافظين المعارض (وهو سبب نفاد «تلجراف» من الأسواق لأن الغالبية الساحقة من قرائها يصوّتون للمحافظين). «تلجراف» فجّرت قنبلة. رئيس حزب المحافظين السابق، ووزير الصناعة السابق اللورد تيبت نصح الناخبين فى ال»بى بى سى» الثلاثاء ب»تلقين الساسة درسًا بالتصويت لغير الأحزاب الثلاثة الكبرى» فى انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبى الشهر القادم. زعيم المعارضة المحافظ دافيد كاميرون جمع وزراء حكومة الظل صباحا، ثم جميع أعضاء البرلمان المحافظين ظهرا ليلقى عليهم محاضرة أخلاقية، ثم تلقيت من مكتبه، كغيرى من عشرات الصحفيين، «تكسيت» على الموبايل لحضور مؤتمره الصحفى بعد الغداء. قال إنه أمر جميع النواب بكتابة شيكات فورية لخزينة البرلمان بأى مصاريف تلقوها مقابل أثاث منزلهم فى لندن (النائب له منزل فى دائرته الانتخابية وآخر فى لندن لحضور جلسات البرلمان)، وأى مصاريف هناك أى شك فى أنها لا تتعلق مباشرة بالأداء البرلمانى للنائب. وأضاف أنه سيحرّم تمامًا على نواب دوائر لندن فى حزبه تقديم مصاريف أثاث أو سفر أو منزل إضافى، إلى جانب منعهم من المطالبة بمصاريف غذاء إضافية، خاصة أنهم سيتناولون الطعام أصلاً. زعيم المعارضة البرلمانية سحب البساط من تحت أقدام رئيس الحكومة وخطف طباشيرة معلم الأخلاق من يده ليكتب درسا جديدا على السبورة البرلمانية- والبرلمان هنا هو الحكومة ومرآتها (المعارضة) وليس ختمًا من المطاط يصدّق على فرمانات الحكومة غير المنتخبة وفتاواها. وليس أمام رئيس الحكومة، بأغلبيتها ال 67 صوتًا، إلا الوقوف مطأطأ الرأس ليردد درس الأخلاق الذى خطّه زعيم المعارضة على السبورة البرلمانية، فخيارات الحكومة محدودة فى وجود البديل الجاهز. والسلطة الرابعة للاثنين بالمرصاد، مثلما أثبتت خبطة «تلجراف»، التى سيعلقها التاريخ وسامًا على صدر الصحافة الحرة.