ما هى حكاية الحكومة مع طارق نور بالضبط؟ لماذا تغدق عليه الوزارات والبنوك الوطنية وحتى المؤسسات الخيرية القائمة على التبرعات بحملات إعلانية مكثفة غير معلومة الهدف طوال شهر رمضان؟ وكيف تحصل الوكالة الإعلانية لطارق نور على هذه الحملات الإعلانية دون الوكالات الأخرى؟ هل تحصل عليها بمناقصات أم بالأمر المباشر؟ ولماذا كشف طارق نور عن هويته الحزبية فجأة وأعلن أنه ينتمى للحزب الوطنى؟ هل يسعى طارق نور لاستخدام خبرته الدعائية فى لعب أدوار ذات طبيعة سياسية فى المرحلة القادمة؟ منذ كتبت هنا قبل أسبوعين عن "المال السايب" الذى تنفقه وزارات المالية والنقل والاستثمار والبترول فى حملات إعلانية غريبة وغير مفهومة، تلقيت عشرات الاتصالات التليفونية والرسائل الإلكترونية لتطرح التساؤلات السابقة.. وكلها أسئلة منطقية.. فأى مراقب وطنى مخلص يتمتع بقدر يسير من الفهم لابد أن يتسرب الشك إلى نفسه من هذه العلاقة الغريبة التى تربط حكومة رجال الأعمال برجل الإعلان.. صحيح أن طارق نور اسم معروف فى عالم الدعاية والإعلان، وصحيح أن لديه خبرات طويلة وكبيرة فى هذا المجال، إلا أن هذا لا يعنى أبدا أن يتحول لمحتكر لسوق الدعاية والإعلان فى مصر، كما لا يعنى أبدا أن تمنحه الوزارات والبنوك الوطنية حملات إعلانية ضخمة بمئات الملايين وفى توقيت واحد بلا سبب واضح.. فلا يمكن لوزارة أن تدفع من أجل إعلانات إلا لأهداف محددة ومعلومة، ووفق ضوابط قانونية ومالية. فإذا كانت الدول المتقدمة تضع ضوابط للإنفاق العام، فلابد أن تكون هذه الضوابط أكثر صرامة وحدة فى مصر لأنها دولة فقيرة، ومعظم سكانها فقراء.. والمفترض أن الحكومة هى الأمينة على أموال الشعب، ولا تستطيع أن تنفق إلا إذا كان هناك مردود لما ستنفقه على المواطنين. وطارق نور يحصل أيضا على حقوق إعلانية أخرى من الحكومة بخلاف إعلانات التليفزيون، فهو ينتج الجانب الأكبر من الكتب والأفلام الدعائية للوزارات المختلفة، ومؤخرا تبين أن لطارق نور نفوذا غير محدود فى التليفزيون المصرى بقنواته المختلفة، فقد تمكن من احتكار أوقات البث الإعلانية المتميزة فى شهر رمضان، ومن بين الإعلانات الكثيرة التى تبث فى هذه الأوقات تلك الإعلانات التى أنتجها للوزارات المختلفة.. أى أن وزارة الإعلام منحت له الوقت المتميز، ليبث إعلانات عن الوزارات الأخرى بأسعار مضاعفة.. وهنا يحق لنا كمواطنين أن نسأل: كيف تستبيح الحكومة أن تستخدم أموال المواطنين فيما لا ينفع بهذا السفه، وتساعد على تسرب أموال الشعب من الخزينة العامة للدولة لخزينة شركة طارق نور؟ وما العائد الذى يستفيد منه المواطن من هذا الإنفاق؟ وطارق نور ابتدع قناة غريبة اسمها "القاهرة والناس" تبث برامجها خلال شهر رمضان فقط، كانت إعلاناتها استفزازية للغاية، حيث ركزت على سيدات مصريات بدينات من أحياء شعبية يتراقصن بأردافهن بصورة مهينة على أنغام غربية.. ولا أدرى إذا كانت هذه نظرة القناة للشعب المصرى أم لا؟ ولا أدرى أى قيمة إعلامية فى هذا المشهد السخيف وغيره.. ولكن المهم أن هذه القناة الناشئة محدودة الانتشار تمكنت أيضا من الحصول على نسبة كبيرة من الإعلانات الحكومية التى ينتجها صاحب القناة.. أى أن نور أصبح يتقاضى من الحكومة ثمن إنتاج الإعلانات، ثم يتقاضى عمولة بثها على القنوات الفضائية المختلفة ومنها التليفزيون المصرى، وكذلك يتقاضى مقابل بثها على قناته!! أى أن مئات الملايين التى تنفقها الوزارات بلا هدف تذهب خالصة تقريبا لوكالة إعلانات طارق نور!! لا نستطيع أن نلوم طارق نور، لأنه فى النهاية تاجر شاطر يسعى للربح من مهنته التى يجيدها.. ولكننا نلوم الوزراء الذين أنفقوا وأسرفوا من مال الشعب المحتاج، وهؤلاء تجب محاسبتهم ومساءلتهم.. ولا أحد يستطيع على وجه الدقة أن يحسب مئات الملايين التى ضاعت فى هذه المهزلة، ولكن هناك جهات نحترمها فى الدولة يمكن أن تجرى تحقيقات نزيهة وأمينة فى هذا العبث بمال الشعب على أن يكشفوا علنًا عن حجم الأموال التى أهدرها الوزراء على إعلانات لم تستفد منها إلا شركة إعلانات بعينها.. وعلى هذه الجهات أن توضح لنا كيف تمت الاتفاقات بين الوزارات والشركة فجأة وفى توقيت متزامن، وكأن هناك اتفاقًا فى مجلس الوزراء بأن تتعاقد الوزارات على إعلانات مع شركة طارق نور فقط وعلى وجه السرعة.. ومن يدرى، ربما نكون مخطئين، ويكون فى الأمر نوايا حسنة لا نراها نحن بأعيننا المجردة! الغريب أن الأمر لم يعد مقصورا على الوزارات والبنوك الوطنية.. ولكن دخلت على الخط مؤخرا مؤسسات خيرية تعيش على جمع التبرعات والزكاة من أهل الخير، ويفترض أنها تنفق هذه الأموال على الفقراء والمحتاجين من المصريين وهم بالملايين، ولا أعتقد أننى مثلا أدفع تبرعا لمؤسسة من هذه المؤسسات لكى ينفقها القائمون عليها لإنتاج وتسويق إعلانات، إلا إذا كان طارق نور أو غيره من أصحاب وكالات الدعاية قد أنتجها وسوقها مجانا.. وهذا ما لا أظنه.. فلم ترد أى إشارة فى هذه الإعلانات عن ذلك.. ولكن هذه قضية أخرى تهم الذين يتبرعون بأموالهم لهذه المؤسسات الخيرية.. أما فى حالة إعلانات الحكومة فالأمر يمس الشعب كله. كان طارق نور أصعب فوازير رمضان هذا العام.. وكنا نتمنى أن نعرف حل هذه الفزورة قبل أن ينتهى شهر رمضان.. كل عام وأنتم بخير. [email protected]