المشكلة الحقيقية عند إثارة هذه الشبهات التى تحيط بعقول بعض شبابنا المتحمس، أن عدم إحاطته بالقدر الكافى من العلوم الشرعية، وافتقاره الأهلية اللازمة للاستنباط من النصوص هما اللذان يقودانه إلى الوقوع فى الأخطاء الشرعية أثناء بحثه هو عن سبل الجهاد التى يكفكف بها اندفاعاته وحماسته، أثناء شعوره بالصراع النفسى بين الواقع المعاش الذى يشهد خلاله توافر المنكرات وتعاظمها فى المجتمعات المسلمة، وبين ماض سحيق يتضمن صفحات مجيدة من حضارة حكمت العالم فترات طويلة وأمجاد وفتوحات المسلمين، فيتصرف وكأنه خليفة المسلمين الممكن، فلو أنه فقه وعلم لأدرك أنه لا يجوز إزالة المنكر بمنكر آخر أشد منه وأعظم، أو أن يؤدى بعمله ورعونته إلى مفاسد أكبر، ولو علم إخواننا هؤلاء أن أحوال الضعف لها أحكامها وأحوال القوة لها أحكامها لما تسرعوا وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينبغى للمؤمن أن يُذلَّ نفسه» قالوا: وكيف يُذلُّ نفسَه؟ قال: «يتعرض من البلاء لما لا يُطيق» وكل هذا الذى نشير إليه لا علاقة له مطلقا بما يجب أن يتحلى به المسلم من أخلاق طيبة وحسن العشرة. سببان رئيسيان يرشحان تبنى مثل هذه النقولات المبتسرة والأدلة المرجوحة من حين لآخر فى أوساط الحركة الإسلامية، أولهما قلة العلم وعدم الأهلية الشرعية، وثانيهما قلة الخبرة وعدم الإفادة والإحاطة بتجارب الآخرين. هؤلاء الإخوة الذين يسارعون إلى تنفيذ عمليات جنائية تحت ستار فتاوى منكرة غير واضحة تبرر استحلال أموال غير المسلمين هم بالضرورة لا يملكون القدرة على فهم واستنباط الأحكام الشرعية كما أسلفنا، ولا يحفظون حتى هذه الأدلة التى تساق لهم سَوْقا، ويكرهون الإنصات إلى حديث الأخلاق والبر والوفاء بالوعود والعهود وعدم الغدر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدى الأمانة، حتى يُقال إن فى بنى فلان رجلاً أميناً، وحتى يُقال للرجل ما أجلده وأظرفه وأعقله وما فى قلبه مثقال حبةٍ من خردل من إيمان». أخرج البخارى فى صحيحه عن أصحاب رسول الله قال: «لما كاتب سُهيل بن عمرو يومئذٍ كان فيما اشترط سُهيل بن عمرو على النبى ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددتَه إلينا وخليت بيننا وبينه، قال المسلمون: سبحان الله، كيف يُردُ إلى المشركين وقد جاء مسلماً؟! فبينما هم كذلك إذ دخل أبو جندل بن سهيل بن عمرو، يرسُفُ فى قيوده، وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين، فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أُقاضيك عليه أن ترده إلى. قال أبو جندل: أى معشر المسلمين، أُرَدُّ إلى المشركين وقد جئت مسلماً؟! ألا ترون ما قد لقيت؟! وكان قد عُذب عذاباً شديداً فى الله. فقال رسول الله: «يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإنا لا نغدر، وإن الله جاعل لك فرجاً ومخرجاً». وقد جمع أخونا عبد المنعم حليمة نقولات وأدلة أخرى تؤكد هذه المعانى فى كتابه منها «وأخرج مسلم فى صحيحه عن حذيفة بن اليمان قال: ما منعنى أن أشهد بدراً إلا أنى خرجت أنا وأبى حُسيل والده قال: فأخذنا كفار قريش، قالوا: إنكم تريدون محمداً، فقلنا: ما نريده، ما نريد إلا المدينة، فأخذوا علينا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه، فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر، فقال: «انصرفا، نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم». وقال صلى الله عليه وسلم: «لكل غادرٍ لواء يوم القيامة يُعرف به» متفق عليه وقال أيضا: «من أمّن رجلاً على دمه فقتله فأنا برىء من القاتل، وإن كان المقتول كافراً «وقال أيضا: «من قتل نفساً معاهدة بغير حلها، حرم الله عليه الجنة أن يشم ريحها» وقال «صلى الله عليه وسلم»: «من قتل معاهداً لم يُرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً» البخارى. وفى رواية: «ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه حقه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسٍ منه، فأنا حجيجه يوم القيامة». يقول أبو بصير الطرطوسى فى كتابه معلقا «وقوله صلى الله عليه وسلم» من ظلم معاهداً «أى من ظلمه فى داره من قِبَل من يدخل فى عهدهم وأمانهم من المسلمين، أو من ظلمه فى ديار المسلمين بعد أن دخلها بعهدٍ وأمان من المسلمين، فالحديث يشمل المعنيين.. فليتنبه هؤلاء الذين يهون عليهم لشبهة واهية مرفوضة لا قيمة لها فى ميزان العلم أن يكون النبى حجيجهم وخصمهم يوم القيامة!». وقال النبى: «أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك». وقال «صلى الله عليه وسلم»: «مَن كان بينه وبين قومٍ عهد فلا يشدُّ عُقدَةً ولا يحلُّها حتى ينقضى أمدُها أو ينبذ إليهم على سواء». يظن البعض نتيجة جهلهم وقلة علمهم أن من تمام التدين التعامل مع غير المسلمين بطريقة جافة؛ لا تعرف غير الأذى والسب واللعن، والاستحلال والغدر، والغش والكذب وغير ذلك مما يُشين.. وإلا أصبحت موالياً ومداهناً لغير المسلمين.. وللحديث بقية.